09-نوفمبر-2016

تشيهارو شيوتا/ اليابان

يجدرُ بك أن تغيب تمامًا، أن تختفي، ألا تُرى، أن تتبدّد، ألا تذوبَ وحسب. لأنهم قد يجدوا أثرًا، ولو صغيرًا، من حياتِك في الهواء، وقد يُعيدوا ذكركَ دائمًا، بلطفٍ زائدٍ...
يجدرُ بكَ أن تتبخر!
*

لقد كنت وحيدًا
وكنتم تعلمون ذلك جيدًا
ويومًا لم تكونوا قريبين.
لقد صرختُ طويلًا
وكنتم تسمعونَ بوضوح
ويومًا لم تدركوا أبدًا
أنني أرسل لكم رسائلي
وصوري في مراتٍ عديدة
وأغاني اليوتيوب
وقصائد من تراث قريتي
ونكاتًا تجعلكم تضحكون بصوتٍ عالٍ
فقط لأَنِني أخافُ هذا الصمت المريعْ
أخاف وحدتي.
*

كُنتُم فزاعاتٍ إضافية للطيور
تحرسونَ القمحَ
وتُخيفُون الطير التي تلتمسُ الجلوسَ
لا سرقة الكروم!
تحرسون القمح
يا إخوتي
لكنكم تنامون جائعين.
*

الشمس تشرق باكرًا في موتالا...
لو أنني كنتُ سائحًا
كنتُ سأفعلُ ما يفعلُهُ السُّياح عادةً
أفتحُ عيوني
آخذُ حمامًا سريعًا
أشرب قهوةً
أتفقّدُ أوراقي وجوازَ السفر والمحفظة والكاميرا ونظارتي الشمسية
وأخرجُ سريعًا، لأزورَ وسطَ المدينةِ
والأماكنَ السياحية
ثمّ أعود مساءً متعبًا
أبدّل ملابسي وأخرج للسهرة، أشرب كثيرًا في بارٍ ليليّ
وأرقص حتى الانتشاء
ثم أتأبّطُ ذراع فتاةٍ سكرانةٍ، وأعود برفقتها لنمارس الجنس.
تلك هي السردية الكلاسيكية ليوم السائح.
السائح الذي لم أكنهُ
لأنني هنا
في موتالا
التي تشرق شمسها باكرًا
أفتحُ عيوني وأغمضُها
فقط لأكسرَ جمودَ هذه الوحدة،
ليس لأن الرسالة التي وصلت لم تكن لي
وليس لأن لا رسائل تصلني أصلًا
الوحدة العميقة
لأنني أجلسُ هنا
أمام الشباكِ
منذ الرابعة فجرًا
أشرب قهوةً وأدخنُ
ولا أنتظر رسالةً من أحد.
*

وأنت أيضًا تستطيع ذلك
عندما تدخلُ المنزل وحيدًا
ممتنًّا للأرض التي لم تنتهِ في الحارة السابقةِ
ممتنًّا لابن الجيران الذي لم يكسر قدميك
عندما عرقلك بخشونةٍ في مباراةٍ عاديّة
ممتنًّا للنبتةِ التي داستها قدمك خطأً
ولكنّها لم تقذف في عينيك
سائلها الذي يسبب العمى
وللروتينية التي جعلت اسمَك يتأخر قليلًا
كي تعبر الحدود بسلام.
وممتنًا بالضرورة
ليدكَ التي لم تكن ثقيلةً
حينما طعنت قلبكَ
بعد كلّ حبّ.
وأنتَ أيضًا
عندما تدخلُ المنزل وحيدًا
تستطيعُ أن تكون ممتنًّا للحياة.
*

العشرينيون 
ذوو الطباع المتشابهة والأمزجة الرائقة والقضايا الكبرى
كيف أخبرهم أنني هنا؛ على بعد عقدٍ منهم، أجلس وحيدًا
بجذعٍ ثخينٍ
وعينين تميلان للإغماض
أتفحّص من شقوقهما زوايا المنزل الجديد
أبحث عن نملةٍ عاشت سعيدةً حين كان المنزلُ فارغًا
لأقول لها:
أنا مثلك يا صديقتي
أشعر أن كائناتٍ ضخمة تسير بالقرب مني
وأجهدُ حتّى أخرج من ظلالها على الأرض
ومثلكِ
لم أعد ألقي بالًا
للضجيج المتقنِ
الذي يصنعه العالم.

اقرأ/ي أيضًا:

صحراء غرفة النوم

متى ستقبلُ يا ربيع؟