11-مارس-2020

الفنان ياسين غالب

فنٌ جديدٌ ونادر عربيًا وعالميًا يمارسه الفنان اليمني ياسين غالب ويستمتع به، منذ أكثر من ثلاثة عقود، على الرغم من اتهام الناس له بالجنون.

يُتهم ياسين غالب بالجنون لجمعه المخلفات من الشوارع، فعندما يراه الناظر يتساءل لماذا يجمعها، وهي لم تعد صالحة لشيء؟

يعمل ياسين غالب، ذو الستين عامًا، في جمع القطع البلاستيكية والحديدية الصدئة وبقايا الأخشاب وعظام الحيوانات والجلود، بالإضافة إلى العديد من المخلفات الأخرى من الشوارع اليمنية، ثم يعود بها إلى منزله، لكي يحولها إلى تحف فنية فريدة من نوعها.

اقرأ/ي أيضًا: عملاق الطرب الحضرمي أبو بكر سالم.. ما السر وراء أبو أصيل؟

يظل ياسين يتجول في شوارع العاصمة صنعاء يحدق بتمعن بكل شيء يراه، بحثًا عن أي قطع خردوات ومخلفات يراها بفنه تحفًا جميلة ولوحات فنية، بل إن عمله في الهيئة المختصة بحفظ المدن الأثرية، والذي من خلاله تمكن من زيارة العديد من المدن اليمنية، ساعده على جمع الكثير من الخردوات التي أصبح منزله مستودعًا لها.

يُتهم ياسين غالب بالجنون لجمعه المخلفات من الشوارع، فعندما يراه الناظر يتساءل لماذا يجمعها، وهي لم تعد صالحة لشيء؟ لكن ياسين ينظر اليها بعينٍ مختلفة.  يقول: "عندما بدأت أجمع عيدان الخشب وكنت أخرج إلى الحارة، وشاهدني الجيران، قالوا لزوجتي إنني قد أصبت بالجنون".

يحول قطع المخلفات إلى تحف فنية ولوحات جميلة، تحمل مدلولات تاريخية يمنية قديمة وعالمية، يجسّد فيها قصصًا قديمة، منها لوحات تحاكي الإنسان القديم ولغته ولباس حربه، لكنها في الأصل مصنوعة من الكراتين ومعلبات صدئة وعظام الحيوانات وجلودها: "في الأوقات التي أجد فيها أنه من الصعب أن أتواءم مع الظروف والضغوط جراء الحرب، أتجهُ نحو الخردوات حيث وجدت فيها متنفسًا جميلًا من خلال تعاملي معها، وعندما أتمكن من خلق تحفة فنية أو لوحة، أعلقها على جدار منزلي، وأشعر بالسعادة التي تشدني لصنع المزيد".

ولا يتحرج غالب من الوقوف في الشارع والتأمل في قطع الخردوات فهي التي تجذبه إليها من النظرة الأولى، فلا يشعر إلا وقد التقطتها يده وأصبحت في جيبه. والعشرات من اللوحات الفنية والتحف التي صنعها في منزله، نالت إعجاب الكثيرين الذين يزورونه بين الحين والآخر.

جسّد ياسين في إحدى لوحاته المصنوعة من حذاء مهترئ لوحة الصرخة، ومن طبق خاص بالبيض حرف ألف باللغة السبئية، بالإضافة إلى تشكيل درع حربي قديم من بقايا عظام بقرة، إضافة إلى صنع العديد من اللوحات والتحف، التي تخفي كل قطعة منها وراءها قصة تاريخية وتراثية، ولوحات تصور الواقع الذي تعيشه البلاد في الوقت الراهن. يبيع ياسين لوحاته لمن يرغب بشرائها، بالإضافة إلى أنه يوزع بعضها على أصدقائه.

في عام 1995، أقام ياسين غالب أول معرض فني بالعاصمة صنعاء للوحاته المصنوعة من الخردة، وكان متخوفًا من ردة فعل الجمهور السلبية، لكنه تفاجأ بردة فعلهم الإيجابية، بل عشقهم للوحاته التي سلبت ألبابهم بغرابتها وجمالها، فاقتنوها حتى آخر تحفة فنية، كما يقول في حديثه.

حرب مع أسرته

يعيش ياسين غالب مع زوجته فضيلة الحامد، وهي فنانة تطريز، في حرب مستمرة، فهي ترى أن منزلهما أصبح مستودعًا للمخلفات، فلا تكاد تخلو زاوية منه من الخردوات التي يجلبها ياسين معه بشكل يومي. عندما يخرج من المنزل، تقوم زوجته بجمع هذه المخلفات التي جلبها والتي لا ترى منها أي منفعة وترميها إلى خارج البيت.

في عام 1995، أقام ياسين غالب أول معرض فني بالعاصمة صنعاء للوحاته المصنوعة من الخردة

يوضح غالب حالة الصراع مع زوجته التي تنفر من الخردوات التي يجلبها معه، في كل مرة يعود إلى منزله: "كنت في بادئ الأمر أعيش في حالة حرب مع زوجتي، أجلب القطع من الشوارع وهي ترجعها إلى برميل القمامة، وتوقد بعض قطع الخشب في التنور، لكن عندما ترى اللوحات التي أصنعها تتوقف حينًا عن ذلك"، ثم يضيف: "بين الحين والآخر تجمع زوجتي الكثير من القطع التي ترى أنني لم أعد أحتاج إليها وترميها، لكن سرعان ما أجلب غيرها، وأبدأ بتحويلها إلى تحف فنية".

اقرأ/ي أيضًا: صالون نون.. أول ملتقى نسوي في اليمن

وعلى هذا المنوال، تستمر هذه التجربة التي تحّول كل ما هو مهمل وعادي إلى قطع فنية ملأى بالمعنى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الـمَدَاْعَة .. كيف المدخنين المفضل عند اليمنيين

4 من أشهر اللهجات اليمنية