27-فبراير-2019

تصل أرباح تجارة العبودية الحديثة سنويًا إلى 150 مليار دولار! (Istock)

تتطور التكنولوجيا فتتطور الجرائم الإنسانية، لكن يتحول المجرمون إلى أشباحٍ في الظلام، قد تعجز عدالة القوانين عن اللحاق بهم. ولعل أبرز تجليات هذه المعركة، الصراع الدائر بين العبودية الحديثة التي يلعب الإنترنت دورًا أساسيًا في إدارتها. 

مع تطور التكنولوجيا، تتطور أساليب ممارسة الجرائم، وعلى رأسها جرائم العبودية الحديثة، الأكثر استفادة من التكنولوجيا الحديثة

وفي مقابل التكنولوجيا المضادة، التي تحاول من خلال تطوير نفسها و تنسيق جهودها، أن تطارد أشباح الظلام الذين يستغلون البشر في ظاهرة الرق الحديث. 

اقرأ/ي أيضًا: "الدول المتقدمة".. مرتعٌ للعبودية الحديثة والاستغلال الجنسي!

كيف تطور التكنولوجيا نفسها لمطاردة ظل المجرم؟

تتذكر دورين بويد -مديرة برنامج البيانات في مختبر الحقوق بجامعة نوتنغهام البريطانية- المرة الأولى التي استطاعت فيها التقاط شكل من أشكال العبودية من الفضاء، بواسطة قمر اصطناعي، صوَر في ولاية راجستان بالهند عام 2017، مسارًا بيضاويًا، يشبه طريقًا للمدارس الثانوية العمومية بالولاية، لكنه لم يكن كذلك.

لم يكن المسار إلا محيط مبنى أحد عشرات آلاف أفران الطوب التي تدار غالبًا بطريقة السخرة. وحينئذ أدركت بويد أن مثل هذه الصورة يمكن أن تساعدها في حصر الأفران الشبيهة، ما يسمح للمنظمات على الأرض باستهداف أصحاب الرقيق في المواقع. وعن هذا تقول: "لا يمكنك أن ترى العبودية بصورة مباشرة. لكن يمكنك استنتاجها".

تقول مجلة ساينس الأمريكية، إنه في عام 2015، قامت شركة "Digital Globe"، التي توفر الأقمار الصناعية لرصد الأرض، وبمساعدة الملايين من البيانات التي يوفرها تطبيق "Google Earth"، تم التقاط صور أكثر وضوحًا لبحثيرة فولتا بغانا، إذ كانت هناك شكوك في الأطفال مُجبرون على العمل في الصيد.

العبودية الحديثة
تستخدم السُخرة في أعمال عشرات آلاف أفران الطوب في الهند (رويترز)

وهناك شركة أخرى تدعى بلانيت، تملك حوالي 150 قمرًا صناعيًا صغيرًا، تلتقط صورًا للكتلة الأرضية بأكملها. والصور ذات درجة دقة أقل من صور أقمار "DigitalGlobe"، لكن ترددها يفتح فرصًا لتحديد النشاطات في أماكن متعددة بمرور الوقت.

وكانت لهذه الجهود بعض الثمار، منها على سبيل المثال أنه يمكنك مشاهدة صور لمحصول قطن في دولة مثل تركمانستان،  وبناءً على مدى سرعة اختفاء القطن، يمكنك معرفة ما إذا كانت الآلات أوالأيدي هي من قامت بالتقاطه. 

وفي منطقة ساندربانز، وهي منطقة تنقسم بين الهند وبنغلاديش، تستخدم مزارع الروبيان، ومستودعات تجهيز الأسماك، عمالًا تستخدمهم بطريقة أقرب للسخرة، لتطهير أشجار المانغروف، وهذه أيضًا عملية يمكن التقاطها بالأقمار الصناعية.

ومن جانب آخر، تُسخّر اللوغاريتمات تكنولوجيا تصيد أعمال العبودية الحديثة عبر الإنترنت، من خلال مدفوعات العملات الرقمية مثل بيتكوين، والتي تستخدم بشكل رئيسي في هذه الأعمال.

مطاردات ولكن..!

تضطلع أكبر وكالات إنفاذ القانون في العالم، مثل اليوروبول والإنتربول، بتكثيف عملياتها ضد تجار الرقيق حول العالم. وبالنسبة لليوروبول، فقد شهد ارتفاعًا بما يقرب 14% في الحالات المسجلة لديه لأعمال العبودية الحديثة وتجارة القيق في عام 2017، في مقابل 50 عملية من قبل الجهاز لإجهاض هذه الجرائم.

أما بالنسبة للإنتربول، فقد أنقذ ما يقرب 850 شخصًا، من براثن عبودية محتملة. وداهم خلال العام الماضي، ما لا يقل عن 60 متجرًا محتملًا لهذه الأعمال، في غرب أفريقيا وفي أمريكا الوسطى.

ومع ذلك فإن المتاجرين بالبشر يكونون في الغالب متقدمين على الشرطة وأجهزة إنفاذ القانون التي غالبًا ما تفتقر إلى الخبرة التكنولوجية. كما أنه من معرقلات عمليات التتبع والمداهمة، محدودية التعاون الدولي، وفقًا لتحقيق نشرته وكالة رويترز.

البنوك أيضًا تفضح أنشطة العبودية الحديثة

تتحدث التقارير الإخبارية عن وجود 40 مليون ضحية للرق حول العالم، حيث العبودية تجارة مربحة، تتم من خلال تحفيز الناس على العمل بوظائف وهمية، وكثير من هذه الحالات تنشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كما تستخدم هذه المواقع في التصيد الجنسي للضحايا.

