27-فبراير-2019

الباحث بلال محمد شلش (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)

ألترا صوت – فريق التحرير

ينقسم كتاب "يافا، دمٌ على حجر.. حامية يافا وفعلها العسكري: دراسة ووثائق – كانون الأول/ ديسمبر 1947، نيسان/ أبريل 1948" الصادر حديثًا عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، للباحث الفلسطينيّ بلال محمد شلش، إلى مجلّدين؛ يشكّل الأول دراسات في الفعل العسكري لحامية يافا خلال الفترة الزمنية كانون الأول/ ديسمبر 1947، ولغاية نهاية نيسان/ أبريل 1948. أي، وكما يوضّح المؤلّف لـ "ألترا صوت"، منذ لحظة انطلاقة هذا الفعل ولغاية بدء تفكك حامية يافا.

أراد بلال محمد شلش من عمله الموسوعي "يافا، دم على حجر" أن يقدّم قراءة شاملة للعمل العسكري في يافا بين عامي 1947 - 148 

المجلّد الثاني من الكتاب، جاء مقسومًا إلى قسمين بدوره، يقدّم الأول يوميات الحامية محقّقة وفقًا للقواعد التاريخية. ويقول شلش إنّ هذه اليوميات كُتبت من قبل مقاتلي الحامية وبعض قادتها. وتسجّل يوميات المقاتلين في جبهات مدينة يافا المختلفة وتبدأ من شهر شباط/ فبراير 1948 وتنتهي بشهر نيسان/ أبريل 1948. أما القسم الثاني من هذا المجلّد، ضمّ وثائق حامية يافا ووثائق أخرى متعلّقة بالدفاع عن المدينة، وكذلك قوائم عكفت الباحث على إنجازها من المصادر الأولية لشهداء حامية المدينة ولمجاهديها، وخرائط تفصيلية لجبهات القتال.

اقرأ/ي أيضًا:​ مكتبة بلال محمد شلش

بلال شلش، وفي حديثٍ خصّ به "ألترا صوت"، قال إنّه حاول في المجلّد الأول أن يقدّم قراءة نقدية لكلّ ما كتب بالعربية والإنجليزية والعبرية عن الفعل العسكري الفلسطيني في الحرب. ويذكر أنّه أسّس قراءاته على نصوص أولية، كوثائق الحامية، بعضها يستخدم لأول مرّة. واقتصر هذا المجلّد على ثلاث دراسات، أولها متعلّقة بتأسيس الفعل العسكري لحامية يافا، وثانيها تبحث في بنية حامية يافا، ودراسة لأنماط فعلها العسكري خلال فترة نضوجها، وثالثها دراسة لمعارك الأيام الأخيرة التي لم تختم بانتصار الحامية العسكري فقط، وإنّما بتفكّكها.

يُضيف: "أعمل حاليًا على مواصلة البحث في قضايا أخرى لم تتطرّق الدراسات الثلاث لها، على أن تنشر في دراسات مستقلّة، خصوصًا وأنّ المجلد الثاني يقدم نصوصًا أولية تدفع لإعادة النظر في الكثير من النصوص المنشورة سابقًا، سواء كانت نصوصًا قديمة كتبت إثر الحرب مباشرة، أو نصوصًا أكاديمية صدرت مؤخرًا، والأمل أن يفتح هذا المجلد بنصوصه الأولية الباب لقراءات مغايرة للحرب".

يُجيب شلش على سؤالنا له عن السبب وراء اهتمامه بالبحث في تاريخ الفعل العسكري الفلسطينيّ بالقول إنّه لا يعتقد أنّ هناك انشغالًا كافيًا بدراسة الفعل العسكري الفلسطيني، والتأريخ له، سواء كان في تاريخ الزمن الراهن، أو بتاريخ هذا الفعل منذ بداياته ضدّ المستعمر البريطاني فالصهيوني. ويؤكّد أنّ ما سبق دافع للاهتمام بدراسة هذا الفعل عمومًا، مُشيرًا إلى أنّ المعركة ما زالت مستمرّة.

ما سبق حديث عن الفعل العسكري الفلسطينيّ بشكلٍ عام. أمّا الفعل العسكري الفلسطينيّ في حرب 1947 - 1949، فيقول شلش إنّ هذه الحرب التي انتهت بهزيمة كبرى للفلسطينيين خصوصًا وللعرب عمومًا، وكانت كذلك حربًا مؤسِّسَة عربيًا وصهيونيًا، وجد عنها بالعربية دراسات اهتمّت بالتأريخ للفعل العسكري لبعض الدول العربية وجيوشها. في المقابل، يوضّح ضيفنا أنّ الدراسات المتعلّقة بفعل الفلسطينيين بقيت محدودة، وتأثّر معظمها بلحظة الهزيمة الكبرى، تلك التي صبغت نتائجها المأساوية معظم القراءات التاريخية للحدث، واختزلت الهزيمة التي أتت كمحصلة نهائية للحرب، كلّ معارك الحرب الأطول في تاريخ الصراع العربي الصهيوني.

