26-ديسمبر-2020

وقفة احتجاجية في بيروت (أنور عمرو/أ.ف.ب/Getty)

فرض انتشار فيروس كورونا العديد من التحديات المستجدة على الأجهزة الأمنية والقضائية وجهات إنفاذ العدالة حول العالم، خصوصًا في كيفية التعامل مع السجناء. خاصة في ظل سريان إجراءات وقائية مختلفة يصعب تطبيق بعضها داخل السجون والإصلاحيات، كالتباعد الاجتماعي بشكل خاص.

غابت في السجون اللبنانية الخطط الجدية للتصدي لفيروس كورونا، أو تفادي ما يمكن تفاديه من إصابات، أو حتى تأمين الحد الأدنى من السلامة للسجناء

وفي لبنان شهدت السجون والمؤسسات الإصلاحية اعتصامات عديدة وأحداث شغب باشرها السجناء للمطالبة بتعقيم أماكن الاحتجاز والحبس، واتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة. وبسبب قرارات احترازية لمنع الزيارات من قبل الأهالي  عُزل السجناء عن العالم الخارجي.

اقرأ/ي أيضًا: 2020 عام كارثي على اللاجئين السوريين في مخيمات لبنان

كما شهدت السجون اللبنانية مطالبات بإصدار قانون للعفو العام، غير أن عدم التوافق السياسي في لبنان بين الكتل النيابية الممثلة للطبقة السياسية التقليدية منع قانون العفو من إبصار النور. ما وضع حياة السجناء رهنًا للتوافق "الطائفي - السياسي". كل هذا بالترافق مع حالة قلق بين أهالي السجناء والتساؤل عن مصير أبنائهم أمام الرعب الذي خلفه فيروس كورونا.

فيما جاء تعامل السلطات اللبنانية مع المسألة دون المتوقع، وغابت الخطط الجدية للتصدي لفيروس كورونا في السجون، أو تفادي ما يمكن تفاديه من إصابات، أو حتى تأمين الحد الأدنى من السلامة للسجناء. بالرغم من ادعاء إدارة السجون اتخاذ تدابير وقائية. لذلك تعالت صرخات الأهالي المطالبين بحماية أبنائهم، وتحدثوا عن إهمال صحي ووقائي كبير بحق السجناء وأشاروا إلى وجود دلائل ومؤشرات عليه. وقد ورفع الأهالي شعارات "الموت يتربص بالسجناء، فحرروهم".

جاءت كل هذه المطالبات من أجل الضغط على الحكومة والبرلمان اللبنانيين من أجل إقرار قانون العفو العام. إذ تأتي المطالبة بالعفو العام على اعتبار أن نسبة كبيرة من السجناء محتجزون بدون محاكمات أو بسبب جنح ومخالفات، في الوقت الذي يتأخر الجسم القضائي عن القيام بمهامه بشكل سريع بسبب الإغلاق المستمر ومنع المحاكمات الحضورية.

في ذات الإطار انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي عدة مقاطع مصورة تظهر سجناء مصابين بفيروس كورونا ضمن أوضاع غير إنسانية وغير صحية البتة. وأفادت المعلومات التي تم تداولها عن إصابة ما يقارب 300 سجين بفيروس كورونا في سجن "رومية" لوحده، في ظل إهمال مستشر وعدم الالتزام بإجراءات الوقاية. 

ما فاقم من إشكاليات السجون اللبنانية في جائحة كوفيد 19 أن القدرة الاستيعابية للسجون ضئيلة في الذي يحشر السجناء فيه بأعداد كبيرة تفوق المعقول. على سبيل المثال لا الحصر، فإن سجن رومية مخصص لحوالي 1200 سجين، إلا أن أكثر من 4500 سجين يعيشون في داخله. وسجن القبة يتسع لـ400 سجين لكنه يضم 800 سجينأي ضعف الحجم الاستيعابي المفترض. والزنازين صغيرة جدًا وتضم 8 سجناء ويصل العدد إلى 12 سجين في الغرفة الواحدة. ويعتبر سجن رومية من أكبر السجون اللبنانية وأكثرها اكتظاظًا.

