08-أكتوبر-2017

تعرض قصر السلام الملكي بالسعودية لهجوم مسلح نفذه شخص واحد (أرشيفية/ أ.ف.ب)

ربما لن ترى هذا المشهد سوى في السعودية فقط، أن يُهاجم شخص واحد بسلاح آلي وثلاث زجاجات حارقة/ مولوتوف، قصرًا ملكيًا، اعتاد الملك ونجله ولي العهد المكوث فيه ما بين الحين والآخر. يبدو ذلك هجومًا غير منطقي، أن يُغامر شخص بمفرده لتنفيذ عملية ضد قصر ملكي في دولة المحايد فيها يُسجن مباشرة.

هذا ما حدث في السعودية، التي قال بيان لوزارة داخليتها إن شابًا سعوديًا، ترجل من سيارته ليطلق أعيرة نارية من سلاح آلي على قصر السلام الملكي في مدينة جدة، غرب السعودية. استطاع المُسلح قتل اثنين من حراس القصر، وكان هو ثالثهم، وأصاب ثلاثة آخرين. بينما انتهى بيان الداخلية السعودية دون إعطاء تفسيرات للحادث، مكتفيًا ببعض البيانات عن المهاجم ورقم سيارته.

تعرض قصر السلام الملكي في مدينة جدة بالسعودية، لهجوم مسلح نفذه شخص واحد بسلاح آلي و3 زجاجات مولوتوف

ووفقًا للمتحدث الإعلامي لوزارة الداخلية السعودية، فإن منفذ هجوم قصر السلام ويُدعى منصور حسن العامري، ويبلغ من العمر 28 عامًا، لا تربطه أي صلات بتنظيمات إرهابية، كما أنه لا شركاء له في العملية التي نفذها، ويبدو أنه دبّر لها منفردًا، وعليه فإن هذه العملية تُعد الأولى من نوعها في السعودية منذ سنوات.

وهكذا فإن أغلب التوقعات المتعلقة بهجوم قصر السلام تنحصر بين أربعة سيناريوهات، الأول أنه مجرد عمل جنائي، الثاني أنه عمل إرهابي ينتمي لما تُعرف بعمليات "الذئاب المنفردة" والتي عادة ما ينفذها أشخاص يعتنقون أفكار تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) دون أن الانتماء إليه مباشرة.

اقرأ/ي أيضًا: "أمراء مخطوفون".. تواصل اضطهاد المعارضين من آل سعود

السيناريو الثالث المحتمل هو أن يكون هجوم قصر السلام تدبير ليل من قبل النظام السعودي نفسه، وتحديدًا رجال محمد بن سلمان، لعدة أسباب، أولها تبرير قمعه الأمني المتمثل أخيرًا في حملة الاعتقالات الواسعة، وقبلها الحملة الأمنية العنيفة على المواطنين الشيعة، وأيضًا للرد على تهم دعم الإرهاب التي تطال النظام السعودي، على أساس أن عمليةً إرهابية قد تعني أن البلاد تعاني هي الأخرى من الإرهاب، رغم أن ذلك لا ينفي مشاركتها الرئيسية في صناعته. 

أما السيناريو الرابع المحتمل لهجوم قصر السلام، أن تكون العملية مُدبّرة من داخل العائلة الملكية، كإنذار لابن سلمان الذي استطاع بجدارة، وخلال وقت قصير كسب عداوة الكثيرين من أبناء عمومته.

إنذار لابن سلمان من العائلة الملكية؟

قد يكون سيناريو ضمن السيناريوهات المطروحة، أن تكون العملية بمثابة إنذار، أو محاولة تخويف مُدبرة من داخل العائلة الملكية، كونها من جهة لا ترتقي لعملية اغتيال مباشرة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كما أن طريقة تنفيذ العملية برجل واحد في التحام مُباشر مع حراس قصر ملكي، يُعطي انطباعًا عجيبًا حول الهجوم.

