14-يناير-2018

الكثير من أحداث الحرب الباردة، كادت أن تؤدي لاندلاع حرب عالمية نووية (Getty)

استعرض موقع "The National Interest" خمسة أحداث وقعت بعد الحرب العالمية الثانية، خلال فترة ما عرفت بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.. كادت هذه الأحداث الخمسة أن تُؤدي لاندلاع حربٍ عالمية ثالثة، على الأغلب كان السلاح النووي ليكون نجمها الأبرز. في السطور التالية ترجمة للتقرير.


على الرغم من أن كثير من الأزمات القديمة مثل حصار برلين عام 1948، أو الحرب الكورية عام 1950، كان من الممكن أن يتسبب في اندلاع حرب عالمية، إلا أن هذه الأزمات قد وقعت قبل أن تُطوّر القوى العظمى مخزوناتها الهائلة من الصواريخ النووية العابرة للقارات. 

الأزمة الدولية ما هي إلا المسافة المتوترة بين السلام والحرب. ويحدد ملامحها ثلاثة عوامل هي: الوقت والتهديد واحتمالية اندلاع العنف

وقد انتهت هذه الأزمات في نهاية المطاف لصالح السلام، ولكن كان الطرفان في كل حالة من الحالات السابقة يعتمد على المقامرة، وكان يعتمد نجاحهم على الحظ بنفس مقدار اعتماده على التخطيط الإستراتيجي. وفي مرحلة ما، ينفد رصيد الحظ. ولا يسعنا في هذه اللحظة بعد مرور أكثر من 30 عامًا على انتهاء أزمة الحرب الباردة الأخيرة، إلا أن نأمل بأن تنتهي مقامرة القوى العظمى بالسلام الدولي.

اقرأ/ي أيضًا: نهاية نهاية الحرب الباردة

الأزمة الدولية ما هي إلا المسافة المتوترة بين السلام والحرب. ويحدد ملامحها ثلاثة عوامل هي: الوقت والتهديد واحتمالية اندلاع العنف. فكلما قصر الوقت، ازداد الشعور بتهديد المصالح الهامة، وزادت فرصة التعرض للأذى المادي، وبناءً عليه ازدادت حدة الأزمة. فحسب التعريف الاصطلاحي، لا يمكن لأي أزمة أن تستمر إلى الأبد، فعلى سبيل المثال استمرت أزمة تموز/يوليو من عام 1914 لأسابيع قليلة فقط، إلا أنها أقحمت القوى العظمى في حربهم العالمية الأولى.

خلال فترة الحرب الباردة، كان للأزمة دلالات ضمنية خاصة، لأن كل لحظة من لحظات الصراع السياسي، تضمنت احتمال اندلاع حرب نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وكانت كل مواجهة بين الطرفين لا تحمل في طياتها احتمالات الحرب فحسب، بل تنطوي على إبادة الحضارة البشرية قاطبةً. وبينما ننظر نحن إلى هذه الحقب في الوقت الراهن على أنها شيء غريب ينتمي إلى أحد المتاحف، كانت هذه اللحظات تمثل خطرًا وجوديًا على قادة الجانبين، الأمريكي والسوفيتي.

وقبل أن تبدأ الأزمة القادمة، نستعرض أسوأ خمس أزمات سببتها الحرب الباردة، ربما لنتّعظ قبل أن نجد أنفسنا رهنًا للعبة الوقت في مواجهة الحرب مرة أخرى.

1. برلين 1961.. الجدار والدبلوماسي

قال دين راسك، وزير الخارجية الأمريكي، عام 1961: "عندما أخلد للنوم ليلًا، أحاول جاهدًا ألا أُفكر في برلين"، فقد كانت التحصينات الغربية في العاصمة الألمانية المقسمة خلال فترة الحرب الباردة -والتي كانت بمثابة العصب الغربي المكشوف- رمزًا للصمود في وسط ما كان يُعرف آنذاك، بجمهورية ألمانيا الشرقية. 

وفي تشرين الأول/أكتوبر من عام 1961، وبعد أشهر قليلة من بناء جدار برلين، حاول دبلوماسي أمريكي عبور "نقطة تفتيش تشارلي" إلى برلين الشرقية. وفي غضون ذلك، طلبت منه شرطة ألمانيا الشرقية -والتي لم تعترف الولايات المتحدة بها كسلطة شرعية- إبراز أوراقه الرسمية. رفض الدبلوماسي ذلك، وعاود الكرة مرة أخرى، ولكن هذه المرة جاء على متن سيارة عسكرية برفقة عدد من الجنود. مرة أخرى، طلب منه رجال الشرطة المحلية الانصياع لأوامرهم.

