26-يونيو-2018

ماريو فارغاس يوسا

لا يزال الكاتب الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا، الحائز على جائزة نوبل لعام 2010 لا يكل ولا يمل من الكتابة. هو اسم يفرض نفسه على الساحة الأدبية العالمية كلما أعلن صدور كتاب جديد، ورغم تجاوزه الحادية والثمانين لا يزال الجميع يتلهف للمزيد من كتاباته، وربما لا يزال يملك الرغبة في المزيد من السرد، ولهذا يصدر روايته الجديدة "الجيران".

في مقالة في النيويورك تايمز، حلّل مايكل جرينبرغ بعض النقاط التي تجعل من استمرارية يوسا متعة لا مثيل لها، وناقوسًا زجاجيًا لا يكف عن الرنين في وجه الأوضاع السياسية في أمريكا اللاتينية.


يوسا هو العضو الوحيد الباقي من جيل "البوم"، وهي مجموعة من الكتّاب التي ظهرت مطلع ستينات القرن الماضي في أمريكا اللاتينية، وكان أبرزهم، إلى جانب يوسا بالطبع، غابرييل غارسيا ماركيز من كولومبيا، وخوليو كورتاثر من الأرجنتين، وخوسيه دونوسو من تشيلي، وكارلوس فونتيس من المكسيك. وهؤلاء في بعض لحظات الانسجام النادرة قرروا الشروع في مبادرة تهدف إلى استحضار الفكرة البوليفارية التي كانت تدعو لتوحد أمريكا اللاتينية.

ساهمت حركة جيل البووم في إعطاء اللاتينيين إحساسًا بأنهم شعوب لها ثقافتها الأصيلة

ساهمت الحركة في إعطاء اللاتينيين إحساسًا بأنهم ليسوا فقط مجرد كوديلوز وبوليروز (أفكار نمطيّة تعني أنهم شعب إما سادة أو عبيد)، بل هم شعوب لها ثقافتها الأصيلة ذات الطابع الخاص.

اقرأ/ي أيضًا: ماريو فارغاس يوسا: الصوابية السياسية عدوة الحرية

وضع يوسا اسمه كأبرز كتاب جيل الصحوة بالعديد من الروايات التي حملت طابعًا سياسيًا، مثل "حرب نهاية العالم" التي تحكي قصة ثورة تحدث بالبرازيل في نهاية القرن التاسع عشر ويقتل فيها 15 ألف فلاح. وناقش فيها يوسا فكرة خطورة يوتوبيا المتطرفين، وتلك الحكومة التي تخشى تهديدًا لا يوجد من الأصل، فتزيد من أشكال القمع المختلفة في طرح واضح للأزمة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

أما "حفلة التيس" التي أتت متأخرة بعض الشيء فهي رواية عن جمهورية الدومينيكان، تسرد كيف يستطيع الحاكم التحكم بمشاعر تعتبر من أخص خصوصيات المحكوم كالحرية في المتعة، والفرحة، والرغبة، وحتى الحب.

ليوسا أيضا العديد من الكتب المقالية التي تناولت سياسات أمريكا اللاتينية بالنقد ودعت إلى الليبرالية بمبادئ القرن الثامن عشر، مما وضع يوسا في مشكلة مع مبادئه التي يدعو إليها، فالظروف الحالية والقواعد تتعارض مع تلك الرؤية الأولى.

وله أيضًا كتابات حول الشركات متعددة الجنسيات وكيف عملت هي والاستهلاكية على إفساد الفن والثقافة.

كان يوسا في بدايته مؤيدًا لفيديل كاسترو ومبادئه، لكن مع سياسة الحكومة المسيطرة على الاقتصاد كليًا وصفه بالدكتاتور وانتقل بعد ذلك إلى الليبرالية السياسية بعد أن قرأ فيها.

لم يكتفِ يوسا بدوره الأدبي والثقافي بل رشح نفسه في انتخابات 1990 أمام ألبيرتو فوجيموري وهزم، لتشهد بيرو فترة من أصعب فتراتها قتل فيها 69 ألف شخص بعد خطفهم سرًا، وتعرض هو لمحاولة فاشلة للاغتيال عند محاولته السفر علم بها قبلًا من أحد المصادر.

كل تلك المعلومات مفيدة على صعيد تفسير لماذا يكتب يوسا في السياسة، ولماذا ترتبط معظم أعماله بأوضاع سياسية وأحداث في شتى بقاع أمريكا اللاتينية، فهذا الكاتب البيروفي تغلب عليه تلك النزعة لما يحمله من أفكار يأمل يومًا ما أن تتحقق.

يرى ماريو بارغاس يوسا أنه ما دمنا أحياء فالتفاؤل واجب والمستقبل مفتوح أمامنا

آخر روايات يوسا هي "الجيران"، صدرت في عام 2016، تتناول أحداثًا بعد سقوطه أمام غريمه في الانتخابات. أبطالها فيين الصحفي الذي يبحث عن فضائح الآخرين، وصاحب لمصنع الذي يساهم الصحفي في تخريب تجارته، وزوجتان لا تهتما إلا بالتسوق وتزيين منزليهما وإقامة علاقة مثلية سرية، بينما زوجاهما يحاولان الوصول لصلات تقربهم من دوائر السلطة، فينضمون إلى قوات همجية تساهم في إحداث جلبة بالبلاد، وتساهم في سلسلة من الانفجارات التي تجلب المزيد من الدمار للمناطق الفقيرة التي تئن أصلًا. وبينما ينشغل الزوجان بذلك، يكون الصحفي في محاولات مستمرة لفضحهم، والرسالة هنا تتعلق بتورط الجميع في الأعمال القذرة، حتى ولو لم يريدوا فيسجدون أنفسهم أمامها.

اقرأ/ي أيضًا: إدواردو غاليانو.. شهرزاد الجنوب

في خضم كل ذلك تظهر من اللاشيء بطلة أخرى تنحدر من الطبقات الكادحة، هي من هؤلاء المكدومين بالوحل هم فقط القادرون على مقاومة أفعال السطات الحاكمة وأذنابهم بنفس الأسلحة.

النهاية السعيدة التي يقدمها يوسا بتغلب ممثلة طبقة الكادحين تتعلق برؤيته المتفائلة دائمًا، فهو يقول إنه ما دمنا أحياء فالتفاؤل واجب والمستقبل مفتوح أمامنا. وإصلاح المنظومات الدكتاتورية وتحسين الاقتصاد المتوعك هو حصاد ذلك التفاؤل والأمل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أوكتافيو باث.. مغامرة الشاعر

العربيّ عند ماركيز.. مقيم ومقاوم