23-أغسطس-2018

أجواء عيد الأضحى في القاهرة (Getty)

مثل كل عيد، يعيد الشيوخ في خُطَبهم تذكير المسلمين بدروس وعِبَر كثيرة يمكن استلهامها من عيد الأضحى، وتدور في معظمها حول معاني الفداء والتضحية. في مصر، تأخذ تلك الدعوة أبعادًا خلاصية وغرائبية تأخذ خصوصيتها من رداءة الحالة المصرية الراهنة، التي لا يبشّر مستقبلها بأي خير. ورغم ما قد يراه البعض في شعيرة التضحية عند المسلمين من "بداوة" أو بشاعة، ورغم موقوتية سُنَّة ذبح الأضحية بأيام العيد الأربعة فقط؛ ربما يكون لدى المصريين في أيام العام كلها متسع لممارسة الذبح، وربما حصلوا على ثواب أكبر من ذبح أضحية العيد.

الغالبية العظمى من الشعب المصري لا تمتلك مجرد حلم شراء أضحية صغيرة لأسباب يعلمها الرئيس الحنون عبد الفتاح السيسي

الأشياء والأفعال التي تستحق الذبح في حياة المصريين كثيرة جدًا لدرجة يصعب حصرها، وتتسم بتنوع كبير حيث تغطّي كافة المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.. إلخ. وإذا كانت الغالبية العظمى من الشعب المصري لا تمتلك مجرد حلم شراء أضحية صغيرة (لأسباب يعلمها الرئيس الحنون عبد الفتاح السيسي)، فإن هذه الغالبية العظمى هي التي تمتلك – لو أرادت- القدرة على ممارسة الذبح في كل ما هو سيئ وقبيح لتحصل على ثواب أكبر من ذابح الأضحية، والأهم لتحصل على كرامتها وحقوقها التي تُنتهب "عيني عينك". فلو استطاعت هذه الغالبية الصامتة أن تذبح سلبيتها وخوفها وضعفها المكتسب، وأن تذبح داء الخرس والسكوت، لاستطاعت بعد ذلك أن تذبح كل ما هو سلبي وقبيح ينغّص حياتها ويجعلها جحيميًا يوميًا.

اقرأ/ي أيضًا: فاس.. تعاليم في شجن التجوال

هذا التكلّس الذي يضرب شرايين وأوردة السياسة المصرية حتى تكاد الكوميديا الوقحة تقطر من أفعالها، ألا يستحق الذبح لتندفع دماء جديدة وعفية في تلك الشرايين التي اهترات وأصبحت تهدد بفناء الجسد الواهي؟ وذلك الموات الذي يخيّم على كثير من أروقة المؤسسات والهيئات، ألا يستحق الذبح لكي يدخلها هواء جديد منعش؟ وذلك الغلاء الذي وُلِد لقيطًا من زواج غير شرعي بين الثروة والسلطة، ألا يستحق الذبح؟ وذلك الزواج غير الشرعي نفسه، ألا يستحق الذبح لكي يبرأ المجتمع من هذه العلاقة الحرام؟ وذلك الاحتكار الذي يمارسه بعض أقطاب الزواج الحرام، ألا يستحق الذبح؟ وتلك الممارسات والسلوكيات المريضة المستفزة التي يمارسها أثرياء السلطة أو سلطة الثراء، ألا تستحق الذبح؟ وكل مظاهر الفساد والمفسدين التي باتت روائحهم تزكم كل الأنوف، ألا تستحق الذبح؟ وكل الآثار القاتلة لسياسات الاقتراض ورمي الفلوس في مشاريع وهمية، ألا تستحق الذبح؟ وهذه الهجمات المتكررة والمستمرة على جميع الحريات الشخصية والعامة والصحافة والإعلام والكلمة الحرّة، ألا تستحق الذبح؟

تلك العشوائيات التي تحولت تحت وطأة السياسات الاقتصادية الفاشلة إلى أوكار لتفريخ الاضطراب الاجتماعي، ألا تستحق الذبح ليعيش سكانها الحد الأدني من "عيشة البني آدمين"؟ وذلك العنف الذي بات يضرب كل أركان المجتمع بعدما اخترع أقطاب الزوج الحرام ثقافة البلطجة والبودي جاردات، ألا يستحق الذبح؟ وتلك التجاوزات التي يمارسها العديد من أجهزة الدولة "السيادية"، والامتيازات المهولة التي يحصل عليها أفرادها، ألا تستحق الذبح في أي دولة محترمة؟

تلك التجاوزات التي يمارسها العديد من أجهزة الدولة "السيادية"، والامتيازات المهولة التي يحصل عليها أفرادها، ألا تستحق الذبح في أي دولة محترمة؟

نستطيع أن نعدّد المئات من قضايا ومآسي الهمّ العام التي تستحق أن نذبحها طوال العام، والتي من المؤكد أن الله سيمنحنا عن ذبحها الأجر والثواب. ولأن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، فإن الخطوة الأولى تبدأ بذبح السلبية واللامبالاة وثقافة الأنانية، فالجميع شركاء في مساحة جغرافية اسمها الوطن، حتى لو لم يكن كذلك. الغالبية من البسطاء والغلابة هم الأحق بذلك الوطن المحلوم، لأن أصحاب المليارات والطائرات واليخوت والقصور والضياع في الخارج لو حاق بهذا الوطن أي مكروه، سيكونون مثل فئران السفينة أول من يقفز عند الشعور ببوادر الخطر. ربما يكون اتحاد هؤلاء المشتركين في الغمّ وتحمّل خطايا الساسة الكاذبين، هو بداية طريق الخلاص من ميراث الذبح الطويل بحقّهم، ذبح آمالهم في تعليم فعّال ورعاية صحية محترمة وصيانة كرامة واحترام حقوق وتوفُر أمان وأسباب كافية لإكمال الحياة على أرض هذه البقعة المجرمة/ المُحببة.

اقرأ/ي أيضًا: حرب حجاب حلا شيحا.. تراشق بالدموع

ومن المؤكد أن الذبح الحلال طوال أيام العام لا يقتصر على قضايا ومآسي الهمّ العام، فكثير من العلاقات السلبية العامة والخاصة بين الجيران والأصدقاء والزملاء والأهل تستحق هي الأخرى أن نذبحها لتصبح الحياة أكثر رحابة ونستطيع تنفس بعض الهواء النقي في ظل هذا الجو الخانق بالدخان الفاسد للسياسة والاقتصاد. فلو أن الزوجة النكدية ذبحت ذلك النكد اللعين، ولو أن الزوج البخيل ذبح ذلك البخل المذلّ، ولو أن الجار ذبح ذلك الجفاء المميت، ولو أن الزميل ذبح ذلك التصيّد ورغبات الدسيسة، ولو أن كل إنسان مِنّا استطاع أن يذبح جزءًا من التكشيرة الضخمة التي تصرفها لنا الحكومة مع شهادات الميلاد وكل أوراقها الرسمية وغير الرسمية.. لو استطعنا أن نفعل ذلك – أو جزءًا بسيطًا منه- لأصبحنا أكثر قوة وقدرة في مواجهة الصعاب والتحديات، والأهم لأصبحنا أكثر قدرة على توجيه سهام نقدنا إلى رؤوس الأفاعي وأسباب تكديرنا اليومي والمستمر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ذكريات عيد الأضحى.. يوم ذبحتُ أخي

عيد الأضحى بالمغرب..الأضاحي بالتقسيط