كادت أن تتسبب محاولة عبور دبلوماسي أمريكي جدارَ برلين، بحرب عالمية ثالثة (Getty)
كادت أن تتسبب محاولة عبور دبلوماسي أمريكي جدارَ برلين، بحرب عالمية ثالثة (Getty)

في المرة التالية، أرسل الأمريكيون عددًا من الدبابات. وبعد أن تنبّه الجانب السوفيتي للوضع، أرسل هو الآخر دباباته. ووُجهت فوهات بنادق قوات كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي إلى بعضها البعض عن قرب في شوارع ألمانيا لمدة ثلاثة أيام متواصلة. وأخيرًا، تقدم الأمريكيون بمقترح يقضي بسحب الجانب السوفيتي لدبابة واحدة، كبادرة اختبارية، فاستجاب السوفييت لذلك، ومن ثم قام الأمريكيون بالمثل. ونُزع فتيل الأزمة، إلا أن الجانب الغربي من برلين، ظل حتى عام 1989 نقطة غربية ناتئة وسط المعسكر الشيوعي.

2. كوبا 1962.. أقرب نداء

إن تاريخ الأزمة الكوبية معروف بدرجة ما، وربما ليست هناك حاجة لإعادة سرده مرة اُخرى هنا. وكما حدث في برلين قبل عام واحد، عندما واجه جون كينيدي الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف، كانت القوى العظمى على موعد آخر من المواجهة وجهًا لوجه. فقد أخطأ خروتشوف في حساباته بشكل سيئ عندما أراد الحصول على ميزة إستراتيجية سريعة، ليس على حساب كينيدي فحسب، بل على حساب جيشه أيضًا، والذي اعترض على فكرته بأن الصواريخ يمكن ان تحل محل الرجال.

هناك على الأقل خمسة أزمات حدثت خلال فترة الحرب الباردة، كادت أن تؤدي إلى اندلاع حربٍ عالمية ثالثة نووية

وعلى الرغم من موافقة كينيدي على اتفاق سري تسحب الولايات المتحدة بمقتضاه صواريخ مشابهة من تركيا، إلا أن خروتشوف تعرض للإهانة، واستُخدمت كوبا ضده عندما أطاح به رفاقه في الكرملين من السلطة بعد عامين.

اقرأ/ي أيضًا: "الهستيريا الجماعية" قد تفسر ما حدث للدبلوماسيين الأمريكيين في كوبا

وإذا ما كانت الولايات المتحدة قد أقدمت على تنفيذ خطط تفجير مواقع الصواريخ الكوبية، لاندلعت حرب نووية بكل تأكيد. وكان من الممكن أن يتسبب مجرد حادث، أو لحظة فزع، في كارثة محققة، خاصة في ظل تحفز الجانبين ضد الآخر، فيما يتعلق بالطرف المتسبب في اندلاع صراع بحري حول جزيرة معزولة.

ومن الملاحظات المثيرة للاهتمام، أن فيدل كاسترو، حثّ السوفييت على استخدام الأسلحة النووية في البداية إذا ما تعرضت كوبا للغزو. إلا أن خروتشوف وبّخ كاسترو، ما اضطر كاسترو في نهاية المطاف إبداء أسفه على توصياته لإشعال الحرب العالمية الثالثة، وإن كان ذلك بعد مرور خمسين عامًا.

3. فيتنام 1965.. الحرب التي أرادها القادة العسكريون

أفادت التقارير في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1965، أن الرئيس الأمريكي ليندن جونسون انفجر غضبًا أثناء اجتماع مع القيادات المشتركة، الذين أرادوا منه أن يُصعد الهجوم الذي بدأ حديثًا في فيتنام. وانهال جونسون عليهم بسيلٍ من الشتائم الكثيرة والسريعة لكونهم على استعداد، في رأيه، للمخاطرة بشن حرب نووية على فيتنام. وقد تبين أن جونسون لم يكن الوحيد الذي لديه مشكلة مع القادة العسكريين.

فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، نُشرت في روسيا مذكرات كانت خاضعة للرقابة في السابق، لأنستاس ميكويان، الحليف السياسي لرئيس وزراء الاتحاد السوفيتي الأسبق خروتشوف، ذكر فيها ميكويان قصة تقشعر لها الأبدان، حدثت في عام 1965 أيضًا، وهي أن هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السوفيتية، غضبت من القصف الأمريكي لفيتنام والتحرك الأمريكي السابق في الجمهورية الدومينيكية، واقترح زيادة الضغط على برلين، إذ ورد في المذكرات نصًا:

"أكد وزير الدفاع السوفيتي الجنرال روديون مالينوفسكي، أنه ينبغي ألا نقصر في أي شيء كنا نقوم به بالفعل لمساعدة فيتنام، وينبغي لنا بعد الأحداث الدومينيكية، أن نتوقع حدوث تحركات ضد كوبا. وبالتالي يجب علينا أن نتصدى بحزم للأمريكيين. واقترح إجراء مظاهرة عسكرية في الغرب، يقصد في برلين وعلى الحدود مع أوروبا الغربية، وإرسال بعض الوحدات التي تشمل قوات محمولة جوًا وغيرها، من أراضينا إلى ألمانيا والمجر. مشددًا على أنه يجب أن نكون مستعدين لشن هجوم على برلين الغربية. ثم أضاف في وقت لاحق تعليقه بأنه بشكلٍ عام، فيما يتعلق بالوضع الراهن، والذي يترتب عليه أننا لا نخشى الاقتراب من خطر الحرب".

وكتب ميكويان أنه اندهش من موقف الجيش والقادة المدنيين السوفييت، الذين سعوا إلى سحق الفكرة بسرعة مرعبة. وعلى الرغم من تطلع كلا الجانبين لجعل المعركة في فيتنام أكبر، فإنه من حسن الحظ أن ربيع عام 1965، لم يصبح أكثر احتدامًا مما كان عليه بالفعل.

 4. حرب 1973.. حالة التأهب القصوى

بعد نكسة 1967 التي منيت بها القوات العربية، تطلّع المصريون إلى الأخذ بالثأر. وفي عام 1973 شنت مصر التي كانت مقربة من الاتحاد السوفيتي، هجومًا مفاجئًا على إسرائيل في بداية حرب السادس من تشرين الأول/أكتوبر. 

وعلى الرغم من أن المصريين وحُلفاءهم حققوا مكاسب كبيرة، إلا أن الإسرائيليين تعافوا بما يكفي لشن هجوم مُضاد، وفي نهاية المطاف تمكنوا من محاصرة الجيش الثالث المصري والتهديد بتدميره بأكمله. وفي الوقت الذي حاول فيه وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر كبح الإسرائيليين، حاول الكرملين إنقاذ أصدقائه المصريين بحلٍ جديد يتضمن التدخل العسكري من قِبل قوات أمريكية سوفيتية مشتركة للفصل بين الأطراف المتحاربة.

وأدرك الأميركيون على الفور حقيقية العرض الذي اقترحه الكرملين، وهو محاولة لإدخال القوات السوفيتية إلى الشرق الأوسط، فرفضت واشنطن ذلك. ثم هددت القيادة السوفياتية بالتدخل من جانب واحد، وأرسلت إلى الرئيس ريتشارد نيكسون رسالة وصفها كيسنجر في وقتٍ لاحق بأنها واحدة من أخطر التحديات التي واجهها البيت الأبيض على الإطلاق من موسكو.

وقد أُضعف نيكسون في أواخر عام 1973 بسبب تعرضه لعواصف من الفضائح قبل أقل من عام على استقالته، ولعل ذلك ما تسبب في تلك الخطوة السوفيتية. ولكن كيسنجر وفريق البيت الأبيض ردوا بإعلان حالة التأهب القصوى في الجيش الأمريكي، بما في ذلك القوات النووية الإستراتيجية الأمريكية.

ومن المحتمل أن السوفييت كانوا يخادعون، إذ نفى المستشار السوفيتي السابق، في ذلك الوقت، وجود أي خطط جارية من شأنها أن يقوم الاتحاد السوفيتي بأي عمليات غزو. وسواء كان الأمر بجدية أم لا، فقد تخلى السوفييت عن الفكرة، وبعد بضعة أسابيع، ألغى الأمريكيون بشكلٍ هادئ حالة التأهب القصوى.

