18-ديسمبر-2015

سيظل تاريخ 17ديسمبر 2010، عنوان التحرر والحرية والكرامة(فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

خمس سنوات مرت منذ إحراق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه بعد إهانته من طرف إحدى أعوان المراقبة البلدية، حدث عابر تجاهلته وسائل الإعلام الرسمية بينما اهتمت به وكالات الأنباء الأجنبية حينها، ليتحول بعد أيام قليلة إلى وقود لاندلاع مسار ثوري امتد على كل البلاد التونسية. البوعزيزي أحرق جسده وأحرق معه عقودًا من الصمت والخنوع وسنوات من الظلم والإهانة، أشعل النار في نفسه وأشعل شرارة الجحيم في نظام حكم تونس بالحديد والنار، ليخرج الشعب التونسي من صمته وغبنه.

سيظل تاريخ 17 ديسمبر 2010 في تونس، عنوان التحرر والحرية والكرامة للثوار والأحرار، وسيبقى وصمة عار في جبين المتمسحين بعتبات النظام

يومها لم يكن أحد يتصور أن حدثًا مثل هذا، وهو الذي يحصل يوميًا في الدول العربية، قد يغير من التاريخ العربي المعاصر ويسقط مقولات أن الشعب العربي شعب نائم لا يثور ولا يتقدم، حدث قلب موازين القوى لصالح الشعوب المقهورة والمفقرة أمام دهشة النظام ومن ورائه أسياده الحاكمين، القوى العظمى.

تحولت أزقة مدن الغبار والفقر، قرى التهميش، إلى ساحات لمواجهات مع قوافل رجال الأمن وكان وابل الرصاص الحل الوحيد المجدي للنظام، لكنه زاد في عزيمة المنتفضين والثائرين ضد القهر والقمع، ولأول مرة تتحول الشعارات من شعارات مطالبة بالتنمية والشغل إلى مطالبة بإسقاط النظام "الشعب يريد إسقاط النظام" وإلى توجيه الاتهام إلى المعنيين مباشرة: "يا ليلى يا حجامة يا سراقة فلوس اليتامى"، "محاكمة شعبية لعصابة الطرابلسية" وغيرها من الشعارات التي أعلنت بداية عصر جديد في التاريخ التونسي والعربي ككل.

نحيي الذكرى الخامسة هذه السنة في ظروف أقل ما يقال عنها أنها مأساوية، بحكومة يقودها تحالف "تجمعي- إخواني"، نداء تونس أو التجمع الجديد وحركة النهضة التي أوجعت رؤوس التونسيين بالتزامها ووفائها لدماء الشهداء وحماية الثورة. نحيي هذه الذكرى ببلاد غارقة في الديون ومرتهنة لشروط الناهبين الدوليين صندوق النقد والبنك العالمي، نحيي هذه الذكرى الخالدة بثروات وطنية منهوبة وجحافل من المعطلين عن العمل ومدن وقرى على هامش التنمية. ذكرى عظيمة نحييها على وقع أصوات الرصاص وصور الدم، بالإرهاب والترهيب، وبجثث أبنائنا المأخوذين غدرًا وظلمًا. ذكرى نحييها بآلاف الشباب في السجون وبقوانين جائرة (قانون52 - قانون 230).

في مقابل ذلك، ترتفع أصوات الساخطين على 17 ديسمبر، اللاعنين للبوعزيزي، النادمين على ما حدث والمتأسفين على عهد حكم بن علي بمساندة إعلامية وبوجوه معروفة لدى التونسيين، لم يتمكنوا من الفرار مع بن علي فتحولوا إلى "مناضلين" ومعبرين عن الرأي العام. هؤلاء أعداء 17 ديسمبر وقتلة شهداء المسار الثوري ومبيضي القتل والقمع.

سيظل تاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010، عنوان التحرر والحرية والكرامة للثوار والأحرار، وسيبقى وصمة عار في جبين المتمسحين بعتبات النظام. وسيظل هذا التاريخ ذكرى خالدة ويومًا مفصليًا في تاريخ تونس والتاريخ العربي المعاصر، كل يوم هو 17 ديسمبر حتى يحقق التونسيون ما ثاروا من أجله و"نعرف أن الطريق طويل وأن حكوماتنا في ركاب العدو"، على حد تعبير الشاعر العراقي المناضل مظفر النواب، ولكننا رغم ذلك سننتصر.

اقرأ/ي أيضًا:

"الأزلام".. للقذارة عنوان

17 ديسمبر.. بين "ارحل" و"تصالح"