ابن سلمان، ومنذ جلوس والده على عرش المملكة، وتعيينه وليًا لولي العهد، ثم تصعيده وليًا للعهد بانقلاب على ابن عمه محمد بن نايف؛ استطاع كسب عداوة الكثيريين داخل العائلة الملكية، بجملة انقلابات واعتقالات أيضًا طالت العديد منهم، ولعل أقل مُكسبات العداوة هو تقليل نفقاتهم الخاصة في إطار خطته للتقشف ضمن "رؤية 2030".

ويجمع ابن سلمان في يده سلطات تجعل منه حاكمًا فعليًا للبلاد بشكل شبه مطلق، مع إقصاء لأبناء عمومته الأبرز. ولعل مشهد الانقلاب على ابن نايف في حد ذاته مدعاة لفورة غضب داخل الأسرة الملكية، تحدثت عنها العديد من التقارير الصحفية.

كما أنّ فشل "رؤية 2030" في تحقيق نمو اقتصادي منشود في البلد التي تعاني في ظل انخفاض أسعار النفط، وما استتبعها من خطة تقشف عامة طالت أفرادًا من الأسرة الملكية، في مقابل بذخ ابن سلمان شخصيًا مثل شرائه يختًا خاصًا له بقيمة 550 مليون دولار، وسياسيًا كذلك بإعطائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما قيمته 400 مليار دولار في زيارته للرياض. وهذه أيضًا من مسببات الغضب.

السيطرة المطلقة وعداء الجميع

أطاح ابن سلمان وقلص من نفوذ أمراء من الأسرة الملكية، من بينهم بندر بن سلطان الذي كان يشغل منصب أمين عام مجلس الأمن الوطني، وكذلك خالد بن سلطان نائب وزير الدفاع. كما أنّه نحى جميع أبناء الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز أو قلّص نفوذهم وهمّشه، بدايةً من متعب الذي كان وليًا لولي العهد في حياة والده، أو عبدالعزيز الذي أصبح دوره كنائب لوزير الخارجية مجرد دور ديكوري، أو مشعل الذي عزل عن إمارة مكة أو تركي الذي عزل عن إمارة الرياض.

أطاح ابن سلمان بالعديد من أمراء الأسرة الحاكمة، وقلص نفوذ آخرين، لحساب تقوية نفوذه وسلطته في الداخل السعودي

وبخصوص متعب، فقد نشر حساب مجتهد على تويتر -سبق وأن تطابقت بعض تسريباته السابقة مع مجريات حدثت لاحقًا- تغريدات يقول فيها إن ابن سلمان، وبعد أن عزل متعب من ولاية ولاية العهد، حاول إقناعه بالاستقالة وتعيين أحد أبنائه وزيرًا للحرس الوطني، إذ لا يزال يشغل هذا المنصب للآن لكنه رفض. ومن المعروف ولاء الحرس الوطني لمتعب، إذ يُعتبر والده عبدالله المؤسس الفعلي للحرس الوطني السعودي بهيئته التي هو عليها الآن.

 

 

 

 

ولا تقتصر عداوة ابن سلمان مع عائلتي عبدالله ونايف، بل كذلك مع عائلة الملك الأسبق فهد بن عبدالعزيز، بعد اختطاف نجله عبدالعزيز قبل أسابيع، بالتوازي مع حملة الاعتقالات التي طالت وجوهًا دعوية وإعلامية. ولا يُعرف إلى الآن مصير عبدالعزيز ولا مكان اختطافه.

اقرأ/ي أيضًا: اعتقالات بالجملة في السعودية.. هل يشعل طيش ابن سلمان حراك "15 سبتمبر"؟

خوف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم يعد يحتاج لتسريبات، والقلق يحيط به من كل جانب، فيكفي أنه ومنذ الإطاحة بابن عمه محمد بن نايف، لم يقم بأي زيارة خارجية رسمية مُعلن عنها، ناهيك عن التسريبات المتعلقة باستضافته في تل أبيب على رأس وفد تطبيعي، كما أنه أصبح مقلًا في الظهور الإعلامي بدرجة كبيرة.

