03-سبتمبر-2018

من الفيلم

تقدم المخرجة سؤدد كعدان في فيلمها "يوم أضعت ظلي" قصة أمٍ عزباء تفقد الوقود في منزلها، فتحاول الحصول عليه من إحدى المناطق التي يحاصرها النظام السوري. اللقاء المترجم الآتي أجرته صباح حيدر ونشر في "Le Monde diplomatique".


سيُعرض فيلم رئيسي مستقل بتكلفة منخفضة أخرجته سيدة من دمشق، وجرى تصويره في المنفى في بيروت، لأول مرة في مهرجان البندقية السينمائي في أيلول/سبتمبر. يُعدّ فيلم  "يوم أضعت ظلّي" (The Day I Lost My Shadow)، تأليف وإخراج سؤدد كعدان، هو أول فيلم سوري يقع الاختيار عليه للمشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان الأفلام المشهور عالميًا. وأنتجته شقيقتها أميرة كعدان.

لا تزال أزمة اللاجئين السوريين، الناجمة عن الحرب التي بدأت في عام 2011، مستمرة بلا هوادة. ويعتبر طاقم الفيلم السوري بالكامل انعكاسًا لهذا؛ لقد قدِموا من أماكن عديدة تعد في الوقت الحالي موطنًا للشتات السوري المنفصل جغرافيًا – ألمانيا وفرنسا ومخيمات اللاجئين في لبنان وداخل سوريا – ليكونوا ضمن طاقم فيلم "يوم أضعت ظلي".

تدور أحداث فيلم "يوم أضعت ظلي"، الذي جرى تصويره في عام 2017، والتُقِطت معظم مشاهده على الحدود اللبنانية - السورية، في دمشق في عام 2012. تصف سؤدد كعدان الفيلم على أنه قصة أمٍ عزباء لطفل يبلغ من العمر 8 أعوام، ليست لها علاقة بالسياسة، فقط تحاول تدبير شؤونها، ثم ينفد وقود الطهي ومصدر التدفئة لمنزلها. يتوافر الوقود فقط في منطقة مُحاصرة، وعندما تذهب إلى هناك، تكتشف أن الناس يفقدون ظلالهم في الحرب.

على الرغم من أن سؤدد كصانعة أفلام ترتكز على الأفلام الوثائقية، إلا أن أعمالها الخيالية تلعب بأسلوب رمزي وتتداخل مع الخيال والواقعية. ويتمثل العمل الخيالي السابق لها في "الخبز المحاصر" (Besieged Bread)، وهو فيلم قصير عن امرأة سورية تقوم بتهريب الخبز إلى منطقة مُحاصرة، والتي تعثر على مأوى لها داخل شجرة ورجل يترك الجيش. جرى إنتاج أفلام سؤدد الوثائقية لصالح قناة الجزيرة الوثائقية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) UNICEF، وعُرِضت على المستوى الدولي، مثلما جرى مع فيلمها الوثائقي Obscure في عام 2017، والذي يدور حول طفل سوري لا يريد أن يتذكر كونه سوريًا.

تحدثت سؤدد كعدان إلى النسخة الإنجليزية من صحيفة Le Monde diplomatique من باريس، حيث كانت تُنهي مرحلة ما بعد إنتاج الفيلم في الوقت المناسب استعدادًا للعرض الأول. جرى تحرير هذا الحوار واختصاره بشكل مكثف من أجل الوضوح.


  • ما هو مصدر الإلهام الذي دفعك إلى كتابة هذه القصة؟

كنت في دمشق عام 2011، وبالرغم من أنني صنعت أفلامًا من قبل، عندما اندلعت الحرب، شعرت بأنني عاجزة عن صناعة الأفلام ولم أعد أشعر بأن السينما يمكنها أن تصور الصراع. كنت أحاول أن أرى كيف يمكن للمرء أن يعبر عن المجازر والأهوال، وكيف يمكن للمرء أن يعبر عن هذه الأشياء في السينما. وبعدها، شاهدت صورة لهيروشيما أثرت بي حقًا. كانت عبارة عن صورة التُقِطت بعد إسقاط القنبلة. كانت هناك فقط ظلال على الأرض حيث احترق الناس. شعرت بأن الحرب الأهلية أمرًا مختلفًا، لأن الناس يعيشون هذه الحرب – إِذْ تبقى أنت كشخص على ماهيتك، لكنك تفقد ظلالك.

