28-أبريل-2020

كتب الطبخ والطعام (ألترا صوت)

لعب الطبّاخ في القرن الرابع قبل الميلاد دورًا مهمًّا في المدينة وعملية التمدّن أيضًا، وذلك من خلال ابتكاره أصنافًا جديدة من المأكولات، سمح له القانون آنذاك ببيعها لعامّة الناس، فأخذ يكتسب بفعل ذلك أهمّيته بين الناس، تلك التي كانت قابلةً للتطوّر دائمًا، حتّى وصلت بالطبّاخ إلى مكانةٍ لا تقلّ رفعةً عن مكانة الفلاسفة والمفكّرين والشّعراء والكتّاب أيضًا.

ولكنّه، في أمكنةٍ مختلفة، وضع في مصاف عملاء الشيطان في إغواء البشر. لذا، تعامل فيلسوف مثل أفلاطون مع الطبّاخ كسببٍ في إبعاد أدمغتنا عن التفكير بالأشياء المثالية العالية، وذلك عبر تركه لنا نُعاني الانتفاخ من خلال ما يعدّه من مأكولاتٍ تجلب المرض وتجعلنا لا مبالين وفاسدين أخلاقيًا، مُعتبرًا أنّ الطبخ ليس فنًّا وإنّما مهارة ومقدرة يحصل عليهما من خلال التجربة التي تهدف إلى المتعة والإشباع والرضا والبهجة.

هنا نستعرض لكم 4 كتب عن الطبّاخ والطبخ.


الطباخ: التطوّر التاريخي والسوسيولوجي للطبخ وآداب المائدة

أطلّ الطبّاخ منتصف القرن السادس عشر على الأوروبّيين بصفتهِ مُفكِّرًا هذه المرّة، وليس طاهيًا يُعدُّ الطعام فقط. أثارت أفكارهُ حول الطبخ وتجديده لوصفاته وأساليب ممارسته أسئلةٍ عديدة حول التكرار الذي يملّه الإنسان، والابتكار الذي يعطِّلهُ التكرار نفسه، فدخلت بذلك لبّ سيرة النهضة الأوروبّية، وكانت قبلها جزءًا أساسيًا من عملية تراكم التحضّر والتمدّن التاريخيّ والإنسانيّ. هكذا يصيرُ الطبّاخ أوّل مؤرّخٍ لتاريخ الطعام، ذلك الذي تُنقِّبُ فيه الكاتبة والباحثة العراقية بلقيس شرارة في كتابها "الطبّاخ: التطوّر التاريخي والسوسيولوجي للطبخ وآداب المائدة" (دار المدى).

تبحث المؤلّفة العراقية في كتابها تطوّر دماغ الإنسان واكتشافه النّار والطبخ والسكّين وإتقانه للزراعة بصفتها نقلة نوعية في تاريخ الطعام. ثمّ تنتقل نحو آدابه ودور المرأة في إعداده وابتكار أدواته، مُفردةٍ مساحة واسعة للطبّاخ الحرفيّ واكتشاف وصفات الطعام وتدوينها، مُبيِّنةً للقارئ منزلة الطبّاخ في المجتمع، ونظرة الفلاسفة إلى مهنة الطبخ، بدءًا من حضارة وادي الرافدين والنيل مرورًا بالحضارة الإغريقية، ووصولًا للحضارة الإسلامية.

أفروديت

قيلَ في كتاب "أفروديت" (دار ورد) للكاتبة التشيلية إيزابيل الليندي أنّها أقرب إلى ديوانٍ سجّلت فيه كلّ ما يُمكن جمعهُ عن الصلات القائمة، والخفيّة، بين بحث فم الإنسان عن الغذاء، وبحثه كذلك عن فمٍ آخر للتقبيل، ممّا يجعلُ الرواية مزجًا للحبّ وقصصهِ العاصفة، بالروائح والنكهات والوصفات وكلّ ما يتعلّق بالطبخ، لتتحوّل الرواية إلى مائدة مفتوحةٍ يحضرُ فيها الخبز بصفتهِ شِعرًا، مُحذِّرةً هنا من صناعته يدويًا لئلّا يُصيب الوله صانعهُ، ومتيقّنة بحتمية المساواة بين الخبّاز والشّاعر كونهما أبناء مهمّة واحدة، وهي تغذية العالم، كلٍّ حسب قدراته وأسلوبه ووصفاته.

