27-مارس-2019

أغلفة المذكرات الـ4 (ألترا صوت)

ألترا صوت – فريق التحرير

تقطع بعض المذكّرات الشخصية مسافاتٍ أبعد من كونها شخصيةً فقط، تخصّ من يؤلّفها دون سواه. بعضها لا يكتفي بذلك، أي باستعادة أو استحضار أزمنةٍ مضت، وذكرياتٍ ليس بالضروري أن تؤثّر على وعي القارئ، أي قارئ كان، أو تضيف جديدًا. بعض هذه المذكّرات تأتيك على شكل تأريخٍ كامل لحقبات زمنية وأحداثٍ هزّت العالم، فتقرأ كأنّك تعيش هذه الأحداث. نتوقّف عند أربع مذكّرات تؤرّخ لحقباتٍ شديدة الحساسية، وتستعيد أحداثًا طواها النسيان وطالها الإهمال، على المستويين العربيّ والعالميّ أيضًا.


1- في نفي المنفى

ليس "في نفي المنفى" (المؤسّسة العربية للدراسات والنشر) سيرة ذاتية خالصة، وليس سيرة فكرية للمفكّر العربيّ عزمي بشارة أيضًا، وليس سيرة سياسية كذلك الأمر. الكاتب والصحفي الفلسطينيّ صقر أبو فخر الذي أجرى الحوار مع عزمي بشارة، وضّح ما سبق في مقدّمة الكتاب الذي جمع الحوار بين دفّتيه، ولخّص كذلك التجربة السياسية والنضالية لمؤلّف "ثلاثية الدين والعلمانية في سياق تاريخي" في صفوف الفلسطينيين في مناطق 1948. التجربة التي اختزلها بشارة بالقول: "لست سياسيًا بالمعنى السائد لمصطلح رجل السياسة، بل مناضل، بمعنى أنّني قمت بعمل سياسيّ ضدّ الظلم، ومن أجل العدل".

نقف في كتاب "في نفي المنفى" أمام التجربة السياسية والنضالية المرتبطة بالأخلاق عند عزمي بشارة، إن كان ذلك على المستوى المحلّي، أي الداخل الفلسطينيّ، أو على المستوى العربيّ. نتوقّف أوّلًا أمام حديثٍ مطوّل عن فلسطين والعروبة واليسار، باعتبارها مسائل مرتبطة ببعضها في سياقٍ معيّن. ننتقل بعد ذلك إلى حديث بشارة وأبو فخر عن علاقة عزمي بشارة والنظام السوريّ، واللقاءات التي كانت تجمعهُ بكلٍّ من حافظ الأسد وبشّار الأسد وفاروق الشرع. يقول بشارة حول هذا الموضوع والعلاقة التي انقطعت بعد اندلاع الثورة السورية ومساندة بشارة للسوريين في ثورتهم: "احتل موضوع العلاقة بسوريا مكانًا في وسائل الإعلام، لأنّه كان يمثّل خبرًا جذّابًا، لكنّه احتلّ حيّزًا صغيرًا من وقتي. فعملي الأساس كان نضالًا فلسطينيًا ومحليًا في قضايا عرب الداخل اليومية".

إلى جانب ما سبق، ثمّة قضايا ومسائل متعدّدة تناولها صقر أبو فخر وعزمي بشارة في حوارهما هذا. نتحدّث عن النشاط السياسي لعرب الداخل، والمسائل المتعلّقة بمقاطعة انتخابات الكنيست أو المشاركة فيها لضمان تمثيل عرب 1948. بالإضافة إلى الحديث عن النضال الطلابيّ لبشارة، وقراره الترشّح لانتخابات الكنيست عام 1996، أي بعد عامٍ على تأسيس التجمّع الوطني الديمقراطي، وبعد أربعة أعوام على تأسيس حركة ميثاق المساواة. ومن فلسطين ننتقل إلى القضايا الفكرية، فنجد نقدًا وقراءات لأطروحات اليسار، والديمقراطية، والإسلام السياسيّ، والثورات العربية. قبل أن نعود مجدّدًا إلى الشأن الفلسطينيّ، خارج حدود 1948 هذه المرّة. فالحديث الآن عن الثورة الفلسطينية في الخارج وياسر عرفات، ومفاوضات السلام المستحيل بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيليّ.

2- تبغ وزيتون: حكايات وصور من زمن مقاوم

عدا عن أنّه سيرة ذاتية لمؤلّفه معين الطاهر، إلّا أنّ كتاب "تبغ وزيتون: حكايات وصور من زمن مقاوم" (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) توثيق شبه شامل لتجربة الثورة الفلسطينية أيضًا، وللعمل الفدائي المسلّح في العاصمة اللبنانية بيروت، في الفترة التي سبقت اندلاع الحرب الأهلية، وما بعد اندلاع هذه الحرب أيضًا. أي أنّ الكتاب توثيق لمرحلة شديدة الحساسية في تاريخ النضال الفلسطينيّ المسلّح من أجل التحرير.

يكتب معين الطاهر أو يؤرّخ استنادًا إلى معايشته المباشرة للأحداث التي ترد في الكتاب، مُخرجًا بعضها إلى العلن للمرّة الأولى، بعد أن ظلّت مهمّشةً لسنواتٍ طويلة. يبدأ الطاهر من نكسة عام 1967، أي من الحادثة التي يعتبر أنّ حدوثها غيّر الكثير من المفاهيم، وألقت بحمل مواجهة الإسرائيليين على المقاومة الفلسطينية وحدها بعد هزيمة العرب عام 67. ويصف الكاتب أنّ هذه المرحلة أنتجت جهدًا لتأسيس هوية ثورية فلسطينية جامعة وأشدّ قوّة بعد أن باتت المقاومة وحيدةً في ساحة الصراع.

