07-ديسمبر-2017

على الأغلب تريد الصين أن تكون لها حصة من غنائم إعادة الإعمار في سوريا (sputniknews)

أفادت أنباء متضاربة تناقلتها وسائل إعلام متعددة قبل أيام رغبة بكين في إرسال قوات إلى سوريا للقتال إلى جانب قوات بشار الأسد، ما بدا أنه تغيير في الموقف الصيني منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد رئيس النظام السوري بشار الأسد في آذار/مارس 2011، بعدما نأت بنفسها عن التورط عسكريًا مقابل تقديم الدعم الدبلوماسي لإعاقة فرض عقوبات أممية على النظام السوري في أروقة مجلس الأمن. وفي الأسئلة الثلاثة الآتية المتعلقة بموضوعنا نحاول فهم حقيقة التقارب الصيني السوري وما يمكن أن ينتج عنه.


1. ما حقيقة إرسال الصين مقاتلين إلى سوريا؟

في يوم 28 من الشهر الماضي نقلت النسبة العظمى من وسائل الإعلام عن وكالة سبوتنيك الروسية قولها إن بثينة شعبان، مستشارة رئيس النظام السوري، بحثت مع مسؤولين صينين إرسال قوات خاصة إلى سوريا، للمشاركة في عملية القتال ضد الحزب التركستاني الإسلامي الذي رصدت تواجدًا لمقاتليه في ريف دمشق، حيث تشهد المنطقة اشتباكات عنيفة بين قوات الأسد مصحوبة بالميليشيات الإيرانية من طرف، وفصائل المعارضة من طرف آخر.

ينتمي مقاتلو الحزب الإسلامي التركستاني إلى مقاطعة شينغيانغ الصينية التي تقطنها أقلية الإيغور المسلمة، وقد سجلوا تواجدهم لأول مرة في سوريا عام 2015

وينتمي مقاتلو الحزب الإسلامي التركستاني إلى مقاطعة شينغيانغ الصينية التي تقطنها أقلية الإيغور المسلمة، وقد سجلوا تواجدهم لأول مرة في سوريا عام 2015 في المعارك التي أفضت للسيطرة على مدينة جسر الشغور بريف إدلب، ومنها انطلقوا لتوسيع رقعة نفوذهم، فيما أُعلن رسميًا عن تواجدهم في أيلول/سبتمبر من ذات العام إبان السيطرة على مطار "أبو الضهور" العسكري بريف إدلب، ويتوزع مقاتلي الحزب في مناطق إدلب وريف اللاذقية من دون أن يسجل أي تواجد لهم في مناطق المعارضة بريف دمشق أو جنوب سوريا بشكل عام.

اقرأ/ي أيضًا: خطة إعادة إعمار سوريا.. منفعةٌ للحلفاء وإمعانٌ في التمييز والاضطهاد

غير أن الخبر الذي انتشر بين أوساط الناشطين بشكل سريع، قال عنه الحساب الرسمي لهيئة التفاوض السورية على "تويتر"؛ إن المبعوث الصيني للملف السوري شياو يان نفى الأخبار الواردة حول إرسال أي قوة عسكرية أو أمنية إلى سوريا، كذلك نقل موقع قناة Telesur عن مصدر في النظام السوري تأكيده عدم صحة الأخبار المرتبطة بإرسال الصين قواتها إلى سوريا، مرجعًا مصدر الخبر لوسائل إعلام معارضة وخليجية، رغم أن الجميع نقل الخبر عن الوكالة الروسية التي تعتبر من أبرز وسائل الإعلام الداعمة للنظام السوري في تغطيتها للأخبار المرتبطة بالأزمة السورية.

2. هل تنهي الصين عزلتها الدولية بالتدخل عسكريًا في سوريا؟

وبالطبع فإن خبر إرسال الصين قواتها إلى سوريا لم يكن الوحيد فيما يخص الدول الداعمة للنظام السوري من الناحية العسكرية رغم عدم وجود معلومات دقيقة تفيد بذلك، إذ سجل في مقابل ذلك إعلان سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، بعد يومين من نقل الوكالة الروسية للخبر، بدء بلاده الاستعداد لسحب مقاتليها من سوريا بعد أن استطاعت إنقاذ النظام السوري من الانهيار قبل أكثر من عامين.

