24-أكتوبر-2018

القس الإنجيلي أندرو برونستون مباركًا ترامب في البيت الأبيض (Getty)

لعدة سنوات كان 15 ألف طالب يتدفقون إلى مركز فاينز، وهو مبنى ضخم ذو قبة فضية في حرم جامعة ليبرتي، من أجل نشاط  يمكن تسميته بـ"التضرع". يعبر هذا النشاط عن الجمع بين الشكل الديني والترفيهي، أما في حقيقة الأمر فهو تجمع سياسي، يشاهده آلاف البشر في بث حي، بطله هو ترامب من العام 2012 إلى العام 2016. ظهور ترامب الأول في هذا النشاط كان كأحد رجال الأعمال ونجم من نجوم تلفزة الواقع، بينما جاء ظهوره الثاني بصفته مرشحًا رئاسيًا يكثر الجدل حوله. لكن ليس في جامعة ليبرتي،. التي يمثل وجودها قلب التحالف بين الرئيس ترامب والمسيحيين الإنجيليين المحافظين، وهو تحالف تم تشكيله جزئيًا من قبل جيري فالويل جونيور، رئيس جامعة ليبرتي والرجل المقرب من ترامب.

 1. لماذا أعطى ترامب للإنجليين مكتبًا في البيت الأبيض؟

في مقابلة أجرتها اسلطة البث الإسرائيلية الرسمية مع أحد أبرز قادة الإنجيليين، مايك إيفانز، أثناء زيارته القدس هذه الأيام قال "إن الرئيس ترامب أعطانا مكتباً في البيت الأبيض، وبالتالي أصبح لنا صوت، وكرسي على الطاولة". بالطبع سيعطي ترامب الإنجيليين المحافظين مكتبًا في البيت الأبيض. كيف لا وهم وأكبر كتلة تصويتية له في الولايات المتحدة!. كان فالويل، رئيس جامعة ليبرتي، على سبيل المثال فعالاً في تقديم 81% من الناخبين المسيحيين الإنجيليين البيض لصالح ترامب في عام 2016. وقد وجد استطلاع رأي نشر في أوائل هذا الشهر من قِبل معهد بحوث الديانة العامة أن 72% من البروتستانت الإنجيليين البيض لديهم رأي إيجابي حيال الرئيس ترامب. كما أخبر جيري فالويل صحيفة الغارديان أن ترامب كان "شخصًا أخلاقيًا جيدًا، وقائدًا قويًا، وقائدًا صعبًا، وهذا ما تحتاجه هذه البلاد". 

تحقق الإنجيلية الصهيونية  نجاحات أسطورية  في دعم إسرائيل في الوقت التي تبذل فيه مليارات الدولارات السعودية والإماراتية استرضاء لترامب عبر جماعات الضغط الوفية لعقيدة روجر ستون ووصايا الإنجيلية الصهيونية نفسها

جدير بالمعرفة أن إحدى ركائز العقيدة الإنجيلية تركيزها على القيم العائلية التقليدية، والأدوار الجنسانية ومعارضة الإجهاض، إلى جانب دعم غير مشروط لدولة إسرائيل. أو كما قال إيفانز في المقابلة " نحن نؤمن أن أرض إسرائيل مقدسة". 

اقرأ/ي أيضًا:  خداع "الرجل الأبيض" واختلال النظام.. كيف يحافظ ترامب على شعبيته؟

بعد ليلة افتتاح السفارة الأمريكية في القدس المحتلة، دعا بنيامين نتنياهو الإنجيليين الأمريكيين إلى التخطيط لخطواتهم التالية، كما تذكر النيويورك تايمز. وفي إحدى غرف المؤتمرات التي كانت خارج مكتبه، شكر نتنياهو الدائرة الصغيرة من الرعاة والناشطين البارزين للضغط على الرئيس ترامب لفتح السفارة، مخالفًا عقودًا من السياسة الأمريكية، حينئذ تساءل نتنياهو "أي سفارة ستكون التالية؟ أراد نتنياهو أن يعرف، من خلال قائمة من البلدان الأخرى التي لديها كنائس إنجيلية قوية. كانت غواتيمالا وباراغواي وهندوراس قد اتبعت الولايات المتحدة بالفعل في إعلان نيتها نقل سفاراتها إلى القدس من تل أبيب، ولكن ماذا عن البرازيل أو الهند أو حتى الصين؟ 

في هذا السياق يقول القس الكوبي المقرب من ترامب ماريو برامنيك في تصريح نقلته النيويورك تايمز أيضًا "في الوقت الذي تعتمد فيه إسرائيل منذ وقت طويل على دعم اليهود في الشتات، فإن حكومة نتنياهو قامت بتحولات تاريخية واستراتيجية، معتمدة على قاعدة أكبر بكثير من المسيحيين الإنجيليين". 

أما المفارقة فهي: أن معتقدات العديد من المسيحيين الإنجيليين بأن إسرائيل خاصة بالله، وبالنسبة للبعض، علامة في نبوءات نهاية العالم، تقود الكثيرين إلى دعم متشدد للدولة اليهودية بينما يصرون في نفس الوقت على أن الخلاص لا ينتظر سوى أولئك الذين يقبلون يسوع منقذًا لهم. وهذا ما يُفسر كيف تم افتتاح السفارة الأمريكية في القدس المحتلة بتلاوة صلاة روبرت جيفريس الإنجيلي وراعي الكنيسة المعمدانية الجنوبية في دالاس، وهو أمر لم يعجب اليهود الأرثوذكس المشاركين بالاحتفال. 

