08-فبراير-2016

سما الشيبي/ العراق

حدثتني منى عن مهنة "بتاع الحبال"، وهي مهنة شاد حبال السرير السوداني الأصيل الذي يسمى "عنقريب"، والفراش في العنقريب لا يستند إلى ألواح خشبية أو أسلاك معدنية وإنما إلى حبال مصنوعة محليًا، معقودة إلى إطار خشبي في كل زاوية من زواياه يقف قائم من أربعة قوائم هي أرجل السرير/العنقريب.

ويقوم "بتاع الحبال" بالمرور كل يوم صباحًا بين البيوت، فيما تطل النسوة من الشبابيك والشرفات لتنادي عليه: "يابتاع الحبال.. يا بتاع الحبال"، فيكون عليه التوجَه من فوره إلى منزل السيدة ليشد سرير بيتها الذي ارتخت حباله من تكرار استخدامه.

وهكذا، فقد نمت ثقافة ما، قائمة على ضرورة شد الحبال، بشكل دائم، حتى وإن لم تكن مرخيَة، ذلك أن عدم شدَّها قد يشي بأن السرير لا يُستخدم، أو لا يُستخدم بما يكفي كي ترتخي حباله! وصار لابد وأن تقف السيدة في الشرفة أو الشباك صباحًا وتنادي مفاخرة على "بتاع الحبال"، فتخرج الجارة هي الأخرى مكررة النداء نفسه، ليكون إشهار فحولة الرجال أو ادعائها مهمة النسوة الصباحية التي لا تكتمل إلا بتواطؤ من "بتاع الحبال". ويصير الأخير يعرف بمعاينة حبال العنقريب، إن كانت مرخية بالفعل، أو أن حضوره شرفي استكمالًا للصورة الاجتماعية.

وعلى ما يبدو، فإنه يتشكل مع مرور الوقت لدى "بتاع الحبال" على بساطة مهنته ومكانته، قاعدة بيانات للعلاقات الأكثر خصوصية، إذ تعكس تلك الحبال الكثير عن حميمية العلاقات، إلى جوار ما تجهد النساء في إظهاره يوميًا باستخدامه. يصير يعرف، تلك التي تبقى حبال عنقريبها مشدودة طوال الوقت، وتناديه، وتلك التي ترتخي حبال عنقريبها طوال الوقت وتناديه، وتلك التي توقفت حبال عنقريبها عن الارتخاء وظلت تناديه.

سألتها إن كان هذا الرجل قد يحظى بأكبر عدد من العلاقات العابرة، والمغامرات الجنسية من خلال مهنته، ضحكَت.. "طبعًا.. هو وبتاع اللبن..!"، غير أني لا أزال أعتقد بأن "بتاع الحبال" أهم، ذلك أن بتاع اللبن، على دخوله اليومي للبيوت لا يحظى بكشف يضاهي ذلك الذي لـ"بتاع الحبال" إذ يعاين بنفسه مكان الفرح والوجع، فيصير إذ يجبر خاطر العنقريب، يجبر شيئًا من الأجساد التي تكابر.

وعلى ذِكر المكابرة، فقد أخبرتني منى عن جلسة كانت النسوة تتفاخرن فيها، بعدد المرَات التي اضطررن فيها للاستعانة ببتاع الحبال لشد حبال العنقريب، في حين أعلنت إحداهن أنها توقفت عن مناداته، التفتن إلى اعترافها الصادم للحظات قبل أن تقطع اندهاشهم "اااي.. عشان راجلي قرر يصب قاعدة العنقريب إسمنتي"!

اقرأ/ي أيضًا:

في عيني قبران

أنا حيّ، أرجوك.. احقنّي بالمورفين