04-فبراير-2022

يانيس ريتسوس و"يوميات المنفى"

الترا صوت - فريق التحرير

على الرغم من أنَّ هذه القصائد عن السَّجْنٍ والاعتقال في سنوات الدكتاتورية اليونانيّة، إلّا أنَّ يانيس ريتسوس (1909- 1990) عدَّ المكان منفى، وعدَّ زملاءه منفيّين، فتلك المعسكرات الهادفة إلى إعادة تأهيل المتمردين وتحويلهم إلى "مواطنين صالحين"؛ من العار احتسابها جزءًا من أيّ شيء يمكن أن يُسمّى وطنًا.

"يوميات المنفى" (ترجمه إلى العربية الشاعر العراقي محمد مظلوم) تجربة أدبيّة عظيمة تنقل الرّعب الواقعيّ بطريقةٍ تجعلكَ توقن أن البشر اخترعوا الشِّعر لأجل مهمةٍ كهذه. وقد كتب ريتسوس هذه اليوميّات/القصائد في ظلِّ أقسى الظروف، وعلى كلِّ ما يمكن أن يقع بين يديه من قصاصات الأوراق، بما في ذلك أوراق علب السجائر، وكانت تُخبَّأ أو تُدفن في القناتي الزجاجيَّة تحت الأرض. وذلك في معسكر اعتقال السجناءِ السياسيين، في قرية "كونتوبولي" بجزيرة "ليمنوس" حيث نفي إليها معتقلًا أثر انقلاب 1948 في اليونان، وجزيرة "ماكرونيسوس" المعزولة التي نقل إليها عام 1949.

كانت "كونتوبولي" مركزَ احتجاز مؤقتًا لعددٍ قليل من المعتقلين، ومن مِهنٍ مختلفة من الرعاة إلى أساتذة الجامعات، أما "ماكرونيسوس" فكانت معسكر ضخمًا، استوعب أكثر من 20.000 شخصًا بين رجل، وامرأة، وحتى أطفالًا. ولم يكن مركز مجرد مركز اعتقال، إنما هو وسيلة لإعادة التأهيل يهدف تحويل المعتقلين السياسيين اليساريين إلى "مواطنين مخلصين" وإجبارهم على توقيع "إعلان التوبة" الذي يشير إليه ريتسوس أكثر من مرة. وفي "ماكرونيسوس" أُعدِمَ عددٌ من المعتقلين وتعرَّضوا للتعذيب ودُفِعوا للجنون.

في "يوميات المنفى"، تنوس حجوم القصائد بين المتوسط والقصير، على خلفيّة كون الكلام قليلًا بين أولئك المنفيين الذين لا يتحدّثون حتى وإن تحدّثوا، فالألم امتصّ الكلام.

يُعدّ ريتسوس أحد أعظم شعراء القرن العشرين، انتمى إلى الحزب الشيوعي اليوناني في عام 1931. قاوم الحكم العسكري لبلاده، فسجن، ونفي، وأحرقت أشعاره. رشح لجائزة نوبل في الأدب تسع مرّات، لكنه لم يحصل عليها. نال الجائزة الوطنية الكبرى للشعر الهيليني في 1956، وجائزة لينين للسلام في 1976، أصدر أكثر من مئة كتاب في الشعر والرواية والمسرح والترجمة.


1

يموت الذبابُ من البرد

نراقبهُ يتساقط على الأرض

وفيما بعد نكنسهُ.

 

2

تحت كلِّ كلمةٍ

ثمة شخصٌ ميّت.

 

3

تسمع أولئك الذين يشخرون تحت البطانيات

تسمع نموَّ لحاهم.

 

4

الخبز يزداد تعفّنًا، كذلك السّنوات.

 

5

أيّتها المرآةُ، أنتِ على الأقلّ

أخبريني

أهذا البصاقُ يناسبُ جبهتي؟

 

6

كبرَ الناسُ بِرِقَّةٍ. مِثْلَ القِدِّيسينَ.

 

7

لَقَدْ زَرعْتُ شَجَرةً سأربِّيهَا.

مَهما حَدَثَ لنْ أعود.

 

8

مصباحٌ مُطفأٌ في الصباحِ

لا يُعطيكَ أدْنَى فِكرةٍ

عمَّا يمكنُ أنْ يكونَ عليهِ الليل.

 

9

لربَّما غَدَا، الأشياءُ القديمةُ ستحدثُ ثانيةً. لا شيء مؤكَّد.

 

10

في المساءِ نَسْمعُهُمْ في التِّلالِ

يُغَيِّرونَ الإطِارَ الْمُسطَّحَ لَلْقَمَر

 

11

هُمْ مَدينونَ لَنا بِالكثيرِ

وإنْ لمْ نَستردَّهُ

سندينُ بذلكَ أيضًا.

 

12

تحدَّثُ

بالكلماتِ الأكثرِ عاديَّةً في العَالم.

ويَدْري بما يجري

تحتَ الأحجارِ

وَيَفْهَم.

 

13

النوافذُ الثلاثُ المضاءةُ

في الْمنزلِ الْمُغْلَقِ.

أكانَ لنَا ذات مرَّة؟

كلُّ شيءٍ

يُشبهُ الضوءَ الَّذي فَقَدْناهُ.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

جيسواف ميووش: في وطني

إيمي سيزير: كرّاس العودة إلى الوطن