09-أكتوبر-2019

تسعى روسيا إلى اغتنام تدخلها في روسيا خلال 4 سنوات (رويترز)

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن العمليات العسكرية الواسعة في سويا قد انتهت، مشددًا على ضرورة التركيز على العمل "بالتسوية" في إشارة إلى تشكيل لجنة صياغة الدستور السوري. وتأتي تصريحات الرئيس الروسي مع مرور أربع سنوات على التدخل الروسي العسكري في سوريا إلى جانب نظام الأسد.

منذ تدخل روسيا العسكري المباشر عام 2015 ، اعتمد الروس استراتيجيتهم العسكرية المعروفة بنموذج "غروزني"، التي تعني اتباع سياسة الأرض المحروقة لإخضاع الخصم

وقال بوتين خلال مشاركته في أعمال الجلسة العامة لمنتدى فالداي للحوار الدولي، إن "الأعمال القتالية واسعة النطاق انتهت فعلًا، وفي كل الأحوال، لا يمكن تحقيق حل نهائي من خلال العمليات العسكرية أيًا كانت نتائجها. ولهذا السبب، يجب الآن العمل على مسائل التسوية السياسية، الأمر الذي نقوم به بإصرار".

اقرأ/ي أيضًا: ماذا بعد تشكيل لجنة الدستور السوري؟

 الحل السياسي الروسي

خلال مؤتمر أنقرة الذي جمع زعماء الدول الضامنة الشهر الماضي، أعلن بوتين، أن بلاده وضعت مع تركيا وإيران أساس الحل الدائم في سوريا، بضمانة ثلاثية.

ومنذ تدخل روسيا العسكري المباشر عام 2015 ، اعتمد الروس استراتيجيتهم العسكرية المعروفة بنموذج "غروزني"، التي تعني اتباع سياسة الأرض المحروقة لإخضاع الخصم. واستخدمت روسيا أحدث أسلحتها الاستراتيجية المدمرة الفتاكة، ضد فصائل المعارضة السورية التي لا تملك سوى أسلحة خفيفة ومتوسطة قديمة نسبيًا.

ويرى مراقبون أنه لا يوجد في قاموس بوتين سوى سيناريو واحد، هو الحسم العسكري، وإخضاع الخصم، وإجباره على الاستسلام وقبول شروطه. لكن الروس ماضون في الحل السياسي على طريقتهم، بإعادة إنتاج نظام الأسد، ما لم يحصلوا من الأمريكيين على ثمن استراتيجي مقابله.

تنسيق مع أنقرة وتوتر مع واشنطن

عزّز التدخل العسكري الروسي المتزايد لجانب نظام الأسد التحالف بين أنقرة وواشنطن في سوريا، خاصة بعد العملية العسكرية الأخيرة في إدلب والتي استدعت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى موسكو. ورغم توجه أنقرة قدمًا في علاقتها مع موسكو، فإن الأخيرة تشكل عدوًّا تاريخيًا ومنافسًا في سوريا، وبالتالي، قد تضطر تركيا إلى تقوية التحالف مع واشنطن، ويبرز ذلك في اتفاق الطرفين على إقامة منطقة آمنة شرق الفرات.

لا يريد الطرف الروسي خسارة تركيا كشريك اقتصادي هام في المنطقة، لكن وفي الوقت ذاته فإن موسكو أمام تحد كبير، بخصوص قطف ثمار تقدمها العسكري  على المعارضة السورية وتحويلها إلى مكاسب سياسية واقتصادية. خصوصًا مع استمرار توريد منظومة "إس 400" الصاروخية الروسية إلى تركيا، التي طرحت على أمريكا شراء منظومة باتريوت.

كما تخشى موسكو في حال الوصول إلى اتفاق كامل الجوانب بين أنقرة وواشنطن، أن تخسر جميع مكتسباتها في سوريا، خصوصًا مع الحصار الخانق الذي فرضته الولايات المتحدة على إيران، والضربات الموجعة التي تتلقاها الأخيرة في سوريا عبر إسرائيل.

