20-فبراير-2018

11 سيجارة وأفكار عن جمهورية الخوف (Getty)

السيجارة الأولى

يكاد الصداع يفجر رأسي، ولاطاقة لي في شيء يُشرب أو يؤكل. أشعل السيجارة الأولى منذ خمسة أشهر.

لكل شخص الحق في التمتع بحرية الرأي والتعبير دون مضايقة، وفي تبني الأفكار ونقلها للآخرين بأي وسيلة دون حدود

تنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أنّه: "لكل شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود".

اقرأ/ي أيضًا: كيف تصبح اتفاقيات حقوق الإنسان ستارًا للانتهاكات؟

في الليل، أغني للصغيرة كي تنام، وكلما رنت صافرة البوابات، توقف الغناء، حتى أتبين صوت الآتي. لم أكن أكترث من قبل أبدًا.

السيجارة الثانية

أقف على الضفة الثانية من الرصيف، بيدي ابنتي والليل يسدل ستائره على الطريق فلا يتبين العابر شيئًا دون مصابيح السيارات. وعلى الجانب الآخر كلب أسود مسكين يريد العبور، رآني فانتصبت أذناه ظانًا أني سأساعده، فتذكرت صبي البقّال والجرح في يده، "كان كلبًا مسعورًا أسود"، فخفت على ابنتي، وخيبت ظنه. وخزني ضميري لعدة دقائق قبل أن أركب مواصلة وأمضي.

في جمهورية الخوف الكبيرة، الكل محاصر. على القناة الرسمية الوطنية، ثلاث أيقونات في زوايا الشاشة، أحاول أن أتذكر من يا تُرى قال ذات مرة أننا نصنع الأيقونات لأكثر ما نفتقده؟ لا يهم من قال على أية حال.

كانت الأيقونات الثلاث عن عملية سيناء الشاملة التي ستنظف سيناء من الإرهاب، وأخرى كانت عن العُرس الانتخابي المنتظر.. أنعم وأكرم.

لا تغيب عن بالي صورة المرأة العجوز البدوية السيناوية، التي تشكو إلى الله ترحيلها من بيتها: "هذا بيتي وبيت أجدادي وأمي وأبي".

السيجارة الثالثة والرابعة.. وحتى العاشرة

السماء حبلى بالغيوم، و الحمامات تتقافز بين الأشجار بدأب. أتجنب الأخبار، لكن الأخبار لا تتجنبني، وتحاصرني أجواء اعتقالات أيلول/سبتمبر 1981، هي حملة اعتقالات نفذها "الرئيس المؤمن" أنور السادات كما كان يحب أن يُطلق عليه. 

وكان الغرض من الحملة إخراس الأصوات المعارضة لاتفاقية كامب ديفيد، حينها اعتقلت السلطات أكثر من 1500 شخص، كثيرون منهم شخصيات عامة ما بين سياسيين ومفكرين وكتاب وصحفيين. تلك الاعتقالات وصفها النبوي إسماعيل وزير الداخلية الأسبق، في حوار مع صحيفة المصري اليوم عام 2006، بأنها كانت "خالصة لوجه الله ولتحرير سيناء". يتبادر إلى ذهني إحدى المشاهد في رواية عبد الجبار ناصر قاتمة السوداء "غرباء مثل الحسين": "لأن مداهمة المنازل تتم تحت عباءة الليل، وكذلك حملات التفتيش والاعتقالات، لا خوفًا من أحد، فثوراتنا الخالدة المجيدة تتحدى الإمبريالية والاستكبار والرجعية، ولا تستر على ظلم، لأن هذه الثورات يقودها حتمًا زعماء معصومون، مؤمنون، اختارتهم العناية الإلهية لإدارة دفة سفينة الأمة إلى شاطئ الأمان والكرامة".

السيجارة الـ11 والأخيرة

"مشروع تنظيم حرية الصحافة" الجديد، تبلع ريقك عدة مرات وأنت تقرأ بنوده. تنظر إلى السقف فتتخيل حبلًا ممدًا ينتظر رقاب الخلق، من مواده الآتي:

تذكرنا الأخبار المتداولة في مصر الآن بأجواء اعتقالات أيلول/سبتمبر 1981 التي شملت ما لا يقل عن 1500 معارض لاتفاقية كامب ديفيد

  • يجوز استثناء فرض رقابة محددة على الصحف ووسائل الإعلام في زمن الحرب، أو في حالة التعبئة العامة، وفي هذه الحالة للنيابة العامة أن تأمر بناءً على طلب الجهة الإدارية المختصة، بالتحفظ على نسخ الصحيفة الورقية أو حذف المادة المخالفة لتعليمات الرقابة، في حالة نشرها في صحيفة إلكترونية.
  • يجوز للمجلس الأعلى للحفاظ على الأمن القومي، أن يمنع مطبوعات أو صحف أو مواد إعلامية صدرت، أو جرى بثها من الخارج، من الدخول إلى مصر أو التداول أو العرض.
  • للصحفي أو الإعلامي حق نشر المعلومات والبيانات والأخبار التي لا يحظر القانون إفشاؤها.

كان الوقت ليلًا، لكن أحدهم أطلق ما يشبه رصاصة في الهواء، أو ألعابًا نارية، ابتهاجًا بعريس جديد جاء مع عروسه. خرجت دون وعي إلى النافذة الكبيرة، ورميت سيجارتي الأخيرة. وأطلقت زغروده، ثم بكيت.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حرية التعبير في مصر.. خطوات نحو تشريع الانتهاكات وتقنين القمع!

الحبس الاحتياطي في مصر.. مئات المعتقلين على ذمة تجاوز القانون ومزاج القضاء