سؤدد كعدان: لا يمكنني إيقاف الحرب، كما لا يمكنني مشاهدة الناس وهم يموتون في كل يوم

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Border Politics".. جوليان برنسايد يحكي محنة اللاجئين المحزنة

  • كيف يصبح ظلك رمزًا؟

شعرت بأنني لا أستطيع تصوير حقيقة الحرب بشكل واقعي، فقط من خلال صورة رائعة – وذلك من خلال فقدان الظل. لتصوير حرب، إما أن تُظهر رؤوسًا مقطوعة أو صور تعذيب أو مجزرة، وإما أن تُظهر ذلك من خلال رمز للظل، لأن لكل إنسان ظله الخاص.

  • ما الذي دفعكِ إلى اختيار العيش في المنفى في بيروت؟

لم أتمكن من الاستمرار في مشاهدة الجانب الآخر من دمشق الذي تعرض للقصف والحرق. تمكنت من رؤية الحرب، فعلى بُعد 20 دقيقة من منزلي جرى تدمير الحي بالكامل. لا يمكنني إيقاف الحرب، كما لا يمكنني مشاهدة الناس وهم يموتون في كل يوم، كان معظم الناس يرحلون، وزُجّ ببعضهم داخل السجون، فيما اختفى البعض الآخر؛ كنت آخر من غادر من أصدقائي. بدأت بكتابة السيناريو في دمشق، حيث حصلت على أول تمويل إنمائي، لم أكن أرغب في الرحيل حتى انتهيت من أول نسخة جيدة من نص السيناريو.

  • وصلتِ إلى بيروت بعد انتهائك من النص. كيف بدأت في صناعة الفيلم؟

في لبنان، أنشأت أنا وشقيقتي شركة إنتاج، كانت هذه التجربة صعبة للغاية بالنسبة لنا، لأنه عندما تكون هناك حرب وتترك بلدك ومجتمعك، فإنك تفقد أيضًا شبكتك وبنيتك التحتية وصناعتك وكل الأشخاص الذي يؤمنون بموهبتك كصانع للأفلام. كما تفتقد أيضًا مواقع التصوير خاصتك؛ وتفقد مجتمعك بأكمله. ثم تجد نفسك في مدينة جديدة وبلد جديد، وعندما تكون صانع أفلام للمرة الأولى، مَنْ سيعرض نفسه للخطر من أجلك؟ فكان لا بد أن نبدأ من الصفر.

  • ما هي التجارب التي تعرضت لها في التصوير؟

كان لا بد من العثور على المواقع التي تبدو مثل سوريا وتشبهها؛ وهذا هو السبب في تصوير بعض المشاهد في مواقع عديدة. ومع ذلك، جرى تصوير معظم الفيلم على الحدود السورية: خمسة أيام في بيروت، و17 يومًا على الحدود.

  • جاء طاقمك من كل أنحاء الشتات السوري. ويعد ذلك من المزايا القوية المؤثرة في الفيلم. كيف قمت باختيار هذا الطاقم؟

استغرقت عملية اختيار الطاقم وقتًا طويلًا بالفعل لأنني كنت أريد ممثلين سوريين فقط، وكان معظمهم في أماكن متفرقة، كنت أختار عن طريق التواصل عبر "سكايب" مع ممثلين في برلين وفرنسا وسوريا ولبنان. وكانت الممثلة الرئيسة، في فرنسا، قد طلبت اللجوء، وكان الحصول على تأشيرة للعودة إلى بيروت من أجل تصوير فيلم أمرًا صعبًا لأنه بمجرد أن تطلب اللجوء، لا يمكنك العودة. كنا نخاطر بكل شيء لأنها فقط حصلت على التأشيرة قبل يومين من التصوير، وكان أمامنا يوم واحد لإجراء البروفات. لذا، كنا نصور ونجري البروفات في نفس الوقت في موقع التصوير، وكان ذلك يعني الكثير من العمل.