العبودية الحديثة
الجزء الأكبر من أعمال تجارة الاستغلال الجنسي قائم عبر استهداف الضحايا من خلال الإنترنت (BBC)

وهكذا تستخدم التكنولوجيا الحديثة لتدعيم تجارة غير شرعية أو إنسانية تدر أرباحًا سنوية تصل إلى 150 مليار دولار، تُدعّمها شبكات فساد متشعبة عالميًا. حتى أن سعر المستعبد حديثًا قد يصل إلى 90 دولار الآن، في حين كان السعر منذ 200 عام يصل إلى 40 ألف دولار، بحسب ما أورده باحثون لرويترز.

لكن كيف يمكن للبنوك على سبيل المثال، كشريك يومي في النشاطات الإنسانية على اختلاف أشكالها، أن تكون مصدرًا لتتبع المتاجرين في الرقيق حول العالم؟

يحدث شكل من أشكال التعاون بين أجهزة إنفاذ القانون والجمعيات الدولية المعنية بالأمر، إلى جانب محللي التكنولوجيا والبيانات؛ لاستخدام الشبكات المتنوعة لتحديد وتتبع المتاجرين.

وهناك أوجه تشابه بين العملاء المريبين، حيث تنشط حساباتهم المالية ليلًا على وجه الخصوص. وتبحث البنوك عن مثل هذه الأنماط المتشابهة بين العاملين في تجارة الرقيق.

تستخدم البنوك خوارزميات الذكاء الاصطناعي للنظر إلى ما وراء المعاملات البنكية، وفحص كيفية دخول المشتبه بهم إلى حساباتهم، والبصمة الرقمية لأجهزتهم، وغيرها من العلامات التي قد تكون أقل وضوحًا، لكنها تظل العلامات التي تدل على المشتبه بهم.

لكن، وفقًا لإحصائيات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإن أقل من 1% من الأموال المتداولة في مختلف أنواع الجرائم العابرة للحدود، مما يقدر بـ1.5 تريليون دولار أمريكي، يمكن ترصده وتجميده.

الجهة الأخرى.. كيف تساعد التكنولوجيا تجارة الرقيق؟

وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، فقد تم رصد حوالي 600 من طرق تجارة العبيد عالميًا، بزيادة تقارب الربع بين عامي 2007 و2014. ومع ذلك فإن المتاجرين في الرقيق، باتت لديهم الكثير من الأدوات الرقمية، غير الخاضعة للرقابة أو الرصد، والتي يستخدمونها في استهداف ضحاياهم.

يقدم رادو كوكس، المسؤول في منظمة الأمن والتعاون الأوروبية (OSCE)، مثالًا على تطور التكنولوجيا للمتاجرين في الرقيق، بقوله: "خذوا جمهورية مولدوفا، على سبيل المثال؛ في الماضي كان بإمكانكم زيارة أي قرية أو بلدة، وتحديد الوسطاء ومعرفة ما كان يحدث. أما الآن فلا يمكنكم فعل ذلك، لأن كل شيء مخفي عبر الإنترنت".

البنوك
1% فقط من أموال الجرائم المتداولة في البنوك يمكن رصدها وتجميدها (Getty)

وفي كل يوم ترسل مئات الملايين من الرسائل والمكالمات عبر التطبيقات ومواقع الويب، لتحديد المكان المثالي للاختطاف من قبل المتاجرين. وحبسب بعض المنظمات الدولية، فإن التكنولوجيا تساعد المجرمين على تجنب اكتشافهم، حيث يمكنهم رسم وتنفيذ أعمالهم من خلال منازلهم، عبر الإنترنت.

وفي الفلبين على سبيل المثال، يموه التجار الشرطة ويعرقلونها من خلال تشفير طرق الدفع، والتواصل فيما بينهم عبر شبكات بث مشفرة يصعب تتبعها.

وإن كانت مواقع التواصل الاجتماعي الكبرى، معنية بالوقوف في وجه أعمال تجارة الرقيق، فإن للتجار وسائلهم الأخرى عبر مواقع محلية في بلدان الضحايا أو الزبائن المحتملين.

ومع وقوع مزيد من الناس في جميع أنحاء العالم ضحايا للكوارث الطبيعية والحروب و الجشع وانعدام المساواة، يظل كثيرون هدفًا محتملًا وسائغًا لعاصابات الاتجار في البشر حول العالم، خاصة في ظل وجود بلدان لا تقدم ما يكفي لرصد هذه الأنشطة، خاصة سيبرانيًا.

تُستخدم التكنولوجيا الحديثة لتدعيم تجارة الرقيق التي تدر أرباحًا سنوية تصل إلى 150 مليار دولار، وتُدعّمها شبكات فساد متشعبة عالميًا

وفي ظل أيضًا وجود شبكات واسعة من المستفيدين من هذه التجارة على كافة المستويات حول العالم، تبقى هذه الجرائم مستمرة، وربما في تطور مستفيد من تطور التكنولوجيا، وفي المقابل تظل جهود الشخصيات والمنظمات المعنية، أقل من مجابهة هذه الجريمة/التجارة المتوسعة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

العبودية الحديثة.. تجدد الدماء في عروق أسواق النخاسة الإماراتية

بعد فضيحة ليبيا.. 6 دول أخرى تستشري فيها العبودية!