05-نوفمبر-2015

الإذلال متعمد ومقصود (محمد عابد/أ.ف.ب/Getty)

قبل عشرين يومًا، تُخبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر ذوي أسرى قطاع غزة، بموعد زيارتهم للسجون الإسرائيلية. وفي اليوم المحدد على الأهالي الاستعداد ليوم شاق يبدأ في الرابعة فجرًا وينتهي في الثامنة مساءً، ذلك لقطع مسافة مائة وخمسة وستين كيلو مترًا تقريبًا، هي المسافة بين شمال قطاع غزة والنقب المحتل.

خرجت النساء تبكين بحرقة من سجون الاحتلال بعد الزيارة وتعرض الجميع للقمع والضرب

يستغرق أهالي الأسري أكثر من ست عشرة ساعة، بهدف قضاء ساعة واحدة مع أبنائهم، لكن في هذه الرحلة لا يكف الاحتلال عن استخدام كل شيء مذل، بهدف إنهاك أهالي الأسرى. لقد دفع هذا الحال بعض الأسرى لاسترحام أهاليهم والطلب منهم عدم الزيارة، إشفاقًا عليهم من المعاناة ومن إذلال الاحتلال الذي قد يصدمهم أيضًا بتأجيل الزيارة.

قبل الفجر تخرج والدة الأسير محمد الأغا -اثنان وخمسون عامًا- وزوجها من خان يونس متجهين إلى "الدوار".على هذه الأم التي تتمنى حمل "كل ما لذ وطاب" لابنها أن تكتفي بأخذ قطعة من الخبز وزجاجة ماء صغيرة، زادًا لها خلال ست عشرة ساعة ستقضيها في رحلة الزيارة. تقول أم الأسير محمد الذي قضى تسع سنوات من أصل ستة عشر عامًا حكم بها: "ندخل بحراسة شديدة، يعامل الرجال والنساء والأطفال كمعتقلين، فنحن جلسنا في حر شديد دون أي تحرك، جلسنا على كراسٍ من حديد، في جو صحراء النقب، في هذا المكان لا يوجد ماء، ولا أي خدمات".

وتضيف: "عندما نصل لأبنائنا يكون الإرهاق قد أنهكنا، نراهم في قاعة مفصولة بلوح من زجاج سميك، علينا استخدام سماعات سيئة جدًا من أجل التواصل، أكمل حديثي مع ابني بالإشارات"، وتضيف: "أرى ابني وأرتاح لرؤيته، لكني حلمي أن أحضنه وأقبله، أحلم باليوم الذي ألمس فيه وجهه، أشتم رائحته، أنظر في عينيه عن قرب". وتواصل الحديث بألم: "أتمنى أن أكون مكان ذاك الطفل الذي سمح الاحتلال بدخوله لوالده في العشر دقائق الأخيرة، أسمع صراخهم وخوفهم من الجنود المدججين بالسلاح، لكني أحسدهم لأنهم يلمسون آباءهم دوننا".

تقول أم محمد: "كانت زيارة أمس مؤلمة للغاية، خرجت النساء تبكي بحرقة على حال أبنائهن، تعرض الجميع للقمع والضرب، حرموا حتى من الأكل والملابس، بعض الأمهات صعقن بما رأين، من أجساد نحيلة، ووجوه شاحبة من كثرة التعذيب".

إجراءات مرهقة

في عام 2002، اعتقل طالب الهندسة رامي أبو مصطفي – ثلاثة وثلاثون عامًا- على حاجز عسكري إسرائيلي في قطاع غزة، وحكم عليه الاحتلال بالسجن عشرين عامًا، وذلك على خلفية انتمائه لحركة المقاومة الإسلامية "حماس".

بعد سنوات من اعتقاله لم يسمح الاحتلال إلا لأمه بالزيارة، فكل بضعة شهور على أمه البالغة من العمر سبعة وستين عامًا أن تذهب وحدها لزيارته، لأن أباه ممنوع من الزيارة بحجة أمنية.

 تقول أم رامي: "تفتيش مذل، إجراءات مرهقة جدا ومقصودة، نمر من "حلبات" ضيقة، على كل مشكوك في أمره أن ينتظر ساعات حتى يخضع لشتى أنواع التفتيش". وتتابع القول: "صادفت الزيادة الأخيرة لنا موجة الحر الشديد، كان الأمر مرهق للغاية، على بوابة سجن نفحة على الجميع الانتظار لما يقارب الساعة، ثم يسمح الاحتلال للباصات بالدخول وإنزال الأهالي في ساحة كبيرة ننتظر فيها أكثر من ثلاث ساعات أخرى".

يرفض الاحتلال ارتداء الأسرى  لبعض الألوان كاللون الأخضر الجيشي والكحلي

وتوضح أم رامي: "يومنا شاق، لكنه ينتهي، وتبقي أيام أبنائنا داخل السجون هي المأساة الأكبر". لا تكل الأمهات، لا يستسلمن لعدم امتلاكهن شيئا للمساعدة، يحاولن في اليوم الثاني من الزيارة فعل أي شيء لإيصال صوت الأسرى، للحديث عما باح به الأبناء من معاناة وألم وانتهاكات، يذهبن للاعتصام أمام الصليب الأحمر، غير آبهات بالنتيجة. تقول أم رامي: "سأقدم شكوى للصليب حتى يتم إدخال بعض الملابس لابني، سأكون حذرة في اختيار الألوان، فالاحتلال يرفض بعض الألوان كاللون الأخضر الجيشي والكحلي".

إذلال متعمد

معاناة كبيرة جراء ما تمارسه قوات الاحتلال من إجراءات تعسفية، يمر أهالي الأسري بحواجز عسكرية كثيرة، ويخضعون خلالها للانتظار الطويل والمضايقات التي تتزامن مع كل إجراء للدخول، بحيث تتحول الزيارة إلى معاناة حقيقية تضغط على الأسير وأهله، من أجل ذلك اضطر بعض الأسرى على مضض لرجاء أهلهم بعدم الزيارة، وذلك إشفاقًا عليهم من المعاناة كما يقول لنا إيهاب بدير، مسؤول جمعية "واعد" للأسرى والمحررين.

اقرأ/ي أيضًا: التسلل من غزة إلى إسرائيل.. ملف متفجر

"إدارة السجون تتبع سياسة التفتيش المذل قبل وبعد الزيارة، وتجبرهم على خلع ملابسهم، وعلى معبر بيت حانون أو في غرفة الزيارات في سجون الاحتلال. يخضع أهالي الأسرى لإجراءات لا تطاق. ينتظر الناس وغالبيتهم أطفال ونساء لساعات طويلة تحت حرارة الشمس، كل ذلك، يأتي كنوع من الإهانة المتعمدة من قبل السجان".

اقرأ/ي أيضًا: انتفاضات الفلسطينيين بين الوعي الفطري والتاريخي