22-مايو-2016

حسن بليبل/لبنان

سيخرج السيد أوباما مع أول ثلاثاء من شهر تشرين الثاني/نوفمبر القادم إلى جنة الحياة العادية، وسيسجل له التاريخ أنه قدّم خدمة جليلة للأمن القومي الأمريكي، يدركها حتى خصومه الجمهوريون وتمنعهم الدواعي الانتخابية من الإقرار له بها، هي عمله على إطالة عمر الأزمة السورية، حتى باتت تقترب من سنتها السادسة، من خلال لعب دور شبه الحياد والحيلولة دون تسليح المعارضة المعتدلة والليونة مع الروس وإيران بما يشبه تواطؤًا مدروسًا.

ما يحدث في الفرن السوري استنزف خصوم أمريكا دفعةً واحدةً في بقعة واحدة

وجه هذه الخدمة أن ما يحدث في الفرن السوري استنزف خصوم أمريكا دفعة واحدة في بقعة واحدة، وهم النظام الأسدي وحزب الله والقاعدة وداعش وجبهة النصرة وإيران وروسيا نفسهما، من غير أن تخسر الإدارة الأمريكية ما كانت ستخسره إن هي واجهت كل طرف من هذه الأطراف بمفرده، ومن غير أن تعطي انطباعًا بأنها متقاعسة عن لعب الدور الذي يجب أن تلعبه في الملف.

اقرأ/ي أيضًا: اليمن.. خمس سنوات في الطريق إلى الصوملة

أدرك محيط الرئيس أوباما منذ هبّة درعا عام 2011 أن عمر الأزمة لن يطول إلا ببقاء بشار الأسد، فتساهلت خارجيته في المطالبة برحيله حتى أنها كانت في مفاصلَ معينة أقربَ إلى مقاربة الخارجية الروسية منها إلى مقاربة الخارجيات الخليجية والتركية والأوروبية، وإن قراءة سيميائية بسيطة في المؤتمرات الصحفية المشتركة بين السيدين كيري ولافروف تؤدي بنا إلى المعطى. 

في المقابل، أدركت المملكة العربية السعودية هذا المعطى، فانتفضت لأول مرة في وجه حليفها التاريخي، مدفوعة بإحساسها بخيانته والعمل على الاعتماد على نفسها، بغض النظر عن كونها أصابت أو أخطأت، نجحت أو فشلت في ذلك، وهي الانتفاضة التي دفعت بالمخابر الأمريكية إلى التلويح بورقتين لم نكن نتوقع أنها ستلوح بهما، على الأقل في الأفق المنظور، هما ورقة الودائع المالية السعودية لديها وورقة تغذية الإرهاب في العالم، بما فيها ما حدث في أيلول/سبتمبر داخل أمريكا نفسها.

مرور قرن كامل على "سايكس-بيكو" سبب لأن يجلس العرب بمواجهة جملة من الأسئلة المريرة

سياق الحديث لا يتوجه إلى لوم الإدارة الأمريكية الحالية، أو التي ستخلفها حتى وإن كانت ذاتَ طابع جمهوري ترامبويّ، على هذه السياسة المنسجمة مع النزعة البراغماتية التي شكلت تاريخيًا الرؤية الأمريكية اقتصاديًا وأمنيًا وسياسيًا في العالم، وكذلك الشأن بالنسبة لإيران والصين وروسيا وتركيا والفضاء الأوروبي، فمن حق الجميع العمل بمبدأ أشعب "المهم ألا تصاب ملعقتي في الصحن وألا تعود خاوية في الوقت نفسه"، ولكن يتوجه بالسؤال إلى الفضاء العربي نفسه: ماذا بعد؟

إن مرور قرن كامل على اتفاقية السيدين سايكس وبيكو، بكل ما ترتب عنها من خرائط وانخراطات، داع كاف جدًّا لأن يجلس العرب مع العرب قصد مواجهة جملة من الأسئلة المريرة والإجابة عنها بكل شجاعة، قبل أن يواجهوا مصائرَ لا تقل مرارة عن تلك الأسئلة، ذلك أن هناك معطى خطيرًا بدأ يلوح في الأفق، هو أن الأطراف التي كانت زاهدة في المنطقة حين وُقّع اتفاق 1916، فسكتت عنه أو زكته لصالح فرنسا وبريطانيا، بما سمح ببروز الكيان الصهيوني، في ظل تشرذم عربي صارخ، شرعت اليوم في التكشير عن أنيابها لاستعادة حضورها في الشرق الأوسط، في ظل تشرذم عربي شبيه.

اقرأ/ي أيضًا:

الممانعون وتطبيلهم

أشتم إكرامًا للمنطق