المائدة التي أعدّتها الكاتبة التشيلية في كتابها جاءت واسعةً وحافلةً بكلّ ما يربط بين الطبخ والحبّ والجنس، كالشكولاتة التي تُسهِبُ في الحديث عن شهوانيتها وارتباطها بآلهة الخصوبة، عدا عن العسل بما هو غذاء ومُثير جنسيّ في وقتٍ واحد، بالإضافة إلى الأرز الذي يرمز وفقًا لما تحكيه إلى الخصوبة، شأنهُ شأن الثوم الذي لا يُثيرها، الكاتبة، شيء مثل وجوده بين يدي رجل يطبخ.

3- مطبخ زرياب

وصفات من العصر البابليّ، وأطباق من العهد الأمويّ مُعدّة على الطريقة الأندلسيّة حينًا، أو الشاميّة حينًا آخر. فطائر بالعصافير الصغيرة تُذبّل في رجل نحاسيّ قبل أن تُطبخ على نار هادئة شرط أن توضع في قدرٍ من الفخّار. ومرقة مشمش تونسية، وفتّة مكدوس سورية، ومقلوبة فلسطينية أو سبانخ بالزيتون من الجزائر، بالإضافة البطاطا الحلوة بالزعفران المغربية، وتِمّن الزعفران من العراق وحلاوة الرز اللبنانية، ناهيك عن العجّة الإسكندرانية وغيرها من الوصفات والأكلات التي ستُصادف قُرّاء كتاب "مطبخ زرياب" (مشروع كلمة) للباحث السوريّ فاروق مردم بك.

لا يقف الكاتب السوريّ عند ذكر هذه الوصفات والكيفية التي يتمّ إعدادها عبرها، وإنّما يصحبُ القارئ في رحلةٍ يضعهُ فيها وجهًا لوجه إزاء هذه الأكلات في سياقها التاريخيّ، بحيث يجعلهُ مُحاطًا بتاريخ ما يأكل، ومُصغيًا إلى ما قيل فيه وعنه، وعالمًا بكلّ الأساطير والحكايات والخرافات المنسوجة حولهُ. هكذا، يتحدّث عن الحمّص فاردًا له بابًا كاملًا، بالإضافة إلى الباذنجان الذي يقول إنّه أُهين تاريخيًا باعتباره ثمرة الفقراء.

4- كحل وحبّهان

يتصرّف بطل رواية "كحل وحبّهان" (دار الكرمة) للكاتب المصريّ عمر طاهر مع المأكولات بأسلوبٍ يجعلها تُحدِّد سلوكهُ ومزاجه وطريقة تعامله مع الآخرين أيضًا، بحيث يكفي أن توجِّه جارته سؤال مثل: اتغديت؟ لزوجها بلهفةٍ حتّى يقع في غرامها فورًا. وبحيث يصير عاجزًا عن استهلال حواره مع صديقٍ أو قريب بسؤالٍ غير "اتغديت إيه النهارده؟"، مُعتبرًا السؤال استهلالًا لم يجد يومًا ما يقرّب المسافات أكثر منه، تمامًا كعجزه عن إيجاد عادةٍ ممتعة أكثر من التلصص على وجبات جيرانه، حيث باتت هذه العادة جزءًا من يومه، أو فواتح شهية تُمهِّد طريقه باتّجاه سفرة غداء أمّه.

كما "أفروديت" و"مطبخ زرياب"، يؤكّد بطل الرواية عبد الله المُلقّب بـ"سيسكو" أهمّية ثمرة مثل الباذنجان الذي يروي أنّ العرب كانوا يكرهونهُ لدرجة أنّ أحدهم حاول إقناع أعرابيّ بحلاوة طعمه لو حُشيَ باللحم، فقال الأعرابيّ متذمّرًا "والله لو حُشيَ بالتقوى". حديث سيسكو عن الباذنجان جاء بعد اقتراحه "المسقّعة" كوجبة غداءٍ على أمّه التي يمنحها تحديد الصنف شأنها شأن بقية الأمّهات طمأنينة تُغلق باب الحيرة، وتفتحُ لها باب التجويد والإبداع.

اقرأ/ي أيضًا:

التوابل.. من التاريخ والجغرافيا إلى الثقافة

عن ثقافة الطعام والطهو الجيد... 3 وثائقيات على نتفليكس