وقال موقع المفكرة القانونية الإلكتروني أن "السجناء موجودون في حالة من التجمع القسري بظروف حياتية سيئة، كون نسبة الاكتظاظ تصل إلى 185% من قدرة الاستيعاب القانونية". فعدد كبير من السجناء ينامون إلى جانب بعضهم البعض "رأس وكعب" في السجون الكبيرة مثل رومية والقبة وزحلة. أما المسألة الأخطر، فهي أن هناك نسبة كبيرة من السجناء يعانون من الأمراض المزمنة، مثل السكري والضغط وأمراض القلب، ما يجعلهم عرضة للموت بوباء كورونا، إضافة إلى المخاطر المحدقة ببقية السجناء، في ظل غياب العناية الطبية.

 شهدت السجون والمؤسسات الإصلاحية  في لبنان اعتصامات عديدة وأحداث شغب باشرها السجناء للمطالبة بتعقيم أماكن الاحتجاز والحبس، واتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة بالنسبة لانتشار فيروس كورونا

واعتبر تقرير المفكرة القانونية أنه مع تفشي فيروس كورونا في السجون اللبنانية، فإن "الحق في الحياة يغلب على ضرورة العقاب"، وأن "الاكتظاظ في السجون يضر بالمجتمع ككل"، و"سيؤدي إلى ضغط هائل على القطاع الصحي، فهؤلاء يواجهون ما يوازي الحكم بالإعدام الميداني نظرًا لاستحالة تطويق الوباء إذا انتشر في السجون".

اقرأ/ي أيضًا: حرب لقاحات كورونا تستعر والصين مستعدة لتوزيع لقاحاتها على الدول "النامية"

وتبقى الإصابات بفيروس كورونا والوفيات الناجمة عنها في ارتفاع مضطرد داخل السجون اللبنانية، ومن نافل القول أن السجون تشكل بيئة مناسبة لانتشار فيروس كورونا بسبب غياب الكمامات والقفازات والمعقمات، والخطورة تكمن أيضًا في وجود أعداد كبيرة من كبار السن والمرضى. ليضاف إلى كل ذلك أن كوفيد-19 يصيب الجهاز التنفسي وهو ما يمكن أن يفاقم من خطورته الوجود في زنازين صغيرة مع رطوبة عالية أو درجات حرارة مرتفعة وسوء النظافة والظروف الصحية والافتقار إلى التهوية المناسبة. هذا وسط غياب لأجهزة التنفس  الاصطناعي في السجون، وشح المستلزمات الطبية، وعدم القدرة على نقل المصابين إلى المستشفيات بالسرعة المطلوبة بفعل الإجراءات الروتينية والبروتوكولات المعقدة داخل السجون مما يعرض السجناء لحالة واضحة من الخطر.

كانت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، قد أعربت عن قلقها الشديد، إزاء اكتظاظ السجون في لبنان حيث يقبع الكثيرون في ظروف غير نظيفة وغير صحية، الأمر الذي قد يكون سببًا، في انتشار أوسع لفيروس كورونا. وفي بيان لها، قالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت "لقد بدأ كـوفيد-19 باجتياح السجون ومراكز توقيف المهاجرين، ودور الرعاية السكنية، ومستشفيات الصحة النفسية، ويهدد بالانتشار بين سكان هذه المؤسسات الأكثر ضعفا". ويشار إلى وجود 19 سجنًا للرجال و4 للنساء وواحد للأحداث الذكور وآخر للإناث في لبنان، وهذه السجون تعمل تحت رقابة وزارة العدل بطبيعة الحال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كوفيد-19 على "شجرة الميلاد" هذه السنة

"تفادي ضياع جيل الكورونا".. تقرير لليونيسف يرصد أوضاع الأطفال في وقت الجائحة