22-أكتوبر-2016

كانت السلطة التنفيذية زمن بن علي سيفًا مسلطًا على القضاة (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

يبدو أن تاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول سيظلّ ذكرى فارقة مميّزة في تاريخ تونس ومحفورة بمعاني بناء الديمقراطية والتأسيس لها، حيث سوف لن يكون تاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول  فقط الذكرى الخامسة لأول انتخابات ديمقراطية وشفافة في تاريخ البلاد، وهي انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011، بل سيتصادف هذه السنة مع انتخابات المجلس الأعلى للقضاء، وهي أول انتخابات حرة وشفافة يشارك فيها القضاة وكل المهن القانونية ذات العلاقة، لانتخاب أعضاء المجلس الذي يشرف على السلطة القضائية، وذلك بعد عقود من الاستبداد وهيمنة السلطة التنفيذية عليها.

في زمن الاستبداد، كان الرئيس في تونس يترأس المجلس الأعلى للقضاء فكان سيفًا مسلطًا على القضاة

اقرأ/ي أيضًا: في تونس.. رئيس الجمهورية يعطل أحكام القضاء!

معركة استقلالية القضاء بين الأمس واليوم

في زمن الاستبداد، كان رئيس الجمهورية يترأس المجلس الأعلى للقضاء الذي يشرف على المسار المهني والمسألة التأديبية للقضاة، فكان بذلك سيفًا مسلطًا عليهم من قبل السلطة التنفيذية. حيث كانت تخضع التسميات والترقيات حسب الولاء للنظام. وكانت جمعية القضاة، وهي الهيكل المهني الوحيد الناشط حينها، تطالب باستقلالية السلطة القضائية، وقد تعرّض قياداتها لتضييقات من النظام شملت عقوبات تأديبية عبر النقل التعسفية لقياداتها. كما عرف مكتب الجمعية سنة 2005 انقلابًا ضده من مجموعة قضاة محسوبين على نظام بن علي.

ويستذكر التونسيون الرسالة التاريخية، التي أرسلها القاضي مختار اليحياوي سنة 2001 إلى المخلوع بن علي يدعوه فيها إلى رفع يده عن القضاء. وقد كلفته هذه الرسالة العزل ومصادرة أملاكه والتضييق عليه. وقد كان القاضي اليحياوي، الذي توفاه الأجل السنة الفارطة، أحد الشخصيات الثماني، اللاتي شاركت في إضراب الجوع سنة 2005، والتي شكلت "حركة 18 أكتوبر"، وهي جبهة عمل مشترك للمعارضة التونسية ضد نظام بن علي.

بعد الثورة، تصدرت معركة استقلالية القضاء الواجهة، حيث تمّ حلّ المجلس الأعلى للقضاء وتشكّلت هيئة وقتية للقضاء العدلي، التي أصبحت أول هيئة شرعية تشرف على المسار المهني للقضاة والتأديب. وتعدّدت في المقابل الهياكل المهنية المدافعة عن القضاة واستقلالية السلطة القضائية، حيث تشكلت نقابة القضاة بعد انسلاخ مجموعة من الجمعية. كما كوّن رئيس المكتب الشرعي لجمعية القضاة أحمد الرحموني "المرصد التونسي لاستقلال القضاء"، وأنشأت "جمعية للقضاة الشبان"، وعرف القضاء الإداري والمالي بدوره تكوين هياكل نقابية خاصّة به.

وتُوجّت نضالات القضاة بتنصيص دستور 2014 على إنشاء مجلس أعلى للقضاء، وهو مؤسسة دستورية ضامنة لحسن سير القضاء واستقلالية السلطة القضائية. ويتكون هذا المجلس في غالبيته من القضاة يقع انتخابهم من نظرائهم.

