15-يوليو-2017

تكرر حالات القتل بين فئات مهمشة مصابة بضيق الأفق وتعاني من الجهل وعدم اهتمام الدولة (محمد الشاهد/أ.ف.ب)

أب قتل ابنه في مشاجرة عائلية بأسيوط، سائق أطلق الرصاص على صاحب الميكروباص الذي يعمل عليه لخلاف على 200 جنيه في الإسكندرية، شاب طعن 6 سائحات أجنبيات بالغردقة فقتل اثنتين وأصاب أربعة، ملثمان استهدفا مجندين بأحد كمائن العريش، ثلاثة، مجهولو الهوية، أطلقوا النار على سيارة شرطة بالجيزة.. 5 حوادث قتل خلال يوم واحد في مصر.. فماذا جرى للمصريين؟

للإنسان ميل فطري إلى العنف لكن التعليم والتربية والخبرات يهذبونه، وقد لا يحصل ذلك بشكل جيد فتكون الانعكاسات خطيرة

سؤال واحد ألقاه "الترا صوت" أمام أطباء النفس ومتخصصي الاجتماع في محاولة للعثور على إجابة، فكانت ثلاث إجابات من متخصصين على النحو التالي: 

اقرأ/ي أيضًا:  القتل على الطريقة المصرية

1. ميل إلى العنف يساهم المجتمع في نموه

في أسيوط، قتل أب ابنه لأنه دافع عن أمه في شجار عائلي، فأخرج "مسدسًا" من جيبه وفرّغ خزانته في قلبه، وشرع في قتل أمه لولا تدخّل المحيطين. تدخل تلك الجريمة في باب القتل لأسباب هزيلة.

يرجع الدكتور سعيد عبد العظيم، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، تلك الحالة إلى أن لدى الإنسان ميلًا فطريًا إلى العنف لكن التعليم، والتربية، والخبرات يهذبونه، والتهذيب يتمّ على أيدي الأسرة والمجتمع، والاثنان لا يقومان بدورهما، فيظلّ الوضع على ما هو عليه.

يضيف عبد العظيم، في حديثه مع "الترا صوت": "لدى الطبقات المهمشة، وفي المناطق النائية، مثل الصعيد، تقع جرائم أكبر بكثير من مجرد قتل أب لابنه، لأنه مجتمع يسود فيه الجهل والقَبَلية والاعتداد الزائد بالنفس دون تهذيب، ويتوفّر فيه السلاح وإدمان المخدرات بشدّة".

كل تلك العوامل، من وجهة نظر أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، تقود إلى ارتكاب الجرائم بدمٍ بارد.. فلا أحد يشعر أنه على خطأ، وبعضهم لا يدرك أنه يضيع نفسه، ويضيع أقرب المقربين إليه، إلا بعد فترة من الخروج من "هوس سلطة الأب".

2. القانون الشخصي يحكم بالإعدام لأسباب تافهة

القانون في مصر لا يأتي بحق أحد، فيلجأ كل شخص إلى أخذ حقه بذراعه، فالقوانين الشخصية تحكم الآن

لدى الدكتورة هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها، تحليل تاريخي لانتشار ذلك النوع من جرائم القتل المتعمَّد في مصر. تقول: "بدأ في الانتشار منذ 12 عامًا تحديدًا، بعد انتخاب الرئيس الأسبق مبارك لفترة رئاسية جديدة عام 2005. من يومها بدأ الفقر يدبّ في شرايين المجتمع، ودخل أغلب المصريين حالة عدمية لم تنتهِ بثورة يناير إنما ازدادت الحالة عدمية، وتزايد فقدان الوعي الديني، فلم تعد الدولة تقوم بدورها الأساسي في نشر الثقافة وتهذيب البشر".

تقول الدكتورة هالة لـ"الترا صوت": "ثقافة اللجوء للقانون غائبة عن المصريين، وغير مجدية، فالقانون لا يأتي بحق أحد، فيلجأ كل شخص إلى أخذ حقه بذراعه، فالقوانين الشخصية تحكم الآن".

تضع أستاذة علم الاجتماع الجرائم، التي وقعت أمس، في ترتيب منطقي بين يديها وتقول: "الجرائم كلها غير منطقية، أب يقتل ابنه لأسباب تافهة، سائق يقتل صاحب العمل لخلاف على مبلغ ضئيل، شاب عاطل في الغردقة يعتدي على السياح دون إبداء أسباب، ملثمون يقتلون ضباط الشرطة والجيش.. كلها أشياء غير منطقية تحدث لأسباب تافهة.. لا يمكن تفسيرها إلّا بحالة هستيريا مجتمعية تجاه رائحة الدم".

ينتهي التحليل الاجتماعي، الذي تقدمه هالة منصور، بأنّ "هناك رابطان بين الجرائم، الأول أنها بلا سبب حقيقي، والثاني أنها تحدث بين فئات مهمَّشة مصابة بضيق الأفق وتعاني من الجهل وعدم اهتمام الدولة".

يجمع معظم المختصون النفسيون أن هناك إعادة إنتاج للقهر خلف حالات القتل المتواترة في مصر

اقرأ/ي أيضًا:  يوميات القتل "غير" العادي

 

 

3. إعادة إنتاج القهر.. كلنا "قتلى" محتملون

هذا التفسير يصلح لكل حالات القتل.. الذي وصف منها بالإرهابي، والذي وصف بأنه أسريّ، وأخيرًا، ما قيل إنه انتقام. التفسير هو "إعادة إنتاج القهر".  

أغلب مرتكبي جرائم القتل مصابون، من وجهة نظر الدكتور عادل يونس، بانفصام في الشخصية واكتئاب نفسي يقود إلى استسهال إنهاء حياة الآخرين بفعل الشعور بالقهر، سواء على المستوي السياسي أو الاقتصادي أو المهني، فالمجتمع في حالة تجبُّر مقيت، الكل يؤذي بعضه. يروي يونس، أنه ذات مرة مرّ بحالة أب يعتقد أنّ أهله يريدون به شرًا ويرتّبون مكيدة له، وتجسّدت كل تلك الهلاوس في صورة أبنائه لحظة غضب، فقتلهم وهرب.

ويوضح أستاذ الطب النفسي بالأزهر: "الإرهابي يشعر أنه مفعول به فيفرّغ غضبه في ضباط الجيش والشرطة، السائق الذي قتل صاحب السيارة التي يعمل عليها يشعر أن خسارة 200 جنيه نوع من القهر فيقوم بعنف مضاد دفاعًا عن نفسه فَيقتل دون ترتيب، كذلك لن يجد أحد، ولا حتى القاتل نفسه، سببًا لقتل سيّاح جاؤوا إلى مصر للاستمتاع، لكنه شعور القاتل بأنه مقهور، فيخرج شحنته السلبية فيهم".

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر.. جرائم متعددة تهدد تماسك المجتمع

العنف الأسري في لبنان..بين تسلّط الذكر وتساهل القانون