21-يناير-2018

لعبت النقابات اللبنانية دورًا هامًا في كافة الأحداث السياسية والأمنية التي شهدتها البلاد (الجمهورية)

للحركات العمالية والفلاحية في لبنان تاريخ طويل، فقد شهدت فترة أواسط القرن التاسع عشر ثورات فلاحية متعددة بوجه الإقطاع، حيث استطاع الثائرون الحصول على جزء مهم من حقوقهم. وعرف مطلع القرن العشرين بداية العمل النقابي الرسمي، من خلال تأسيس "نقابة عمال ومستخدمي سكة الحديد" عام 1912. أي قبل ثماني سنوات من إعلان دولة لبنان الكبير.

على الدوام، لعبت النقابات اللبنانية دورًا هامًا في كافة الأحداث السياسية والأمنية التي عرفتها البلاد على مدار نحو 100 عام

لعبت النقابات في لبنان على الدوام دورًا هامًا في كافة الأحداث السياسية والأمنية التي شهدتها البلاد، إبان وبعد الانتداب الفرنسي، وقبل الحرب الأهلية وخلالها. أمّا اليوم، فقد تحوّل العمل النقابي لشيء آخر يناسب أكثر نظام المحاصصة الطائفية! 

اقرأ/ي أيضًا: لبنان.. المستأجرون القدامى يحاربون قانون تهجيرهم

والنقابة هي تنظيم ينضوي تحته بشكل طوعي عدد من الأفراد العاملين في مهنة محددة، هدفها الأساسي هو التنسيق بين الأجير ورب العمل والدولة. كما تعمل على تأمين حقوق الأجير وحمايته وتنظيم الإضرابات والاعتصامات، وكل التحركات، بهدف تأمين مطالب العمال والتحقّق من حصولهم على كافة حقوقهم والخدمات الاجتماعية المستحَقة.

حقبة ما قبل الحرب الأهلية

شهدت السنوات الـ55 التي فصلت بين إعلان دولة لبنان الكبير، واندلاع الحرب الأهلية، الكثير من نضالات النقابات والنقابيين للمطالبة بتخفيض أسعار بعض السلع تارةً، ولتحسين وتصحيح الأجور تارة أخرى. ولطالما تضامنت نقابة ما مع نقابة أخرى في مطلبها المحق، وقدمت لها كل الدعم.

وكانت أولى الثمار الحقيقية للعمل النقابي، في ستينات القرن الماضي، حين رضخت الحكومة للمطالب الشعبية، فأُقرّ قانون العمل الذي ينظم عقود العمل والعلاقة بين الأُجراء وأرباب العمل. كما أُنشئ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتأسس الاتحاد العمالي العام، الذي ينضوي تحته عدد كبير من النقابات.

وفي عام 1972، وبعد رفض أرباب عملهم تحقيق مطالبهم، أضرب عمال معمل غندور عن العمل، ونظموا وقفات احتجاجية أمام المعمل في الشياح، فطوّقت القوى الأمنية المحتجين، واصطدمت معهم ما أدى إلى مقتل شخصين واعتقال عدد كبير من العمال. وقفت العديد من النقابات إلى جانب عمال غندور، ودُعي إلى تظاهرات داعمة لمطالبهم، ما أحدث بلبلة كبيرة في البلاد.

وفي عام 1973، نظم مزارعو التبغ مظاهرات حاشدة في وجه ما وصفوه إجحاف شركة "الريجي"، التي كانت تحتكر شراء وتوزيع الإنتاج. ولجأت القوى الأمنية إلى القوة المفرطة لقمع الاحتجاجات، فتحركت معظم النقابات تضامنًا مع المزارعين، وشملت الإضرابات قطاعات كثيرة.

ما قبل الحرب الأهلية وخلالها، كانت النقابات اللبنانية فاعلة في تحركاتها. وقد استطاعت انتزاع عديد الحقوق المطلبية رغم ظروف الحرب

يضاف إلى ذلك عشرات التحركات والإضرابات في وجه غلاء المعيشة، والاحتكار وغطرسة أرباب العمل، وغياب الخدمات الاجتماعية من طبابة وتعليم ورعاية شيخوخة وما إلى ذلك.

العمل النقابي خلال الحرب الأهلية اللبنانية

رغم الطابع السياسي والأيديولوجي للعوامل والظروف التي أدت إلى اقتتال اللبنانيين فيما بينهم طيلة 15 سنة، فإن الحديث عن هذه الحرب بدون الإشارة للبعدين الطبقي والاجتماعي، يبقى منقوصًا.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعلمنا من جيل الحرب اللبنانية؟

ولم يتوقف العمل النقابي خلال الحرب، بل إن وتيرته زادت في بعض سنواتها. وكانت ثنائية اليمين واليسار حاضرة طوال الوقت، فنقابة مزارعي التبغ حصلت على ترخيص رسمي في 1979، أما الأساتذة الثانويون فقد نجحوا أخيرًا في تأسيس رابطة لهم عام 1980. ولم تتوقف المظاهرات والإضرابات طوال فترة الحرب التي عرفت تأسيس العديد من النقابات، رغم صعوبة الظروف التي كانت تشل كافة مفاصل الحياة الاقتصادية والخدماتية والمعيشية.

مرحلة ما بعد اتفاق الطائف

وضعت الحرب أوزارها عام 1990. لكن آثارها السلبية معنويًا ونفسيًا، لا تزال تلقي بظلالها حتى اليوم. فقد أحكم النظام السوري قبضته على البلد فيما عرف بعهد الوصاية السورية. وشهدت البلاد انقسامًا طائفيًا حادًا، صاحبه نظام محاصصة طائفية

لم تسلم النقابات ولا العمل النقابي من إرهاصات هذا الانقسام، وتلاشت ثنائية اليمين واليسار، وحلت مكانها الطائفية والمذهبية. وباتت الانتخابات النقابية تُخاض بين الأحزاب والتيارات السياسية. وتحوّل دورها من ساعد وظهير للعمال والأُجراء والمهنيين، إلى قوّة رديفة تساند أحزاب السلطة وتنفذ أجندتها.

والآن، بالكاد نرى تحركات مطلبية نقابية، وغالبًا إذا ما حدثت، تقمعها القوى الحاكمة إما بالحديد والنار أو بالتغلغل في النقابات وتسيير عملها بما يناسب مصلحة السلطة.

بعد اتفاق الطائف تحولت النقابات إلى حلبة صراعات سياسية، وغيب الحراك النقابي لصالح المصلحة السياسية التنافسية

في المحصلة، فإن لبنان، البلد الريادي في عمل النقابات والذي يملك عماله وموظفوه تاريخًا ناصعًا في النضال المطلبي النقابي، يشهد اليوم انحسارًا للعمل النقابي لصالح عمل الأحزاب السياسية، التي لا هم لها سوى الإمساك بمفاصل الحكم مهما كان الثمن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لبنان الضعيف.. لبنان القوي

لبنان.. فضيحة بـ2.8 مليار ليرة مسروقة من "الضمان"