09-يناير-2017

(Getty) ميدان التحرير، 2011

1

كم عدد اللاجئين السوريين والعراقيين في أوروبا في السنوات الأخيرة؟ العدد كبير جدًا. حاول ألا تخمّن كيف عبروا الحدود مرورًا ببلاد الغجر نحو قلب أوروبا، أو كيف سافروا على قوارب الموت، وكم يعانون. ولا تفكّر كذلك بأولئك الذين سافروا بالطائرة الذين لا يعرفون من سيستقبلهم في المطار، وكيف سيتأقلمون في بيئة جديدة يذهبون إليها قسرًا.

استراتيجيًا، سيكون هناك لوبي عربي قوي في أوروبا بسبب موجة الهجرة الأخيرة

فلا تبكِ الهجرة الاضطرارية لآلاف العرب الهاربين من أرض الأجداد نحو بلاد الرّوم والجرمان؟ تذكّر هجرة السوريين والفلسطينيين واللبنانيين إلى أمريكا اللاتينية، فلدينا ثاني أغنى رجل في العالم، ورئيس البرازيل ونائب رئيس فنزويلا، صحيح أنهم عرب بدرجة ثانية بالنسبة إلينا، لكن يكفي أنهم من أصول عربية بالنسبة إليهم. أليس كذلك؟

اقرأ/ي أيضًا: هل القومية العربية مشروع رومانسي؟

بعد سنوات، سنعرف أكيد هذه الأوصاف: عالم ألماني من أصل سوري، ممثلة تركية من أصل سوري، وزير نمساوي من أصل عراقي، نائب بريطاني من أصل فلسطيني، وهكذا. هل هذا يفيد كي لا تبكي كثيرًا أم سيُبكيك أكثر وتنوح أمة تخسر أبناءها؟ أنصحك بأن تحاول أن تفكّر في الجانب الإيجابي من المسألة، فسيكون لنا لوبي عربي قوي في أوروبا، يعني فكّر "استراتيجيًا" يا أخي!

2

للثورة ضريبة يجب دفعها. حاول ألا تنسى بأنه لا ثورة على بياض، ولا ثورة دون خسائر، ولا تنتظر أن يجد حلمك الوردي طريقًا مفروشًا من الورود، أو ستجد العالم يلهث خلفك لتحقّق هذا الحلم الجميل.

دماء مئات آلاف العرب، شهداء وجرحى، والدموع التي سقت وجع الملايين، دموع تلك المرأة التي تبكي فقيدًا، ودموع ذلك الرجل الذي يبكي وطنًا، كلّها قرابين للثورة التي لم تُرو بعد.

الأمة العربية تتطّهر. تذكّر هذا جيّدًا، بل احفظ هذه الجملة القصيرة وردّدها كتعويذة كل يوم وقبل أن تنام، لعلّه يستعجل حلمك واقعه. وإن شئت زد معها المثل الشامي المغري في هذا السّياق "إذا ما خربت ما بتعمر". نحن نخرّب نظامًا وهم يخرّبون وطنًا، ولكن المهمّ أننا بصدد تخريبهم رغم الضريبة الموجعة وذلك لنفتكّ الوطن منهم... ولذلك فليتواصل تخريبنا الجميل من أجل النّصر العظيم.

3

لا تنس أنه قبل قرن ثار العرب على الباب العالي سنة 1916، ولعب الثنائي سايكس-بيكو لعبة التقسيم في المنطقة، وثم وعد بلفور بعدها بسنة الصهاينة بتسليمهم فلسطين. الآن يمر قرن منذ هذه المصيبة ولكن الحدود سقطت فعلًا بين سوريا والعراق، يسيطر مارد عربي مجنون خرج من قمقم مصيبة العرب، وهناك من يلعب الفيسفساء الديمغرافية في سوريا. 

في العالم العربي، نحن نخرّب نظامًا وهم يخرّبون وطنًا

الأرض العربية ليست راكدة وأنت تعيش حراكها.. لا يهمّ من يحرّكها ولكن تتأكد المسلّمة الجميلة: هذه الحدود مفبركة، فكان يجب أن تعاين ذلك. بل تذكر كذلك أنه حينما سكب شاب البنزين على جسده في سيدي بوزيد في تونس، خرج العرب للشّارع في صفاقس وبنغازي والقاهرة ودرعا وصنعاء والمنامة ومئات المدن والقرى العربية الأخرى.

اقرأ/ي أيضًا: عن الذكاء والسعادة في التظاهر السوري

الملاحظة المباشرة بالعين وهي العيان هي عين اليقين عند الجاحظ، وأنت الآن تلاحظ وتعاين ليزداد اليقين البسيط: نحن أمّة واحدة من طنجة إلى المنامة، أمّة بهمّ واحد وحلم مشترك.

4

يجب أن تفرح كثيرًا لأنك تعيش زمنًا أسطوريًا، فأنت بصدد معايشة لحظة حضارية تاريخية. يمكن أن تكتب مذكراتك الشخصية أو تؤلف كتابًا في تخصّصك على ضوء الصّفيح الساخن، ويمكن أن تكتب شعرًا عن الحب والوطن وعن كل مقاصد الشعر. فأنت شاهد على العصر، عصر الثورة.

ويمكن أن تخربش بعض التعويذات لتقرأها على مسامع أحفادك كقصة جميلة بعد 20 أو 30 أو 50 سنة، وصلّ لربّك الآن كي تكون ملحمة أسطورية انتصر فيها الخير على الشرّ، وذلك حينما تقرأها على الأحفاد... ولكن لا تجعل صلاتك تمنعك من الخروج للشارع الآن من أجل الفلاح.



اقرأ/ي أيضًا:

حكاية لنوّاب مصر حتى يناموا

صورة الدكتاتور