ويُعرف عن الصين أنها منذ اندلاع الاحتجاجات السورية قبل ما يزيد عن ستة أعوام التزمت عدم التدخل عسكريًا في سوريا، لكنها على صعيد آخر استخدامت ما يزيد عن سبع مرات حق النقض (الفيتو) في جلسات الأمم المتحدة لإعاقة صدور قرار يدين النظام السوري بارتكابه انتهاكات حقوق الإنسان أو استخدامه للسلاح الكيميائي ضد المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية.

إذا  كان خبر تواجد قوات صينية في سوريا صحيحًا، فذلك يدل أن الصين قررت كسر العزلة التي فرضتها على نفسها، وتريد أن يكون لها حصة من غنائم إعادة الإعمار في سوريا

وهي بذلك لم تخرج عن سياستها التي انتهجتها قبل أعوام بعدم التدخل بشؤون الدول الأخرى داخليًا وخارجيًا، واختارت أن تعمل ببطء على السير بصمت لتصبح القوة العظمى في العالم، مستفيدة من تطويرها لاكتشافات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة، في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تنخرط في صراعات عسكرية في الشرق الأوسط وأفريقيا لتوسيع رقعة سيادتها الدولية، وروسيا كانت ترسم مخطط نهوضها على الساحة العالمية من جديد مستفيدًة من دروس الاتحاد السوفييتي مع وصول فلاديمير بوتين إلى الكرملين كرئيس لروسيا بالوكالة لأول مرة نهاية كانون الأول/ ديسمبر 1999 قبل أن ينتخب رسميًا في العام التالي.

وفي حال كان خبر تواجد قوات صينية في سوريا صحيحًا، وأن النفي لم يكن إلا تضليلًا متعمدًا لوسائل الإعلام، فذلك يدل على أن الصين قررت أخيرًا كسر العزلة التي فرضتها على نفسها، وتريد أن يكون لها حصة من غنائم عملية إعادة الإعمار في سوريا، لكن قبل ذلك عليها أن تجد موطأ قدم لها في البلد الذي دمرت الحرب بنيته التحتية، وأن تعرف أي من الاستثمارات التي لم يحصل حلفاء الأسد فيها على صفقات استثمارية حتى الآن.

3. هل عين الصين على صفقات إعادة الإعمار؟
يوم الجمعة الماضي، وخلال جلسة المفاوضات الجديدة بين وفدي النظام والمعارضة السورية، قال المبعوث الصيني في مؤتمر صحفي إن بلاده "مستعدة للمشاركة في مرحلة إعادة الإعمار عندما تبدأ"، لكنها لن تشارك في العملية لوحدها، إنما يفترض على الدولة الأخرى الانضمام للمساهمة فيها، ووفق موقع "ميدل إيست آي" فإن كلفة إعادة إعادة البنية التحتية في سوريا تقدر بـ226 مليار دولار أمريكي.

وكان موقع Global Research سلط في دراسة سابقة الضوء على تاريخ الصين الاقتصادي منذ أن كانت القوة الاقتصادية الأولى في العالم ما بين 1100 – 1800 ميلادية، قبل أن تتعرض لحصار اقتصادي، ومحاولات للسيطرة على مواردها من الدول الاستعمارية، استمرت لما يزيد عن 150 عامًا، وانتهت مع وصول الحزب الشيوعي الصيني للسلطة في خمسينيات القرن العشرين، خلال العقود الثلاث التي أعقبت وصول الشيوعيين للحكم بدأت الصين في استعادة عافيتها الاقتصادية، حيثُ ترى الدراسة أن الصين ستكون القوة العظمى رقم واحد خلال العقد المقبل.

