25-فبراير-2016

الملك سلمان بن عبد العزيز

قبل أيام خرجت المملكة العربية السعودية عن طورها، قالت: لقد تعبت من هذا الهراء، كيف لي أن أضخ مليارات الدولارات في بلد لم يقف يومًا إلى جانبي، ها أنا أقدم له المليار تلو الآخر، فيما تُخاض في رحابه أعنف المعارك بوجهي، لقد ذهب بعضهم إلى حدود الهتاف بالموت لآل سعود على وقع القبضات المرتفعة، فيما يعجز بعضهم الآخر عن تصدير تضامن شكلي في بيان أجمع العالم برمته على تأييد مضمونه، بمن فيهم إيران، ولو بشكل غير مباشر.

ماذا يعني لحزب الله أن يُمنح كل اللبنانيين 24 ساعة لمغادرة الخليج العربي وقطع العلاقات وسحب الودائع؟

هذا الخروج تبعته إجراءات عقابية بدأت في السعودية، وامتدت لتشمل غالبية دول الخليج، اجتمعت الحكومة اللبنانية على مدى سبع ساعات وخرجت ببيان يكفي أن تعلم بأنه حاز موافقة حزب الله لتدرك أنه بلا طعم ولا لون.

اقرأ/ي أيضًا: تعالوا نرقص التانغو.. بإيقاع "ماروني"!

ارتعدت فرائص المملكة، وبدأت كل أوساطها تتحدث عن غضب شديد، وعن سلسلة عقوبات قد تلامس حدودًا غير مسبوقة، تمامًا كما لو أنها لا تدرك حساسية ودقة التعامل مع أي متحرك لبناني، بل ووصل الأمر إلى حدود القول: إما أن تكونوا معنا، وإلا فأنتم ضدنا.

في مقاربة هذه المعضلة لا بد من حضور وازن للعقول الباردة، ليس من الواجب أن نخبر الخليج بطبيعة نظامنا السياسي والطائفي وتعقيداته المريرة، فهم الأخبر بحالنا، على الأقل من الطائف إلى اليوم، وليس من المفروض أيضًا أن نندب ضعفنا وهواننا أمام سيطرة حزب الله ومغامراته المحسوبة وغير المحسوبة، فهم الأخبر بحالنا أيضًا، ولأنهم الأخبر والأكثر حرصًا على توازناتنا الدقيقة، نسجل عتبنا الكبير على هذه التصرفات التي باتت تمس كرامتنا الوطنية، وتظهرنا، أكثر فأكثر، بصورة لا نحبذها ولا نطيقها.

نحن قوم ننام كل يوم على وقع كوابيس تنذر بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر

ما هو المطلوب منا تحديدًا؟ نحن قوم ننام كل يوم على وقع كوابيس تنذر بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر، نحمد الله على انقضاء يومنا بلا اجتياح أو انفجار، نعيش بين النفايات وكأننا في مطلع العصور الساحقة، نفتش عن لقمة عيشنا بين الركام، نبارك ربط النزاع بأي ثمن، لا نبحث عن ترف سياسي أو ممارسة ديمقراطية، حتى حراكنا الشعبي والمطلبي تحوّل إلى ما يشبه مواجهة مفتوحة كادت، ربما، أن تلامس حدود قصفنا بالمقاتلات الحربية وبالبراميل المتفجّرة.

لبنان حاك بالدم والجثث ذاك القميص المرقط بألف بقعة وبقعة، لا مجال هنا لغالب أو مغلوب، لا إمكانية للكسر أو الخلع أو الاجتثاث، هو بلدٌ مستحيل في تركيبته ووجوده وتوازناته، قد نختلف لساعات، بل لسنوات، حول مفردة أو تعبير يندرج في سياق حمّال الأوجه، ربما نذهب عميقًا في نكر وسحق الذات لتذليل عقبة تبدو سخيفة إلى حدود الاستفزاز، لا شيء يمر هنا بلا ضجيج، حتى هويتنا الوطنية، سقط على ضفافها مائة ألف قتيل من أجل خمسة أحرف، فبدل أن نقول: لبنان عربي، بتنا نقول: لبنان ذو وجه عربي. هنا تكمن الحكاية، وهنا تمامًا بيت القصيد.

هل المطلوب أن نركع؟ أن نخوض حربًا أهلية بوجه حزب الله؟ أن ندمر البلد ونذهب عميقًا في لعبة التحريض الشعبوي؟

الأكثر إيلامًا لنا، نحن الذين لا حول لنا ولا قوة، هو شعورنا السحيق بالإهانة، بماذا قد يتضرر حزب الله وحلفاؤه إذا ما توقفت المساعدة العسكرية للجيش أو القوى الأمنية؟ بل ماذا يعنيه أن يُمنح كل اللبنانيين 24 ساعة لمغادرة الخليج وقطع العلاقات وسحب الودائع، ثم ماذا يعني أن نطلق عشرات عبارات التأييد والمحبة والتعاطف، وأن نحج إلى السفارة السعودية ونبلغها بتضامننا وحرصنا العميق، ثم ما يلبث أن يخرج السفير ليبلغنا بأن ما نقدمه غير كافٍ لحل هذه المعضلة، هل المطلوب أن نركع؟ أن نخوض حربًا أهلية بوجه حزب الله؟ أن ندمر البلد ونذهب عميقًا في لعبة التحريض الشعبوي على مواجهة مجنونة، هل المطلوب أن نُفجّر الحكومة ونذهب نحو فراغ شامل في كل المؤسسات؟ لماذا كل هذه القسوة.. لماذا؟

اقرأ/ي أيضًا: نصر الله لفرنجية: ذبحتنا يا صديقي

على هامش اشتباك الكرامات، كان سعيد عقل شديد الانحياز والتطرف للبنان، يُصرّ على فرادته وريادته وألقه الأبدي، يقول في مقارعة البائسين اليائسين: لقد أتانا المسيح في غابر الزمان نبيًا ورحل من ربوعنا إلهًا يضج بالخمر والمعجزات. ينفعل الرجل أمام ترهات من عيار البلد الفاشل أو الوطن المستحيل: نحن أهل الأرض وأهل الحرف وطيور الفينيق، نقايض المعمورة من موقع الند، ونصنع من كرامتنا أردية مجد تكلل جبين الكوكب. كنا نضحك بدهشة ونحن نستمع إلى أدبياته، إنه سعيد الذي لا يشبه إلا نفسه، لكنه قد يشبهنا في لحظات مماثلة.

تتكاثر المقالات التي يكتبها الأحبة في الخليج، بعضهم ذهب عميقًا في إهانتنا، وفي تسخيف كل إنجازاتنا وتحويلنا إلى مجموعة من اللصوص المحترفين في سلب الدراهم، فيما ذهب آخرون إلى حدود وصفنا وتاريخنا بأبشع العبارات على الإطلاق، لا شيء في جعبتنا سوى الصبر، لن ندخل لعبة الرد والرد المقابل، نحن إخوة، والمملكة طالما تمتعت بصدر رحب. لكن حذارِ أن تعيدونا جميعًا إلى سعيد عقل، حينها سنرفع في وجوهكم عبارة الملك فيصل عشية حرب أكتوبر: "عشنا وعاش أجدادنا على التمر واللبن، وسنعود لهما".

اقرأ/ي أيضًا:

لا تكن مثل سمير!

عون وجعجع.. لقاء التكاذب ورد الصفعات