16-ديسمبر-2020

كشك بيع صحف في روما (ريكاردو دي لوكا/الأناضول/Getty)

هي ليست أزمة جديدة، لكنها تكشفت وتعمقت مع انتشار وباء الكورونا، فقد تراجعت المؤسسات الصُحفية عن إصدار نسخ ورقية عام 2020 بعد أن كانت طيلة عقود مضت، قبل عصر الشاشات والمواقع الإلكترونية، تعتبر بمثابة المصدر الوحيد لنقل المعلومات. ومع انتشار كوفيد-19 وفرض التباعد الاجتماعي ومنع التجمعات وقرارات الإغلاق في العديد من دول العالم، والانتقال إلى حالة العمل من المنزل، بدأت المؤسسات الصُحفية بإصدار النسخات الإلكترونية والإكتفاء بها دون الحاجة إلى نسخة ورقية.

شكل تصاعد الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي أحد العوامل التي أدت إلى تراجع مبيعات الصحف الورقية في العالم

من الواضح أن العصر الرقمي أرخى بظله على المجتمعات الإنسانية كافة، وكذلك فإن الوسائل التكنولوجية دخلت المنافسة بقوة في مواجهة ما يمكن اعتباره الوسائل القديمة أو التقليدية في الصحافة، ومن ثم أتت جائحة كوفيد-19 حاملة معها سياسات العزل الاجتماعي وإجراءات لم تكن أبدًا في مصلحة الصحافة الورقية، كقرارات منع التجوال مثلًا، كل ذلك شكل ضربة قاسية لهذا القطاع الصحفي الأصيل.

اقرأ/ي أيضًا: ما هي أكثر مواقع إلكترونية زارها متصفحو الإنترنت عالميًا في 2020؟

لجان الأوبئة العالمية اعتبرت أن الفيروس ينتقل عبر اللمس ونشرت دراسات عديدة حول أن الفيروس يعيش على الأسطح مما شكل حالة من الخوف لدى القراء من لمس وشراء الصحف الورقية، خاصة وأنها منتج يتم تناقله عبر سلسلة طويلة من المراحل والأشخاص ليصل في نهاية المطاف إلى يد القارئ. تمامًا كما سرت الأخبار حول أهمية ارتداء القفازات وعدم لمس العملات الورقية التي ربما تنقل العدوى. كل ذلك خلق حالة من القلق لدى الجمهور وباتت الاحتياطات الكبيرة تمثل تهديدًا مباشرًا للصحيفة الورقية.

طباعة أقل في وقت الجائحة والعصر الرقمي 

حتى من قبل الإجراءات الوقائية المتعلقة بفيروس كورونا فإن التعثر المالي ونقص السيولة وانخفاض المداخيل كانت لفترات طويلة من أحد أهم الأسباب في إيقاف كثير من المؤسسات الصحف الورقية خاصتها عن الصدور، وفي ظل جائحة كورونا، فقد تراجعت الإعلانات في الصحف الورقية بنسب تصل حدود الـ60%، فيما تراجعت المبيعات والتوزيع بنسبة 50%.

استطاعت العديد من المؤسسات الصحفية التكيف مع الأوضاع الاستثنائية والصادمة والسريعة التي فرضها كوفيد-19، لكن مؤسسات أخرى لم تملك الإمكانيات اللازمة للمواجهة، فكان مصيرها التوقف عن العمل أو الإغلاق وتسريح عمالها وموظفيها أو تخفيض أعدادهم وتخفيض رواتبهم في ظل الضائقة المالية.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، أصابت الأزمة الحالية الصحف المحلية الصغيرة التي تنقل أخبار المقاطعات والولايات، وكثير منها صحف عائلية نشأت منذ عشرات السنوات، إلا أن الأزمة دفعت بعض هذه الصحف إلى الاندماج أو التوقف عن نشر المحتوى وبيع الأصول.

