يافطات لا تُصدق... غرائب محلات القاهرة في القرن العشرين
22 مايو 2025
ارتبطت وسائل الدعاية منذ عهودٍ بعيدة بفن الغرافيك. صحيح أن هذا الفن أخذ يتطور على نحو لا يُصدق في الآونة الأخيرة، نتيجة لعوامل عدة لعل أبرز تطور البرامج الحاسوبية والذكاء الاصطناعي، لكن يظل عنصري المفاجأة والذكاء في صياغة العبارة الدعائية من أهم ما يجذب العميل أو الزبون في لغة التجارة قديمًا والتي تُعرف بلغة السوق (Copywriting).
فهذه اليافطة التي تُوضع فوق الحانوت، ليست مجرد قطعة خشبية أو معدنية، تُنقش عليها عبارة تدل على ما يحتويه أو تصنيف البضاعة بداخله لكنَّها تظل عنوانًا أساسيًّا لما يقدمه هذا المكان دون غيره. وهي حالة تشبه إلى حدٍ بعيدٍ المثل المصري القائل: "الجواب بيتعرف من عنوانه".
لكن الغريب في الأمر، أن محرر مجلة "الدنيا المصورة" التي كانت تصدرها دار الهلال في النصف الأول من القرن العشرين، وتحديدًا في عددها (28 سبتمبر/أيلول 1932) كان يتعجب من اللوحات الخادعة التي كانت تُزين حوانيت القاهرة والتي تمتحن ذكاء الزبون، بل وتركه للأهواء كي يخمن البضاعة المتواجدة في الداخل.
اليافطة التي تُوضع فوق الحانوت، ليست مجرد قطعة خشبية أو معدنية، تُنقش عليها عبارة تدل على ما يحتويه أو تصنيف البضاعة بداخله لكنَّها تظل عنوانًا أساسيًّا لما يقدمه هذا المكان دون غيره
ولعل من أغرب اليافطات المعلقة، واحدة كُتب عليها: "المحل الوطني الوحيد" وأخرى: "الشُكك ممنوع والزعل مرفوع والزرق على الله". والشُكك هنا إنما يعني الشراء دون الدفع مقدمًا، وترك الحساب على النوتة لآخر الشهر.
اعتاد المصريون أن يزينوا الحوانيت كذلك بالآيات القرآنية أو الأقوال المأثورة التي تشير إلى محتواه. فأصحاب محلات الشربات يصدرون اليافطات بالآتية الكريمة: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ وكان يطلقون عليه الشربتلي. وأصحاب محلات الحلاقة، كانوا يصدرون اليافطات بالآية الكريمة: ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ فتعرف أنه محل حلاق.
وقد يحدث أيضًا أن تجد أحدهم، يضيف إلى مستلزمات المكان كلمة وخلافه! وربما يؤنث بعض الكلمات التي لا تؤنث حتى تستقيم معه القافية مثل "المتنزهة الوطنية الفاروقية" أو يضحكك أحدهم بعبارته: "لعب وحلوى للأعيال" بما أن طفل يُجمع على أطفال فلا بد أن يكون عيل أعيال! وقد يبالغ أحدهم في وصف بضاعته، فها هو الساعاتي يكتب على يافطته: "60 ألف ساعة" رغم ضيق حجم المكان المتناهي. وربما يلجأ أحدهم إلى العبارة المباشرة في عدم الإزعاج: "الرجاء من الناس عدم التكلم مع الناس أو معنا في شراء محلنا كي لا يعرض نفسه للكسوف".
وتشير المجلة ذاتها في عددها (20 نوفمبر/تشرين الثاني 1929) إلى أن حلواني شهير في محطة الرمل أطلق على اليافطة: "على كيفك" أو ذلك الجزار في حي السيدة زينب والذي أطلق على نفسه: "جزار الوفد المصري" وذلك لحبه الجم لحزب الوفد! أو تجد أحدهم قد يترجم لقبه مثل محمد إبراهيم الإسكندراني في حي الظاهر والذي أطلق على نفسه: "Mohammed Ibrahim the Alexandrian" وغيرها من اليافطات العجيبة.