06-مارس-2022

أغلفة الروايات (ألترا صوت)

ألترا صوت – فريق التحرير

لا يجد القارئ ما يفعله أمام حربٍ ما غير قراءة ما كُتب عن حروبٍ سابقة، لا بهدف فهم الحرب الراهنة، بل فهم الحرب بصفةٍ عامة بوصفها مجموعة سلوكيات وتصرفات وقرارات عبثية تخلق واقعًا شاذًا قوامه العنف، وتؤسس لأنماط عيش متبدلة أساسها القسوة، وتدفع بالبشر نحو مصائر مجهولة لا يتضح منها سوى مقدار ما تحمله من ألم.

نستعرض لكم في هذه المقالة 5 روايات تتشارك مع الحرب الروسية – الأوكرانية بعض أجوائها وظروفها، وتدور معظمها في محيطها، كما تقدّم للقارئ ما يساعده على فهم تاريخ هذه المنطقة وتحولاتها وطبيعة الحياة اليومية لبشرها في ظل حروبٍ مختلفة.

هنا 5 روايات تدور أحداث بعضها على جبهات القتال وفي معسكرات الاعتقال، ويسلط بعضها الآخر الضوء على أشكال المقاومة الشعبية ودور الناس العاديين في مواجهة القوى الكبرى، بالإضافة إلى أخرى تركز على انعكاسات وأثر هذه الحروب على البشر.


قطارات تحت الحراسة المشددة

ليست "قطارات تحت الحراسة المشددة" (منشورات المتوسط، الفارابي 2017/ ترجمة بسام حجار) للكاتب التشيكي بوهوميل هرابال رواية عن الحرب العالمية الثانية، لكنها تدور في أجوائها وزمنها، وتُروى على هامش سرد بطل الرواية، ميلوش هرما، لقصته التي تحضر فيها الحرب بأشكال وصور مختلفة ساخرة وهزلية أحيانًا، ومؤلمة في أحيانٍ أخرى.  

يعمل ميلوش متدربًا في محطة قطارات صغيرة تعبرها قطارات عسكرية تزوّد القوات الألمانية في التشكيك بالمؤون والعتاد. يخبرنا ميلوش أن جده حاول إيقاف الرتل العسكري الألماني الذي دخل التشيك عبر التخاطر، لكن الرتل الذي توقف للحظات تابع مسيره بعد أن هرست دبابة جسد العجوز وقطعت رأسه الذي علق بين زردات زنجيرها. هذا المشهد الذي يحمل من السخرية مقدار ما يحمل من الألم، هو أحد أشكال المواجهة الشعبية التي تتكرر في الرواية وتحضر فيها بأشكال وصور مختلفة، منها مهاجمة قطارات الألمان التي سيقوم ميلوش، برفقة أحد عمال المحطة، بتفجير واحدٍ منها في نهاية الرواية التي تسلط الضوء، في جانبٍ منها، على دور الناس العاديين في مواجهة القوى الكبرى في زمن الحرب.


الدرب الضيق إلى مجاهل الشمال

"الدرب الضيق إلى مجاهل الشمال" (منشورات الجمل، 2016/ ترجمة خالد جبيلي) للروائي الأسترالي ريتشارد فلاناغان، رواية عن الحرب التي دارت بين أستراليا واليابان خلال الحرب العالمية الثانية، ومحاولة لتسليط الضوء على قضية الجنود الأستراليين الذين وقعوا في أسر القوات اليابانية.

تُروى حكاية هؤلاء الأسرى من خلال حكاية دوريغو إيفانز الذي وقع في أسر القوات اليابانية، ونُقل برفقة آخرين إلى معسكرات الاعتقال اليابانية في بورما، حيث تعامل اليابانيون مع أسراهم باحتقارٍ شديد، ومارسوا ضدهم أفظع أشكال العنف وأكثرها قسوة، وذلك قبل إجبارهم على بناء سكة حديد تايلاند – بورما التي سميت بـ "سكة حديد الوت" بعدما شهدت مقتل آلاف الأسرى بسبب ظروف العمل القاسية، والجوع، والعنف الذي يصل إلى حدود التوحش، ويجعل من الرواية وثيقة عن عنصرية اليابانيين خلال الحرب العالية الثانية.