  • هل كان الممثلون الرئيسيون الأربعة يعرفون بعضهم البعض في سوريا؟

نعم، وكان هذا الفيلم أول مرة يتواصلون فيها مجددًا بعد رحيلهم. لقد جمعهم هذا العمل مرة أخرى، لكنهم الآن جاؤوا من بلدان مختلفة.

  • على الأرجح لم يرى العديد منهم سوريا منذ رحيلهم. كان عليهم أن يشاهدوا بلدهم وسط حرب أهلية، من أوطانهم الجديدة.

لقد كان التصوير مليئًا بالعواطف لأن الحرب لا تزال قائمة ولا يزال الألم موجود؛ قالت البطلة إنها شعرت بأنها أكبر سنًا لأنها اضطُرت إلى تجسيد تجربة الحرب مجددًا، كان العمل مليئًا بالعاطفة والحنين لأن كل واحد منهم أراد أن يخبر القصة لكن لم تسنح له الفرصة حتى ذلك الحين.

  • كيف غيرتهم التجارب التي تعرضوا لها في المنفى؟

تبدى ذلك في تمثيلهم الرائع والصادق.

  • هل اخترتِ شخصيات إضافية من مخيمات اللاجئين؟

قررت الاختيار من المخيمات لأنني بصفتي سورية في لبنان أردت أن أمثل وأبرز مجتمعي في الفيلم. شعرت أنه بإمكاني أن أحاول جعل هذا الفيلم بمثابة تجربة سعيدة وعاطفية للجميع. أعرف كيف يمكن للفن والأفلام أن تلعب دورًا علاجيًا، وكنت بحاجة إلى تلك الشخصيات الإضافية مثلما كانوا في حاجة إليّ. بعد تصوير العديد من المشاهد، بدأوا في البكاء، وسألتهم عن السبب في ذلك، فأجابوا قائلين إنهم فقدوا شخصًا ما وأن المشهد ذكّرهم بتلك اللحظة. كان الطفل الذي ظهر في الفيلم من أحد المخيمات، وكان في وضع سيئ، أردت أن أساعده. أمضينا الكثير من الوقت معًا وفي النهاية قال إنها كانت تجربة جميلة. شاهدت مقدار التغيير الذي ظهر عليه. وفي النهاية، كان واثقًا وسعيدًا، لأنه حصل على الثقة والأمل والسعادة من اشتراكه في الفيلم، حتى إنه حسّن مهاراته الاجتماعية. يتعلق الأمر برمته بكيفية سردك للقصة، ومن المهم أن تسأل عما إذا كان سرد القصة أمرًا مفيدًا أم لا؟ هذه هي خلفيتي كصانعة أفلام وثائقية. أريد أن أشعر أنها يمكنها تغيير الأشياء على المستوى الشخصي، يمكننا أن نتساءل عن الكيفية التي يمكننا من خلالها التأثير على الناس.

سؤدد كعدان: أعرف كيف يمكن للفن والأفلام أن تلعب دورًا علاجيًا، وكنت بحاجة إلى تلك الشخصيات الإضافية مثلما كانوا في حاجة إليّ

 اقرأ/ي أيضًا: حين جسّدت الإضاءة البعد الرابع في فيلم "المومياء"

  • أنتجت شقيقتك الفيلم، وهو أمر غير عادي. فلماذا قررتما القيام بذلك سويًا؟

لقد بدأنا الرحلة سويًا وانتقلنا معًا من سوريا إلى لبنان. أشعر أنني محظوظة لأننا الصراع كان طويلًا من أجل صناعة فيلم في بلد مختلف عن طريق إنتاج مشترك. وحدث ذلك لأن شقيقتي تؤمن كثيرًا بقدراتي، وبهذه القصة، بهذا الأسلوب الذي ينطوي على إنكار الذات.

اقرأ/ي أيضًا:

9 وثائقيات تناولت الحرب السورية

فيلم "أهلًا بكم في هارتمان".. حرب على التنميط