ورغم اتفاق روسيا وتركيا وإيران على تشكيل اللجنة الدستورية، التي تعني بالضرورة فتح الملف السياسي من جديد، فإن رؤى الدول الثلاث للحل السياسي تكاد لا تلتقي حول موضوع واحد.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أعرب عن تأييد موسكو لإطلاق "تفاعل" بين تركيا ونظام الأسد بشأن عزم أنقرة شن عملية شرق الفرات. وأشار إلى أن واشنطن لا تحترم وحدة الأراضي السورية، ولا تراعي المخاوف المشروعة لتركيا بخصوص أمن الحدود، كما هاجم لافروف دعم الولايات المتحدة لـ"قسد"، واعتبر أن التحالف الدولي يستخدم "العامل الكردي" في سوريا لحل مشكلاته الجيوسياسية.

وتابع أن "الولايات المتحدة داخل لعبة خطيرة للغاية في شرق الفرات. هدفهم هو عزل هذه المنطقة عن سوريا"، متهمًا واشنطن بـ"محاولة استخدام الأكراد لإنشاء شبه دولة شرق الفرات". ردًا على ذلك اتهمت الإدارة الذاتية روسيا بتحريض تركيا على شن عمل عسكري على مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" شرق الفرات.

"تدخل إنساني" أيضًا

شهدت مناطق سيطرة النظام زيادة في عدد المنظمات الإنسانية الدولية التي تسعى إلى التسجيل والعمل فيها، حيث عملت ثلاث عشرة منظمة إنسانية روسية على الأقل منذ عام 2016 في تلك المناطق، مع العلم أن كل هذه المجموعات تقريبًا قد بدأت عملياتها في سوريا بعيْد تدخّل روسيا العسكري.

وعلى غرار الجهود العسكرية الروسية، من المرجّح أن يكون لهذا "التدخّل الناعم" عواقب وخيمة على مستقبل سوريا لاسيّما في تحديد أوجه مستقبل المساعدات الإنسانية للبلاد.

وفي بعض الحالات، يظهر الرابط بين التدخل العسكري والإنساني الروسي جليًا، إذ تستخدم روسيا في المقام الأول مركز المصالحة الروسي في سوريا التابع لوزارة دفاعها للقيام بعمليات توزيع بارزة للمساعدات في أنحاء البلاد. ومنذ تأسيس المركز الإنساني الروسي الأرميني في أوائل عام 2016، وزّعت روسيا أيضًا عددًا كبيرًا من شحنات المساعدات في سوريا عن طريقه.

غير أنّ هناك عدد من الكيانات الإنسانية الروسية الأخرى التي لها روابط أقلّ وضوحًا بالعمليات العسكرية على الأرض. وتشمل هذه المجموعات البعثة الإنسانية الروسية، ومؤسسة أحمد قديروف، والمؤسسة الدولية للمساعدات العادلة، وصندوق روسار الخيري، ومنظمة قدامى المحاربين الروس.  

وأجرت أيضًا ستة كيانات روسية منحازة دينيًا على الأقلّ عمليات في سوريا خلال الصراع، بما فيها مركز تنسيق شؤون مسلمي شمال القوقاز، والكنيسة الروسية الأرثوذكسية، والجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الروسية الفلسطنية، والكنيسة الروسية للمسيحيين الإنجيليين، ومؤسسة بولس الرسول للإرث الروحي، ومؤسسة القديس أندراوس.

وتشمل أسباب وجود هذا العدد من المنظمات سهولة العمل النسبية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الأسد. ففي حين يتوجّب على المنظمات الدولية اتباع عملية معقّدة وطويلة بهدف الحصول على إذن بالعمل رسميًا داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام، لا تتمتع المنظمات الروسية بوضع تسجيل واضح في البلاد. ومن بين الدلائل الأخرى على أن هذه المجموعات تعمل خارج نطاق عملية التسجيل الرسمية للمنظمات غير الحكومية الدولية، هو أن المجموعات الروسية لا تشارك في الاجتماعات المخصصة للمنظمات غير الحكومية المسجلة رسميًا في سوريا.

ويشير المراقبون إلى موسكو تسعى من خلال التدخل الإنساني إلى إعطاء الأولوية لصورة روسيا، لكن نظام الظلّ للمساعدات الروسية يهدد بتقويض قِيَم المساعدات الإنسانية في المشهد السوري. فعلى المستوى المعنوي والأخلاقي، ينبذ الرابط الوثيق بين الدولة الروسية والعمليات الإنسانية في سوريا المبادئ الإنسانية التي توجّه العمل الإنساني، لا سيّما الحياد والاستقلالية.