فتيان الزنك

تقدّم سفيتلانا أليكسييفيتش في كتابها "فتيان الزنك" (ممدوح عدوان، 2016/ ترجمة عبد الله حبة)، وثيقة أدبية لوقائع التدخل السوفييتي في أفغانستان بين عامي 1979 – 1989، قوامها قصص مجموعة من الجنود السوفييت الذين سردوا على مسامعها ما خبروه من فظائع وتجارب مؤلمة خلال عقدٍ من الحرب العبثية التي خاضوها بغير إرادتهم.

يضم الكتاب الذي جاء على شكل رواية، شهادات لمقاتلين نجو من الموت في أفغانستان، لكنهم عادوا إلى بلادهم برفقة أمراض وأزمات نفسية مزمنة تمنعهم من ممارسة حياتهم بشكلٍ طبيعي، وتضع نصب أعينهم ما عايشوه في أفغانستان التي تحولوا فيها إلى جيش من المعاقين في سكنات عسكرية، خبروا فيها مختلف أنواع الذل والقهر والجوع، بالإضافة إلى الرشاوي الجنسية التي دمرت حياة من عاد من الحرب حيًا.


كل شيء هادئ في الميدان الغربي

لا ينقل الكاتب الألماني إريك ماريا ريمارك في روايته "كل شيء هادئ في الميدان الغربي" (صدرت في طبعات عربية عديدة بترجمات وعناوين مختلفة) أجواء الحرب العالمية الأولى فقط، بل يسخر من الحرب نفسها التي يرى أنها تجعل ممن تورط فيها مرضى يتضاءل وجودهم ككائنات بشرية سوية نتيجة هذا المرض الذي ينشأ في الخنادق، ويستمر حتى بعد نهاية الحرب التي تظل حاضرة في ذهن من خبرها.

يروي ريمارك في روايته قصة مجموعة من الفتية الذين التحقوا بصفوف الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الأولى. يخبرنا الراوي أنه التحق ورفاقه بجبهات القتال تحت تأثير حديث أحد أساتذتهم عن الواجب والدفاع عن الوطن والتضحية من أجله، وهي شعارات فقدت معناها وجاذبيتها في الخنادق التي يراها الجنود مسكنًا ومقبرة ومساحة يختبرون فيها مشاعر القهر الخوف والجوع، ويفقدون داخلها إنسانيتهم عند أول اشتباكٍ مع جنود العدو. إنها رواية تدين الحرب التي يكتشف من خاض غمارها أن غايتها هي بناء إمبراطوريات جديدة، أو الحفاظ على أخرى قائمة.


الدفتر الكبير

تحضر الحرب في رواية الكاتبة المجرية أغوتا كريستوف "الدفتر الكبير" (منشورات الجمل، 2013/ ترجمة محمد آيت حنا)، عبر آثارها وتداعياتها على الفرد البشري، لا سيما الأطفال الذين نشأوا في ظلها، وتشكل وعيهم ونظرتهم إلى أنفسهم ومحيطهم على وقع ما ترتب عليها من عنف وقسوة ومرارة.

تروي "الدفتر الكبير" قصة توأمين أودعتهما والدتهما عند والدتها بسبب ظروف الحرب العالية الثانية التي لا تحضر في الرواية بشكلٍ مباشر، وإنما من خلال أثرها على حياة البشر ومعيشتهم، لا سيما على التوأمين الذين تهملهما جدتهما، فيدخلان في صراع مرير من أجل البقاء في ظل العنف والقسوة التي سيتدربان على اعتيادها، فيمتنعان عن تناول الطعام للتأقلم مع الجوع، أو يضعان جثث حشرات صغيرة في دفترهما المشترك للاعتياد على رؤية الدم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أن تقرأ "قطارات تحت الحراسة المشددة" في زمن الحرب

سفيتلانا أليكسييفيتش التي تكتب لتقول: "أنتم كاذبون"!