اقرأ/ي أيضًا: راضية النصراوي.. حينما ينتصر السياسي على الحقوقي

انتخابات المجلس بعد مخاض عسير

بعد الثورة، تصدرت معركة استقلالية القضاء الواجهة وتُوجت بتنصيص دستور 2014 على إنشاء مجلس أعلى للقضاء ضامن للاستقلالية

لم يكن، في البداية، مخاض المصادقة على القانون المنظّم للمجلس الأعلى للقضاء باليسير، بل كان عسيرًا للغاية بين القضاء بعدم دستورية القانون في مرحلة أولى وإقالة وزير العدل في مرحلة ثانية نتيجة رفضه المشروع الحكومي المقترح. وقد ختمه رئيس الجمهورية، بالنهاية، في الربيع الفارط بعد إحالته من الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين لعدم حصول الأغلبية المطلقة لاتخاذ قرار بشأنه، وبالتالي عدم القضاء بدستوريته.

ولذلك اعتبرت "جمعية القضاة" أنه تمت المصادقة على هذا القانون بالنهاية دون استيفاء كل السبل الممكنة لتنقيته من شوائب عدم دستوريته. ورغم ذلك، قرّرت الجمعية المشاركة في انتخابات المجلس الأعلى للقضاء وعدم مقاطعته تحت عنوان العمل من داخله، ودعت عموم القضاة إلى مواصلة النضال وتكريس الاستحقاقات المقبلة التزامًا بالمضامين الدستورية خاصة فيما يتعلق باستقلالية النيابة العمومية والتفقد القضائى.

ولم تبدأ معركة الدفاع عن استقلالية السلطة القضائية مع هذا القانون، بل بدأت منذ مرحلة إعداد دستور 2014 فيما يتعلق بالأحكام المنظمة للسلطة القضائية. حيث ضغطت الهياكل المدافعة عن استقلالية السلطة القضائية، كي ينصّ الدستور على أن يكون في أغلبه مكونًا من القضاة، الذين يمثلون ثلثي أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، من المنتخبين، وأن تكون أغلبية أعضاء المجلس ممّن تمّ انتخابهم عمومًا.

ماهي تركيبة المجلس الأعلى للقضاء ومهامه؟

يتكوّن المجلس من 4 هياكل وهي مجلس القضاء العدلي، ومجلس القضاء الإداري، ومجلس القضاء المالي والجلسة العامة للمجالس القضائية الثلاثة. يتكوّن المجلس الأول من 15 عضوًا هم عشر قضاة، 6 منتخبين و4 معيّنين بالصفة، وخمس شخصيات مستقلة منتخبين من نظرائهم من بينهم ثلاثة محامين. ويتكوّن مجلس القضاء الإداري من نفس التركيبة، وكذلك مجلس القضاء المالي على أن يقع انتخاب خبيرين محاسبين من ضمن الشخصيات المستقلة في هذا المجلس.

ويضمّ المجلس الأعلى للقضاء عمومًا 45 عضوًا وهم جملة أعضاء المجالس القضائية المختصة، وذلك بتفصيل 30 قاضيًا و15 شخصية مستقلة منتخبة من المحامين والجامعيين والخبراء المحاسبين وعدل تنفيذ.

يتولّى المجلس تعيين 4 شخصيات في المحكمة الدستورية، ويقدم مقترح الإصلاحات الضرورية لضمان استقلالية القضاء، كما يبدي الرأي بخصوص مشاريع القوانين ذات العلاقة. ويبتّ كل مجلس قضائي مختصّ في المسار المهني للقضاة من تسمية وترقية ونقلة، وذلك بالإضافة لمطالب رفع الحصانة عن القضاة.

كما ينظر كل مجلس مختصّ في تأديب القضاة الراجعين إليه بالنظر. وتتولى التفقدية العامة التابعة لوزارة العدل الأبحاث في الشكايات حول الأعمال المنسوبة للقضاة قبل أن يأخذ المتفقد العام قرارًا بالحفظ أو الإحالة للمجلس الأعلى للقضاء لاتخاذ القرار المناسب. وكانت جمعية القضاة قد رفضت إبقاء التفقدية العامة كهيكل يتبع وزارة العدل.

اقرأ/ي أيضًا:

تونس..محاميان أمام القضاء العسكري في ذكرى الثورة!

في تونس.. محامون مع "وقف الترسيم"!