16-يوليو-2016

هبة شعبية عارمة مؤيدة للمدنية إثر المحاولة الانقلابية في تركيا(بولانت كيليك/أ.ف.ب)

السلطات التركية تمسك بزمام الأمور والأوضاع تحت السيطرة، ذلك هو منتهى التطورات الجارية في تركيا حيث تأكد فشل الحركة الانقلابية التي قادها مجموعة من الجيش التركي أمس، في واحدة من أعنف الحركات الانقلابية في البلاد. وهي محاولة عسكرية خلّفت إلى حدّ الآن أكثر من 160 قتيلاً و1440 جريحًا وإلقاء القبض على 2839 عسكريًا، بالتوازي مع إعلان الأجهزة القضائية عزل 2745 قاضيًا، ومن المنتظر أن تحمل آثارًا عميقة في الداخل ستتابع طيلة الساعات والأيام القادمة، ولن تكون خارجة عن دائرة التأثر والتأثير في الساحة الإقليمية والدولية.

من المنتظر أن تحمل المحاولة الانقلابية في تركيا آثارًا عميقة ستتابع طيلة الأيام القادمة، ولن تكون خارجة عن دائرة التأثر والتأثير في الخارجي

مع سيل المعلومات منذ اللحظات الأولى لانطلاق حركة الانقلاب العسكري وتباينها، بدت مؤشرات مرجحة لنجاح الحركة خاصة بعد إلقاء القبض على قائد أركان الجيش والسيطرة على التلفزيون الرسمي، سرعان ما تلاحقت تباعًا التطورات بعد ساعة في اتجاه انحصار الحركة وفشلها خاصة بعد خروج المواطنين للشارع استجابة لدعوة الرئيس أردوغان. ويمكن حوصلة ثلاثة أسباب رئيسية لفشل هذا الانقلاب العسكري.

اقرأ/ي أيضًا: الليلة الكاشفة.. تركيا في الإعلام العربي

1/ رفض الأجهزة الحاملة للسّلاح للحركة الانقلابية

مع بداية أولى الأخبار حول وجود محاولة انقلاب عسكري، كان السؤال حول حجم انخراط الجيش من جهة وبقية الأجهزة الحاملة للسّلاح من جهة أخرى في هذه الحركة الانقلابية. وقد تبيّن لاحقًا على الأرض مع الساعات الأولى ومع ما أكدته تصريحات المسؤولين الأتراك أن العسكريين الذين يقفون وراء الانقلاب يمثّلون أقلية داخل الجيش. وقد رفض قائد هيئة الأركان الجنرال خلوصي آكار الحركة الانقلابية، وتمّ بناء على ذلك احتجازه في مقرّ القيادة العامّة للجيش قبل تحريره لاحقًا.

كما أعلن قائد الجيش الأوّل رفضه للمحاولة الانقلابية، إذ يتبع جزء هامّ من القوات الانقلابية هذا الجيش الميداني. كما لم تنخرط قيادة القوات البحرية في العملية العسكرية، ولا يزال الغموض يحوم حول موقف قيادة القوات الجوية حيث شاركت طائرات عسكرية بكثافة في العملية الانقلابية. وكان قد أعلن الجنرال زكائي أقسقالي منذ الساعات الأولى أن محاولة الانقلاب لن تنجح وأن قواته الخاصة تحت إمرة الشعب.

وصرّح رئيس الحكومة بن علي يلدرم صباح الحركة الانقلابية أن قيادات الصف الأوّل في الجيش غير منخرطة في هذه الحركة. وهو ما أكده رئيس الأركان بالوكالة الجنرال أوميت دوندار. وبذلك رغم تأييد مجموعات ميدانية من الجيوش الثلاثة لمحاولة الانقلاب وخصوصًا من القوات الجوية، فقد فشل الانقلابيون في تحقيق اختراق داخل مختلف وحدات الجيش بأكمله وتحديدًا على مستوى القيادات العليا.