ما هي استراتيجية بوتين في سوريا؟

 بحسب صحيفة ديلي ميل البريطانية فإن 63  ألف جندي روسي قاتلوا في سوريا ، بما في ذلك الجنود والبحارة والطيارون الذين كانوا في ذروة حملة القصف ينفذون أكثر من 100 طلعة جوية يوميًا.

يُعتقد أيضًا أن مئات المتعاقدين العسكريين "المرتزقة" الروس يعملون في سوريا، مع ورود تقارير عن خدمتهم على الخطوط الأمامية إلى جانب القوات الموالية للنظام. وتشير الصحيفة إلى أن سوريا كانت ساحة تدريب حاسمة للقوات الروسية في الخارج و فرصة لاختبار الأسلحة مثل صواريخ Kalibr والقاذفات طويلة المدى من طراز توبوليف 22M. .

ويتم الآن نشر حوالي 3 آلاف من أفراد الخدمة الروسية في سوريا، في منشآت مثل طرطوس وقاعدة حميميم الجوية بالقرب من مسقط رأس بشار الأسد في اللاذقية.

وقعت موسكو عقود "إيجار "مدتها 49 عامًا قابلة للتمديد في قاعدة طرطوس البحرية وحميميم، مما منح روسيا أول وجود عسكري طويل الأجل لها في الشرق الأوسط. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين  في سعي لتوسيع نفوذ موسكو العالمي، إن قواته ستبقى في سوريا طالما لزم الأمر .وأضاف بوتين أن "جيشنا موجود لضمان مصالح روسيا في منطقة مهمة من العالم."

ويقول محلل الدفاع الروسي أليكسي مالاشينكو لـ ديلي ميل"إنه ومع هذه القواعد، عززت روسيا موقفها" في سوريا طالما أن الأسد في السلطة.

وتشير الصحيفة إلى أن الوجود العسكري الروسي محسوس في جميع أنحاء سوريا من خلال قواتها ومركباتها التي تقوم بدوريات وتدير نقاط التفتيش إلى جانب قوات النظام.  وتلفت أن القواعد ليست هي العائد الوحيد من المقامرة الروسية في دعم الأسد. فـإلى جانب تركيا وإيران، تلعب روسيا الآن دورًا حاسمًا في المحادثات الدولية حول مستقبل البلاد ، مع تطوير علاقات أوثق مع كل من أنقرة وطهران. تقوم المركبات العسكرية الروسية بدوريات على طول الطرق، هناك حيث تظهر الملصقات الأسد وبوتين جنبًا إلى جنب.

لا تزال جهود إعادة الإعمار متواضعة حتى الآن، حيث كان المجتمع الدولي حذرًا من تمويل الأسد. لكن الأمم المتحدة تقدر تكاليف إعادة الإعمار في سوريا بعد الحرب بمبلغ 400 مليار دولار ، وموسكو في وضع جيد يؤهلها للعب دور بارز في إعادة بناء البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: اللجنة الدستورية قيد الإنجاز.. هل سيكون لبشار الأسد مستقبل سياسي؟

مع ذلك، لا تزال التحديات قائمة ويحذر ملاشينكو من أنه لا يوجد شيء مؤكد في سوريا. وتبقى محافظة إدلب الشمالية الغربية على الحدود مع تركيا خارج سيطرة النظام على الرغم من الهجوم الدموي للأسد وروسيا عليها.

عزّز التدخل العسكري الروسي المتزايد لجانب نظام الأسد التحالف بين أنقرة وواشنطن في سوريا، خاصة بعد العملية العسكرية الأخيرة في إدلب

وبرأي مالاشينكو، فإن الآمال في التوصل إلى حل سياسي طويل الأجل منخفضة، على الرغم من إعلان الأمم المتحدة هذا الشهر عن إنشاء لجنة دستورية جديدة. مضيفًا أنه من خلال دعم الأسد بوضوح، ربما تكون روسيا قد تركت نفسها عرضة للخطر وتابع قائلًا: "ليس لروسيا طريق آخر. لها تكتيكات جيدة لكن ليس لديها إستراتيجية، إنها خطوة للأمام، لكن لا أحد يعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك".

 

اقرأ/ي أيضًا:

 خطة إعادة إعمار سوريا.. منفعةٌ للحلفاء وإمعانٌ في التمييز والاضطهاد