اقرأ/ي أيضًا: بين الإعلام السوري والبورنو الصيني

وفي الوقت الذي شاركت الولايات المتحدة في الانحياز لأطراف معينة في الدول التي تشهد صراعات عسكرية، اتجهت الصين لدول من آسيا وأفريقيا، وأمريكا الجنوبية لتوقيع اتفاقات اقتصادية مع دولها، لكنها في سوريا قد تصطدم في مطب مختلف، كون البلد يتنازع عليه أطراف دولية مختلفة/ متعددة المصالح في آن واحد، ولكن إذا ما قررت الصين إرسال قواتها إلى سوريا، فإن ذلك يوضح عدم رغبتها الوقوع في الأخطاء التي كانت ارتكبتها سابقًا.

فقد كانت بكين وقعّت قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية في ليبيا عام 2011 اتفاقيات تجارية مع نظام الرئيس معمر القذافي، الذي قتل على يد المعارضة الليبية في تشرين الأول/أكتوبر 2011، وعندما أعلن حلف شمال الأطلسي برفقة الولايات المتحدة التدخل عسكريًا لدعم المعارضة الليبية، أطرّت الصين لسحب 35 ألف موظف صيني متنوعي الاختصاصات بحسب ما ذكرت الدراسة عينها، ومن هنا قد يكون إرسال القوات الصينية ناجم عن محاولة بكين حماية صفقاتها في حال قررت إبرامها مع النظام السوري للمشاركة في إعادة الإعمار.

لكن تقرير حديث لموقع "ميدل إيست آي" قللّ من انخراط الصين في مرحلة إعادة الإعمار في سوريا قياسًا بالعراق التي تملك النفط، ويرى أحد المتحدثين في التقرير أن مصلحة الصين في سوريا تكمن في "تحقيق الأمن" بدلًا عن الدعم الاقتصادي خوفًا من تنامي قوة مقاتلي الحزب التركستاني الذي اكتسب مقاتليه خبرات عالية في القتال، ويضاف إلى ذلك أن بكين وفق متحدث آخر لم تظهر أي رغبة حقيقية للاستثمار في سوريا، كونها تعلم مسبقًا أنها ستعاني من "المحسوبية والفساد" التي تنهش في مفاصل مؤسسات النظام السوري الرسمية، ويسيطر عليها مجموعة من المتنفذين المقربين من بشار الأسد.

في الوقت الذي شاركت الولايات المتحدة في الانحياز لأطراف معينة من الدول التي تشهد صراعات عسكرية، اتجهت الصين لدول من آسيا وأفريقيا، وأمريكا الجنوبية لتوقيع اتفاقات اقتصادية

وهذا ما يشير غالبًا أن الصين إذا ما أرادت إرسال مقاتلين إلى سوريا فمن غير المعروف إن كان مسببه محاولة حماية مصالحها الاستثمارية مستقبلًا في البلد المشرقي الذي يطل على البحر المتوسط، أو بالفعل المساهمة في القضاء على مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني، وممكن أن يكون سببًا أخرًا بعيدًا عن الاحتمالين السابقين.

وفيما استطاعت روسيا أن تفرض وجودها على سواحل شرق المتوسط، وبذات الوقت تحصل على اتفاقيات للتنقيب عن الغاز الطبيعي، برفقة تمكن إيران من تحقيق حلمها بالربط بين طريق بغداد – دمشق السريع، مقابل عدم استطاعتها من تنفيذ أي مشروع استثماري حتى الآن وفق "ميدل إيست آي"، فإن الصين تبقى بحاجة لشريك فاعل يضمن لها حماية مصالحها في سوريا في حال أرادت المشاركة في عملية إعادة الإعمار، غير أن ذلك ليس معروفًا ما لم تكن الصفقة مربحة بطبيعة الحال، وهو ما تؤكده استثمارات الصين الأخيرة في مختلف دول العالم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سابع "فيتو" روسي.. حماية نظام الأسد مستمرة

ما الذي دفع الصين إلى الانخراط في الحرب السورية