من الفاعل.. ابن سلمان أم جنائي إم إرهابي؟

ينطلق سيناريو أن ابن سلمان نفسه هو المدبر لهذه العملية، من جملة معطيات واقعية، بداية من طريقة تنفيذ العملية نفسها بالالتحام المباشر من قبل شخص واحد في مواجهة حراسة قصر ملكي مثل قصر السلام، وهو حتى خارج المُعتاد من أساليب عمليات الذئاب المنفردة الإرهابي.

إضافة إلى ذلك فإنه مع التهم التي تلاحق السلطات السعودية بدعم وتمويل الإرهاب، وفي سياق حملة ابن سلمان لـ"تغريب" السعودية، يبدو من المحتمل أن يكون هو المدبر لهجوم قصر السلام الإرهابي للترويج لما سبق وأن روجت له السعودية بعد صدور تقرير هنري جاكسون الذي يدينها بدعم الإرهاب، بأنها أيضًا كانت ضحية لهجمات إرهابية. رغم أنه لا علاقة مُباشرة بين هذا وذاك!

كما قد يُنظر لهجوم قصر السلام من هذه الزاوية، انطلاقًا من محاولة شرعنة البطش الأمني للنظام السعودي، خاصة وأن العملية جاءت بعد أسابيع من حملة الاعتقالات الموسعة على الرأي السياسي. هذا الأمر لفت إليه سعود بن خالد آل ثاني رئيس نادي الريان القطري، بقوله: "محاولة اقتحام بوابة قصر السلام الإرهابية اليائسة البائسة، ستعطي شرعية مجانية لمزيد من سياسة البطش والتعسف لنظام الرياض".

ومع ما أعلنه المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية، من أن منفذ هجوم قصر السلام لا يمتلك سجلًا إرهابيًا ولا تربطه صلات بتنظيمات إرهابية، فيحتمل إذن أن يكون الحادث جنائيًا، وإن كان غير مفهوم في أي سياق، خاصة وأن بيان الداخلية قاصر، كما أن المعلومات الجديدة التي كشفت عنها مصادر إعلامية، لا تقول شيئًا مفيدًا عن منفذ العملية أو خلفيته، بل تُؤكد كونه لا يمت للتنظيمات الإرهابية بأي صلة.

يبقى سيناريو الإرهاب، وإن نفاه ضمنيًا بيان الداخلية القائل بعدم ارتباط منفذ العملية بأي تنظيمات إرهابية، وإن نفته ضمنيًا أيضًا طريقة تنفيذ العملية التي لا تتشابه مع عمليات الذئاب المنفردة، فضلًا عن أن هذا الحادث هو الأول من نوعه ويطال قصرًا ملكيًا بأهمية قصر السلام، وهذا أيضًا يدفع للتساؤل عن كيفية وصول المهاجم للنقطة التي نفذ منها العملية بالالتحام شبه المباشر مع الحراس؟!

ثمة سيناريو يقول إنه من المحتمل أن يكون الهجوم مدبرًا من قبل ابن سلمان لإعطاء شرعية لمزيد من القمع والبطش

وعلى كل حال، إذا صح كون العملية هجومًا إرهابيًا، وهو غير مرجح حتى الآن خصوصًا أن أيًا من التنظيمات الإرهابية لم تُعلن تبنيها لها؛ فسيعد ذلك تغيّرًا كبيرًا في نوعية الهجمات الإرهابية في السعودية ونوعية أهدافها، وبغض النظر عن السيناريو الحقيقي لا يخفى أن الحادث سيشكل نقطة تعزيز لبطش ابن سلمان وتفرده بالسلطة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهورة".. الحكاية من أولها

السعودية عرابة الإرهاب.. تقرير "هنري جاكسون" يُذكّر بما يعرفه الجميع