قراءة شلش في هذا الكتاب معزّزة ومدعّمة بمصادر عدّة، كان أولها نصوص السير والمذكرات. ولكن، في الآن ذاته، كان مسعاه الدائم منصبًّا في البحث عن نصوص معاصرة للأحداث، مُفسّرًا الأمر بأنّ بعض المصادر كانت تشير إلى توفّر وثائق وتقارير كتبت أثناء المعارك، دوّنها القادة والجند. ويؤّكد في سياق حديثنا هذا أنّ النقلة النوعية في العمل كانت في اكتشافه لتوفّر مئات من الأوراق التي تضمّ وثائق حامية يافا في أرشيف إسرائيل، كجزء من الوثائق العربية المنهوبة بعد الحرب.

كان القرار الأول بعد الاكتشاف أن يقوم شلش بنشر هذه النصوص لإتاحة مصدر عربي يسهم في قراءة مغايرة للحرب. ولكنّه، وبعد قراءة معمقّة في هذه الوثائق، وجد نفسه مدفوعًا إلى النبش عن تاريخ من لا ذِكر لهم في كتب التاريخ.

"يافا، دمٌ على حجر.. حامية يافا وفعلها العسكري: دراسة ووثائق"، ينهض جزء كبير منه على الوثائق والمصادر متعدّدة الأشكال والأصناف. يوضّح بلال شلش أنّ مصدره الأول للبحث في تاريخ الحرب، كان النصوص الصهيونية الأولية، بالإضافة لبعض نصوص السير والمذكّرات، وبعض النصوص التاريخية العربية. أما الجزء الأهم، فكان بعثوره على وثائق حامية يافا التي وجد معظمها في أرشيف دولة إسرائيل، بينما تحصّل على وثائق أخرى من أراشيف صهيونية كالأرشيف الصهيوني المركزي، وأرشيف جابوتنسكي، وأراشيف عربية أخرى، المحلّية بشكلٍ خاص.

ينهض جزء كبير من كتاب "يافا، دمٌ على حجر" على الوثائق والمصادر متعدّدة الأشكال والأصناف

كيف تعامل شلش مع المصادر والوثائق التي كانت بين يديه؟ يُجيب بالقول إنّ نظرته لمعظم المصادر قد اختلفت بتقدّمه في عملية البحث. ويضيف: "أنا مؤمن بضرورة النظر بحذر لكل مصدر تاريخي، سواء كان أوليًا أم ثانويًا بلغة البحث، وبضرورة وضع كل مصدر في موضع النقد، لكن القدرة على ممارسة النقد تتغير بتقدم العملية البحثية، لهذا نظرتي لمصادر كالسير والمذكرات اختلفت كليًا بعد إنجازي لهذا الكتاب، فكانت ورقتي البحثية "التأريخ بنصوص المهزومين: قراءة نقدية لمذكرات حرب 1947-1948 كمصدر تاريخي في ضوء وثائق حُمَاة يافا (12/ 1947-5/ 1948)" التي ستصدر قريبًا في مؤلف جماعي عن المركز العربي للأبحاث. والأمل أن تقودني رحلتي في هذا الكتاب، وفي هذا المشروع البحثي المتعلق بدراسة الفعل العسكري لحماة يافا خصوصًا، وكذلك الفعل العسكري للفلسطينيين عمومًا، إلى تقديم إضافات بحثية جديدة، متعلقة أولاً بتأريخ هذا الفعل، وثانيًا بالإسهام في نقاش نظري متعلق بعلم اجتماع الحرب".

اقرأ/ي أيضًا:​ وثّق.. أرشفة التراث الفلسطيني رقميًا

ينهي ضيفنا الباحث والكاتب محمد شلش حديثه لـ "ألترا صوت" بالتأكيد أنّ الكتاب بمجلديه بذرة أولى في مشروع ما زال في طور التشكّل، خصوصًا في جانبه النظري. ويقول إنّه على دراية ببعض جوانب قصوره، متأمّلًا أن تتكشف له جوانب أخرى بعد القراءات النقدية التي ينتظرها من المختّصين وعموم القرّاء.

 

اقرأ/ي أيضًا:​ 

مستودع الأنيس الرقمي.. مركز بحجم عاصمة

مؤتمر "تواصل 3".. أرشفة السينما الفلسطينية