30-مارس-2016

مظاهرات برافر لن يمر (AFP - Ahmad Gharabli)

إن الإحالة الأهم في ذكرى يوم الأرض الأربعين، هي لإنسان الأرض وجماهيرها، وكل ما يواجه وجودهم ونضالهم وعلاقتهم بمحيطهم العربي من تحديات، واليوم مناسبة للتنبه لمستجد ترافق مع انطلاق الثورة السورية ولا تزال مفاعيله ماضية حتى الآن.

موقف الفلسطينين المناوئ للنظام السوري كاشف ومدلل على زيف تستره بالقضية الفلسطينية والمقاومة لتبرير استبداده وقهره لشعبه

منذ اندلاع الثورة السورية وتصاعد التمايز بين موالي نظام الأسد ومعارضيه وجد الفلسطينيون أنفسهم في قلب صراع إعلامي وسجال سياسي طاحن. النظام وموالوه الذين حوّلوا المقاومة والممانعة من موقف وسلوك يجابهان الاحتلال الإسرائيلي والمشروع الصهيوني إلى مجرد اصطفاف سياسي مع محوره، أشعلوا الخصومة والتهجم على كل فلسطيني يناصب النظام العداء وينحاز للشعب السوري. ومردّ ذلك أن موقف الفلسطينين المناوئ له كاشف ومدلل على زيف تستره بالقضية الفلسطينية والمقاومة لتبرير استبداده وقهره لشعبه.

هنا تموضعت الحملات التشبيحية المتواصلة ضد كل فلسطيني، تيار أو حزب أو مثقف انحاز للثورة السورية وناوأ النظام، عبر اتهامات بوطنيته وتشكيك في موقفه من المشروع الصهيوني والنضال ضده.

لم يعد، وفق المنطق التشبيحي، السلوك والموقف من الاحتلال والأسرلة هو المحدد للموقف الوطني، بل الموقف من النظام السوري ومحوره الذي لا يحمل من عدائه لإسرائيل اليوم إلا بقايا الشعار المتهتك بالصفقات المتصالحة مع أي قوة تضمن استمرار استبداده، بما فيها إسرائيل نفسها.

ما نشهده منذ سنوات، وتصلح ذكرى يوم الأرض للتشهير به، هو إساءة متعمدة ومستمرة للجماهير العربية في إسرائيل على قاعدة غير وطنية ولا تأخذ الموقف والعلاقة من المشروع الصهيوني كمحدد لها. وتحاول هذه الحملات المستمرة طمس الماضي النضالي والسياق الموضوعي لمجمل سعي فلسطينيي 48 لتثبيت وجودهم وإذكاء الصدام المستمر مع المشروع الصهيوني ومقولاته وسياسات الأمر الواقع الذي فرصت عليهم طوال عقود.

لم يعد، وفق المنطق التشبيحي، السلوك والموقف من الاحتلال والأسرلة هو المحدد للموقف الوطني، بل الموقف من النظام السوري ومحوره

ينخرط في هذه الجهود التشبيحية كثيرون، يسقطون كل اعتبارات كانت أوضح من عين الشمس في التعاطي مع واقع العرب داخل إسرائيل قبل سنوات قليلة، يتعامون عنها ويتجاوزونها في سلوك يفضح منطقهم الذي لا يجد لنفسه أيديولوجية ولا مبدأ إلا الدفاع عن نظام استبدادي والنظر إلى العالم كله من موقع الدفاع عنه ومصالحه.

من كانت إكراهات المحاور تضعه إلى جانب النظام السوري قبل الثورة بصرف النظر عن موقفه وسلوكه من المشروع الصهيوني ومؤسساته، كان محل ترحيب واحتفاء بوطنيته ومواقفه، وكان يُدلل على الموقف الوطني به، ولكن حين انحاز للشعب السوري مع اندلاع ثورته، تغير الموقف منه تمامًا وباتت وطنيته ومناوأته للمشروع الصهيوني محل تشكيك.

هنا نلحظ مثلا كيف أن النقاش حول مشاركة الأحزاب العربية في الانتخابات الإسرائيلية، يُطرح بشكل مختلف منذ الازمة السورية، فليس هو المقصود في ذاته ولم يكن يثير حفيظة التيارات التشبيحية قبل سنوات، أما اليوم فيستخدم كغطاء، كما كل القضية الفلسطينية، لتحريك التشكيك بوطنية مناوئي الاستبداد وتشويه نضالاتهم الطويلة. بل ويعاد إنتاجه كمحدد وحيد للتعاطي مع مجمل النضال السياسي لفلسطينيي 48، من نعيش اليوم ذكرى نضالهم الطويل وحيدين ضد المشروع الصهيوني خالين من أي سند عربي أو فلسطيني رسمي، ورافضين منذ عقود لتفريغ صراعهم مع الصهيونية من بعده القومي والوطني.

اللافت هنا أن الإسقاط المتعمد لمجمل السجال والنقاش السياسي حول خصوصية فلسطيني 48 وسياقهم، بات يظهر في مداخلات نخب ثقافية وسياسية وأكاديمية فلسطينية في الضفة مثلا أو الشتات، هذه النخب نفسها من تدرك تمام الإدراك ما بلغ النقاش السياسي وأين وصل بشأن فلسطيني 48 خاصة بعد توقيع اتفاقية أوسلو وأي خيارات طرحت ونوقشت على مستويات سياسية وشعبية أيضا، إلا أن الانحناء لموجات التشبيح بات سلوكا مألوفا لكثيرين ممن تخلوا عن مواقفهم النقدية أو طحنتهم المحاور والتيارات، أو وجدوا في التمايزات الراهنة مناخًا مناسبًا لتسلقات انتهازية مع تيار ضد آخر.

تحل الذكرى الأربعين ليوم الأرض، لتؤكد الثابت في وجه التعامي والتشويه، إن استسلاما للأسرلة والتصالح والاندماج في المشروع الصهيوني غير وارد

على الجهة الأخرى، هنالك التغابي والتعامي والاستهداف الاعلامي المستمر لفلسطيني 48 في خطاب الثورة المضادة وإعلام الانقلاب في مصر وغيرها من دول عربية، والتشويه المستمر من مداخل غاية في السخف، مثل تجييش العوام ضد فلسطينيي 48 لأنهم يحملون جوازات سفر أو وثائق إسرائيلية! وإعادة إحياة بروبغندا بيع الأرض والتخلي عن فلسطين والتحول إلى إسرائيليين!

وهذه الحملات على ظاهر سذاجتها، يبدو جليًّا تنسيقها وتكثيفها في كل مرحلة يتخذ فيها فلسطينيون، نخبًا وأحزابًا ومثقفين مواقف مناوئة للاستبداد والقهر في الدول العربية.

تحل الذكرى الأربعين ليوم الأرض، لتؤكد الثابت في وجه التعامي والتشويه، إن استسلاما للأسرلة والتصالح والاندماج في المشروع الصهيوني غير وارد، ولو كان واردًا لكان قبل عقود حين كان فلسطينيو 48 خالين من أي ظهير أو سند إلا أنفسهم. الذكرى اليوم هي للأرض ولمناضلين أفرادًا وجماعات تخلوا عن الشعاراتية السياسية وانتظموا في نضال حقيقي طويل لولاه لما كنا اليوم نجد من يحيي الذكرى الأربعين ليوم الأرض.

اقرأ/ي أيضا:

"التجمّع".. نتنياهو يقود الهجوم

أسبوع لمناهضة الاستعمار الإسرائيلي يغزو العالم