عانت الصحف الورقية من التعثر المالي ونقص السيولة وانخفاض المداخيل لفترات طويلة خلال السنوات الأخيرة، ما تسبب في إيقاف كثير من المؤسسات المطبوعات خاصتها عن الصدور

ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة الفاينانشيال تايمز "الورقية" فإن 38 ألف موظف على الأقل قد تم تسريحهم من المؤسسات الصحفية في الولايات الأمريكية منذ بداية انتشار كوفيد-19. وأما رجل الأعمال وارين بافيت المالك لمجموعة من المؤسسات الصحفية العريقة فقال "أحب الصحيفة الورقية ولكن العالم آخذ في التغير ولن تستطيع الصحيفة الورقية النجاح ماليًا". ويذكر بأن وارين بافيت قد باع مجموعة من الصحف المحلية بقيمة 140 مليون دولار للناشر "لي أنتربرايزس".

اقرأ/ي أيضًا: "الأخبار الكاذبة" عن كوفيد - 19 من أكبر معارك الصحافة في 2020

كما يبرز تصاعد الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي كأحد العوامل التي أدت إلى تراجع مبيعات الصحف الورقية في العالم عامة. ومن بين الأمثلة على المهن المتضررة من هذه التحولات، تحضر مهنة بائع الجرائد المتنقل أو أصحاب "الكشك" الصغيرة الذين يبيعون المجلات والجرائد والمطبوعات بكافة أنواعها وأشكالها، هؤلاء لم يستطيعوا مقاومة التحولات في عالم كوفيد-19، إضافة لتأثرهم باجتياح موجة التكنولوجيا والتحول الرقمي العالم بأسره والتغيرات التي طرأت على السلوك الإنساني المتعلق بالصحف والمطبوعات.

بدائل لا تنقذ الورق

ليبدو أنه حتى تبقى المؤسسات الصحفية الورقية حاضرة في السوق، فيجب أن تتبع استراتيجيات جديدة وشاملة تخولها أن تكون فعالة ضمن السوق بكافة وجوهه وأشكاله وتقديم خدمات متنوعة للجمهور تدمج بين الإلكتروني والورقي مع مروحة واسعة من المواضيع المتنوعة التي تستهدف كافة الشرائح الاجتماعية. وبذلك تكون النسخة الورقية أحد أذرع المؤسسات الصحفية وليست خيارها الأوحد. فقد سعت العديد من المؤسسات إلى استحداث خدمات بديلة منها تطوير العمل الإلكتروني وإنشاء إذاعة ومركز تدريب واستديوهات للبث المباشر وتفعيل الخدمات الهاتفية لجمهور القراء وتفعيل الاشتراكات الخاصة أو بعض المواد الخاصة المميزة والمدفوعة. كل هذا من باب محاولة تجاوز أزمة الصحافة الورقية. 

على سبيل المثال، في عام 2016 قررت صحيفة الإندبندنت البريطانية الانتقال إلى الإعلام الرقمي في ظل انحدار نسبة المبيعات تدريجيًا، وكان خيار ناشريها حينها التركيز على النسخة الإلكترونية مما يبدو اليوم وكأنه حالة من استشراف تحديات المستقبل، خاصة وأن الصحيفة الورقية خسرت على مدار 15 عامًا ما نسبته 70% من إعلاناتها.

وأما صحيفة "ذا دايلي هيرالد" البريطانية فقد تقلص حجمها وأصبح ورقها أرق وعدد صفحاتها أقل، إذ توقفت الإعلانات وانخفضت أرباح الجريدة 30% في نيسان/أبريل 2020 في ظل إغلاق البلاد والمؤسسات وتوقف الحركة الاقتصادية في البلاد. وقد وجه ناشر الجريدة "جوش أوكونور" رسالة إلى جمهور القراء يقول فيها "الظروف الكارثية اضطرت الصحيفة إلى إيقاف صفحات الرياضة والمنوعات، وهذا الوقت نحن بأمس الحاجة إلى دعمكم، إما من خلال الاشتراك أو التبرع من أجل الاستمرار بتمويل الصحافة الأخلاقية في مجتمعنا". فكيف يمكن التطلع لمستقبل وجود الجرائد بعد عام 2020؟ 

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا يعني اختيار مجلة تايم لشخصية العام؟

مغردون مغربيون وعرب يردون على التطبيع ومحاولات تبريره