ربما ما لا يعرفه الكثيرون، أن حرب 6 تشرين الأول/أكتوبر 1973، كادت أن تؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة (الأهرام)
ربما ما لا يعرفه الكثيرون أن حرب 6 تشرين الأول/أكتوبر 1973، كادت أن تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة (الأهرام)

وإذا ما تدخلت القوات السوفيتية في المنطقة، وانتهى بها الأمر إلى خوض حرب حامية ضد الإسرائيليين، لاختلفت الأمور تمامًا، ناهيك عما قد يمكن أن يحدث إذا لم تمتنع القائدة الإسرائيلية غولدا مائير عن خيار استخدام الترسانة النووية الإسرائيلية نفسها.

5. أوروبا 1983.. "هذا مجرد تدريب"

حدثَ آخر إنذار كبير في الحرب الباردة عن طريق الصدفة، ولم يعرف عامة الناس عن ذلك لعقود. وبالأحرى، لم يعرف عن ذلك أيضًا معظم حلفاء أمريكا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، على الرغم من أنهم كانوا جزءًا من الحدث.

كانت العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في عام 1983، باردة، كما لم تكن في أي وقت مضى، إذ تبنت إدارة الرئيس رونالد ريغان سياسة مواجهة قوية، بينما قاد الرئيس السوفيتي يوري أندروبوف، والذي كان رئيسًا سابقًا متشددًا لجهاز الاستخبارات السوفييتية، زمرة من الرجال العجائز المرتابين بشكلٍ متزايد في الكرملين. لقد كان عامًا متوترًا، بدءًا من خطاب ريغان عن "الإمبراطورية الشريرة" في شهر آذار/مارس إلى إسقاط الاتحاد السوفيتي طائرة ركاب مدنية في شهر أيلول/سبتمبر.

أجرت الولايات المتحدة والناتو في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1983، تدريبات أُطلق عليها اسم "آبل أرتشر"، وهدفت تلك المناورات الحربية والتدريبات العسكرية إلى العديد من الأشياء، من بينها اختبار قنوات الاتصال بين أمريكا الشمالية وأوروبا أثناء الانتقال من العمليات التقليدية إلى العمليات النووية إذا ما وقعت حرب عالمية ثالثة. وعلى الرغم من أن تحركات الناتو كانت مُشفرة، فقد بدأت كل رسالة بكلمة "التدريب"، والتي افترض قادة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أن السوفييت سيتعرفون عليها.

وبدلًا من ذلك، سرعان ما أدرك ضباط المخابرات الأمريكية أن الاتحاد السوفياتي كان يتفاعل مع عملية "آبل أرتشر" كما لو كان في الواقع تحضيرًا لهجوم نووي من قِبل الناتو. وعلى الرغم من أن الخبراء الاستراتيجيين السوفييت قد كتبوا في كثير من الأحيان عن احتمال شن الولايات المتحدة حربًا تحت ذريعة التدريبات العسكرية باعتبار ذلك نموذجًا كلاسيكيًا، إلا أنّ أحدًا لم يعتقد أن الكرملين قد يكون جادًا في اعتقاده بأن الغرب قد يشعل حربًا فجأة من العدم. 

كان قادة الاتحاد السوفيتي متخوفين دائمًا، ويتملكهم شعور بعدم الأمان من أي تحرك غربي، ليفسروه مباشرة بأنه تهديد نووي محتمل

وقد أثار رد الفعل السوفييتي (الذي اكتشفه البريطانيون لأول مرة أثناء المناورات) قلق الأمريكيين الذين حاولوا بصعوبة فهم ما اعتبروه رد فعل سوفيتي غير عقلاني على التدريبات العسكرية. وبمجرد أن خمدت ذروة المناورات بين الولايات المتحدة وأوروبا، تراجع السوفييت عن استعداداتهم الانتقامية. ولكن ريغان، على وجه الخصوص، استخلص درسًا من عام 1983 ومن عملية "آبل أرتشر" بالتحديد، وهو أنه قد حان الوقت للتواصل مع الكرملين، الذي كان قادته أكثر خوفًا وشعورًا بعدم الأمن مما كان يدركه أي شخص حتى تلك اللحظة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل سنشهد في 2018 حربًا نووية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة؟

تفاصيل خطة الحكومة الأمريكية السرية للنجاة من نهاية العالم "النووية"