في الكتاب استعادات لحقبة أيلول الأسود وأثر هذه الحادثة على العمل الثوري الفلسطينيّ وخروج القوى الثورية من الأردن بشكلٍ عام، وحركة فتح بشكلٍ خاص. يقول معين الطاهر في هذا السياق إنّ فتح انتقلت إلى مرحلة أخرى من الصراع. فبعد أن كسبت تعاطفًا عربيًا شاملًا بعد النكسة، ومكانةً كبيرة في المجتمع الأردنيّ بعد معركة الكرامة، لم تعمل على استثمار ما سبق بالشكل الصحيح، فأدّت التصرّفات الطفولية اليسارية بحسب الطاهر إلى ولادة ثورة مضادّة لفتح والمقاومة الفلسطينية، نتج عنها طرد الأخيرة من الأردن.

3- صفحات من مسيرتي النضالية

يسعى المناضل الفلسطينيّ الراحل جورج حبش (1926-2008)، مؤسّس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأحد المُساهمين في تأسيس حركة القوميين العرب في خمسينيات القرن الماضي؛ في مذكّراته الصادرة حديثًا تحت عنوان "صفحات من مسيرتي النضالية" (مركز دراسات الوحدة العربية) إلى اختزال أبرز وأشدّ المحطّات حساسيةً في مشواره السياسيّ والنضاليّ. مقدّمًا للقارئ العربيّ تجربته في العمل السياسيّ ومن ثمّ الفدائي، بالإضافة إلى شذرات من حياته الشخصية تتصلّ مع ما سبق دون شك.

في المذكّرات أحاديث واستعادات متعدّدة، من حقائب مختلفة، تُسلّط الضوء على حياة الحكيم، وأبرز الأحداث السياسية التي عايشها بشكلٍ مُباشر. تبدأ المذكّرات من يافا المحتلّة، وتمرّ بعددٍ من المدن العربية والعالمية أيضًا. فمن يافا، ينتقل حبش إلى مدينة بيروت ليكمل دراسته في "الجامعة الأمريكية" هناك. وفي العاصمة اللبنانية، وسط مجموعة كبيرة من الطلّاب العرب، من مختلف الجنسيات، يُخبرنا الحكيم أنّه بدأ يكتشف ميوله إلى العروبة وفكرة القومية العربية. تهكّم أستاذ مادّة الفلسفة في الجامعة على هذه الفكرة، وامتعاض حبش وشعوره بالألم من كلام الأوّل، كان كافيًا ليؤكّد صوابية شعوره بالميل إلى هذا الفكر.

من بيروت نعود مع مؤلّف "الثوريون لا يموتون أبدًا" إلى فلسطين التي وقعت لتوّها تحت احتلال العصابات الصهيونية، والتي بدأت بتهجير السكّان من مدنهم ومنازلهم، ومن بينهم عائلة جورج حبش التي كانت قد استقرّت مؤقّتًا في مدينة اللّد قادمةً من حيفا، قبل أن تُهجّر منها أيضًا برفقة مئات العائلات الفلسطينية. ننتقل بعد ذلك نحو عمّان، حيث العمل على تأسيس حركة القوميين العرب، وانطلاقة المشوار السياسيّ والنضاليّ لحبش الذي سوف يُغادر عمّان نحو العاصمة اللبنانية بيروت. ويضع جورج حبش القارئ بعد ذلك أمام تفاصيل ووقائع ودوافع تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

4- جورج البطل: أنا الشيوعي الوحيد

من العروبة والحديث عن حركة القوميين العرب، ننتقل إلى الحزب الشيوعي السوريّ–اللبنانيّ، قبل أن يستقل الجناح الأوّل عن الأخير الذي كان تحت قيادة خالد بكداش آنذاك، وينتج عن ذلك حزبان مختلفان في الكثير من المواقف والقرارات. هذه الخلافات هي ما تعني مذكّرات القيادي في الحزب الشيوعي اللبنانيّ، الراحل جورج البطل والصادرة تحت عنوان "جورج البطل: أنا الشيوعي الوحيد" (دار المدى) إعداد وحوار وتحرير المؤرّخ اللبنانيّ فواز طرابلسي.

يضع البطل القارئ أمام مذكّرات تستعيد مراحل فارقة وبارزة في تاريخ الحركة الشيوعية العالمية بشكلٍ عام، وتلك العربية بشكلٍ خاص؛ التجربة اللبنانية والسورية تحديدًا. وتتسم هذه المراحل بالصراعات المديدة حول المواقف والتفرّد باتّخاذ القرارات غالبًا. وهي ما وصفت بالمراحل المجهولة عند غالبية الشيوعيين. من هذه الخلافات ينطلق البطل نحو الحديث عمّا ساهم تراجع وهزيمة الشيوعيين على المستويين المحلّي والعالميّ، مارًّا أو مستعرضًا السلبيات التي نتج عنها هزائم الشيوعيين.

يستعرض البطل في هذا السياق الخلاف حول موقف الحزب من قرار تقسيم فلسطين ومعاداة الصهيونية. يستعيد موقف الحزب كاملًا قبل صدور موقف الاتحاد السوفياتي في مجلس الأمن المؤيد للتقسيم، وبعد صدور الموقف الذي أحدث شرخًا في صفوف الحزب، بين مؤيدٍ ومعارض لقرار السوفيات. يذكر احتجاج القيادي فرج الله الحلو على تبدل موقف الحزب دفعةً واحدة إرضاءً للسوفيات. ويستعيد سلوك خالد بكداش وسياساته الستالينية، وسلوكه تجاه فرج الله الحلو، ناقلًا صورة واقع الحزب آنذاك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القدس من خلال 4 مذكرات شخصية

تعرف على 5 من أهم كتب السير الذاتية