من جانب آخر، أعلن رئيس الحكومة التركية منذ اللحظات الأولى للمحاولة الانقلابية أنه وجّه قوات الأمن للتعامل مع المجموعات الانقلابية. ويحتلّ جهاز الأمن في تركيا مكانة هامّة دعمها أردوغان طيلة فترة حكمه. وقد أظهرت الصور المتناقلة قبض رجال الشرطة على العسكريين المتورطين في الانقلاب. كما شدّد هاكان فيدان، قائد المخابرات العامّة، الذي يوصف بأنه كاتم أسرار أردوغان، منذ البداية رفض المحاولة الانقلابية، وكان قد تعرّض أحد مقرات الجهاز لانفجار إبان تحركات المجموعات الانقلابية.

2/ هبة شعبية عارمة مؤيدة للمدنية

مثّلت المظاهرات الشعبية العارمة مباشرة بعد انطلاق التحرّكات والإعلان عن محاولة الانقلاب العسكري عنصرًا حاسمًا في إفشاله

مثّلت المظاهرات الشعبية العارمة مباشرة بعد انطلاق التحرّكات والإعلان عن محاولة الانقلاب العسكري عنصرًا حاسمًا في إفشاله. وقد زادت دعوة أردوغان، عبر السكايب في مداخلة نقلتها قناة تلفزية، للشعب التركي من أجل الخروج للشارع للدفاع عن الديمقراطية، في سيلان موجات شعبية واسعة في مختلف مدن البلاد لإعلان رفض الانقلاب.

وقد استطاع المتظاهرون حمل الدبابات المرابطة في مطار أتاتورك في إسطنبول على المغادرة، كما قام المتظاهرون بمهاجمة الآليات العسكرية للمجموعات الانقلابية. وبينت مقاطع مصوّرة مواطنين يحملون الأعلام التركية، يواجهون الانقلابيين، الذين وجهوا أسلحتهم نحوهم. كما كانت ساحة تقسيم الشهيرة مسرحًا لمظاهرة حاشدة لرفض الانقلاب. وقد قُتل عدد من المتظاهرين على يد المجموعات الانقلابية التي فتحت النار عليهم.

وكشفت المقاطع والصور القادمة من تركيا حمل مختلف المتظاهرين للأعلام التركية فقط دون رفع أعلام الأحزاب أو القيادات السياسية، وهو ما كشف عن انخراط المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والحزبية حول النظام الديمقراطي في بلادهم والتفافهم حوله. وكان الأتراك قد توجهوا في تشرين الثاني/نوفمبر الفارط لصناديق الاقتراع لاختيار نوابهم، وقد صوّت نصف الناخبين الأتراك لحزب العدالة والتنمية، في تجديد لأغلبيته البرلمانية.

اقرأ/ي أيضًا:  الإعلام العربي وتركيا.. أخطاء بمستوى فضائح

3/ إجماع سياسي على رفض الانقلاب العسكري

أعلنت جميع أحزاب البرلمان، وهي 4 أحزاب، رفضها للمحاولة الانقلابية منذ اللحظات الأولى. وقد أعلن رئيس البرلمان أن جميع الكتل البرلمانية أعلنت وقوفها إلى جانب الحكومة في مواجهة التمرّد. وقد قام زعيم حزب الحركة القومية بمهاتفة رئيس الحكومة لتأكيد رفضه للانقلاب العسكري. كما أعلن رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليغدار أوغلو، رفض الانقلاب العسكري، قائلاً إن البلاد "عانت كثيرًا" من الانقلابات العسكرية السابقة.

كما أكد حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، على صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" أنه تحت أي ظرف من الظروف، ومن حيث المبدأ يرفض الانقلاب العسكري في تركيا، مؤكدًا على ضرورة تطبيق الديمقراطية". وقال "موقفه واضح من ما يجري في تركيا"، مشيرًا إلى أنه "يقف ضد الانقلاب العسكري بشتى الوسائل".

وبيّن إجماع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان على رفض الانقلاب العسكري على تمترس الفاعلين السياسيين في الساحة التركية حول النهج الديمقراطي للبلاد واتفاق حول إدارة اختلافهم في الإطار الدستوري وعبر آلياته، وهو ما يمثل عنصرًا جوهريًا فارقًا عن الانقلابات العسكرية التي عرفتها تركيا طيلة العقود الماضية.

اقرأ/ي أيضًا: 

سكاي نيوز عربية.. ما هكذا يُصَدق الكذب

لماذا يتودد أردوغان إلى بوتين؟