2. لماذا يتصاعد احتفاء الإنجيليين بالحلف "السني" مع إسرائيل؟

لم تكن إسرئيل نفسها تحلم بتحالف "سني" قوي بهذا الشكل، الذي تمثل بتعاون على أعلى المستويات، استخباراتيًا وعسكريًا، وتطبيع على كافة الأصعدة، كان أقله تطبيع رياضي هنا وهناك وأعلاه شأناً تطبيع عسكري، جعل أحد القادة العسكريين الإماراتيين يصف إسرائيل بالدولة الصديقة. 

بالتصويت الإنجيلي والمال السعودي الإماراتي يبلي ترامب كما تشتهي إسرائيل

 يرى الإنجيليون اليوم أجندتهم وهي تُنفذ كما ينبغي لها أن تكون، تحقيقًا لنبوءتهم عن أرض الميعاد، وتكليًلا لجهودهم كجماعات ضغط قوية داخل أروقة البيت الأبيض وعلى طاولة المكتب البيضاوي مباشرة، وسحب تمويل مؤسسات داخل الأمم المتحدة تدعم اللاجئين الفلسطينيين، إذ أوقف دعم الأونروا بالكامل، وهي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين المختصة، وذلك بعد شهور من تخفيض دعم المنظمة، وطبعًا نقل سفارة واشنطن إلى القدس، وتصعيد موجة التطبيع السعودي الإماراتي والبحريني المصري مع تل أبيب

اقرأ/ي أيضًا:  تقدير موقف: قرار ترامب إعلان القدس عاصمة لإسرائيل: الدوافع والمعاني والآفاق

واصل الإنجيليون دعمهم لترامب، يقول إيفانز عن هذا التحالف "نحتاج إلى التحالف السني خاصة في ظل إيران، لذلك كان عبقريًا تمامًا في جانب ترامب". ويضيف "دونالد ترامب فعل المزيد لبناء التحالف السني وحقق في وقت قياسي ما لم يحققه جميع الرؤساء الأمريكيين في حياتهم. ولي العهد (في إشارة إلى محمد بن سلمان) حليف لإسرائيل وحليف دونالد ترامب". في إشارة ضمنية إلى أن هذا التحالف الجديد يخدم الأجندة الإنجيلية الداعمة لإسرائيل. و يقول كريس ميتشل مدير مكتب الشرق الأوسط في جريدة السي بي إن " لقد وجدنا من السعوديين أنفسهم مفكر يقول أنه يجب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل". 

3. كيف تفسر عقدة أوديب علاقة الإنجيليين بإسرائيل؟

أخيرًا فيما يبدو أنه تمظهر لعقدة أوديب في الحياة السياسية، وبطريقة فرويدية، عبر مايك إيفانز عن سر دعمه للصهيونية في إسرائيل من خلال تراكمات حياته الخاصة. حين حكى قصة زواج والده العنصري الكاره لليهود من والدته اليهودية الأرثوذكسية، وكيف كان يتلقى منه معاملة قاسية اعتقادًا من الوالد أن ابنه حاصل زنا الوالدة اليهودية، وأنه ليس من صلبه. لينتقل إيفانز ساردًا لحظة التحول نحو دفاعه عن والدته، وتطويره من وقتها هذه العقيدة الراسخة القائلة بوجوب الدفاع عن إسرائيل كما يدافع المرء عن أمه. 

لم تكن إسرئيل نفسها تحلم بتحالف "سني" قوي بهذا الشكل، الذي تمثل بتعاون على أعلى المستويات، استخباراتيًا وعسكريًا، وتطبيع على كافة الأصعدة لولا المال السعودي الإماراتي وجهود الإنجيلية الصهيونية

برؤية أوسع للقصة، فإن إسرئيل الأرض "الأم" أو أرض الميعاد بالنسبة للإنجيلين، وهي الأم التي لا يجب أن يسكنها العرب. يقول إيفانز "ظللت لوقت طويل غير قادر على الدفاع عن أمي ضد أبي العنصري كاره اليهود لأنه كان رجلًا ضخمًا وقويًا، وكنت أشعر بالعار، و في الوقت الذي بدأت فيه أسأل يا إلهي لماذا وُلدت،عرفت أن واجبي كان أن أدافع عن كل يهودي ما أمكن لي، لذا ذهبت إلى مناحيم بيغن، رئيس سابق لإسرائيل ولحزب الليكود، ووضعت نفسي تحت إمرته وقد عاملني كابن وآمن بي". 

الجدير بالذكر أن لإيفانز كإنجيلي جهودًا كبيرة في دعم إسرائيل، ففي عام 2015 أسس إيفانز مركز أصدقاء صهيون للتراث في القدس وكان الهدف الرئيسي هو تسليط الضوء على ما أسماه "التسامح الديني واستثمار الحوار بين المسيحية الصهيونية ودولة إسرائيل". كما كان مؤسس جائزة أصدقاء الصهيون التي تُمنح لقادة العالم مثل الرئيس جورج دبليو بوش، الأمير ألبرت الثاني من موناكو، والرئيس بليفنليف من بلغاريا لتكريم الدعم المتميز لإسرائيل. كما لديه العديد من الكتب التي تباع على نطاق واسع في الولايات المتحدة. 

ترامب الذي يلقبه بعض الإنجيليين بقائد العالم المسيحي الأعظم، حقق بعض أوتوبيات الإنجيلية، وتجري تحركاتهم على قدم وساق، بينما يتم تجاهل عنصريته وتصريحاته ضد الفلسطينيين والعرب، بشكل عام، وللسخرية، كل هذا في الوقت التي تبذل فيه مليارات الدولارات السعودية والإماراتية استرضاء لترامب عبر جماعات الضغط الوفية لعقيدة روجر ستون ووصايا الإنجيلية الصهيونية.

 

اقرأ/ي أيضًا:  

داعشية جديدة يقودها ترامب

ساندرز: ترامب استفاد من الغضب ضد مؤسسات الدولة