10-أكتوبر-2017

ياسمينة خضرة

على مدار سنوات طويلة، تعوّد الروائي الجزائري رشيد بوجدرة (1941) أن يثير معارك ساخنة مطلع كلّ صيف، مع الروائي الطاهر وطّار، تجعل المشهد الأدبي منقسمًا بين منتصر للأوّل ومنتصر للثاني، فيما يحظى الطرف المحايد أو الرافض لكليهما بتهجّم الروائيين المتخاصمين معًا. وهو واقع جعل بعض الكتّاب الجزائريين يصفونه باللعبة المتفق عليها بينهما، حتى يلهيا المشهد بهما، وعن التجارب الجديدة.

يتهجّم رشيد بوجدرة على جميع من يحمل قلمًا في الجزائر، معرّبًا كان أم مفرنسًا، من الجيل القديم أم من الجيل الجديد

جعل رحيل الخصم الحميم الطاهر وطار عام 2010 رشيد بوجدرة يعتمد سياسة الأرض المحروقة، فيتهجّم على جميع من يحمل قلمًا في الجزائر، معرّبًا كان أم مفرنسًا، من الجيل القديم أم من الجيل الجديد، رغم أنه أكثر الكتّاب الجزائريين استقطابًا لتعاطف هؤلاء الكتاب معه، في معاركه المختلفة، بدءً باتهام الشاعر المغربي محمد بنّيس له بسرقة "بيان الحداثة"، في ثمانينيات القرن العشرين، والتي كشفها المفكر الجزائري المغتال بختي بن عودة، ووصولًا إلى ما اعتبرها إهانة من طرف تلفزيون النهار، الذي تهكّم، قبل أسابيع، على إلحاده، حيث خرج العشرات من المثقفين احتجاجًا على ذلك.

اقرأ/ي أيضًا: الطاهر وطار.. الحياة داخل الأسئلة الحارقة

توّج صاحب رواية"الحلزون العنيد" المرشّح أكثر من مرّة لجائزة نوبل نزعته نحو استفزاز الكتّاب الجزائريين، بتأليف كتاب سيكون حاضرًا في "معرض الجزائر الدّولي للكتاب"، نهاية شهر أكتوبر الجاري، في الجزائر العاصمة، أسماه"مهرّبو التاريخ"، ويقصد بعنوان الكتاب ومضمونه، حسب تصريحات له للصحافة الجزائرية، الكتّاب الجزائريين، الذين يستعملون اللغة الفرنسية، علمًا أنه هو نفسه بدأ يكتب بها ولا يزال، ويتاجرون، حسبه بصورتي ثورة التحرير والوطن، لينالوا رضا الناشر والقارئ الفرنسيين. ذكر منهم سليم باشي وكمال داود ومحمد مولسهول المعروف بياسمينة خضرا.

استفزّت هذه التهمة الثقيلة، في الأدبيات الجزائرية، ياسمينة خضرا (1955)، فنشر رسالة إلى رشيد بوجدرة، ترجمها إلى اللغة العربية الكاتب والمدوّن مسعود قايدي، جاء فيها: "أعلم أنك تتحرّق شوقًا لتتسلّم ردّي على هجومك اللاذع. واقتنعت بأن ازدرائي سيعذبك أكثر من صمتي، فهو سيجعل منك مثيرًا للسخرية التي سترضيك مثل الدودة في الفاكهة. قلت إنني لست كاتبًا؟ هذا حقك. لكن لماذا يجب أن تعاني بسبب ذلك إذن؟".

يجيب صاحب رواية "معرض الأوباش" (1993)، على سؤاله بنفسه: " لقد أردت أن تزرع الشكّ في عائلتي، وقد خسرت. لأنني محظوظ بزواجي من أروع النساء. هل تصفني بكلب الخدمة لدى الفرنسيين؟ لقد قاطعت المؤسسات الأدبية في فرنسا منذ عام 2008. أنت تشكك في جزائريتي؟ أذكّرك بأنه لما كنت تتجوّل في أزقة باريس خلال العشرية السوداء، كنت أنا أخوض حربًا ضروسًا ضد الجماعات الإرهابية. ولولا زملائي المقاتلين وآلاف القتلى لما عدت إلى وضع قدميك على أرض الجزائر مرّة أخرى".

ياسمينة خضرا لبوجدرة: لولا زملائي المقاتلين وآلاف القتلى لما عدت إلى وضع قدميك على أرض الجزائر مرّة أخرى

ويعرّج محمد مولسهول، الذي حمل اسمه الأدبي اسمي زوجته وابنته تكريمًا لهما، وهروبًا من رقابة المؤسسة العسكرية، التي التحق بها منذ نعومة أظافره، كما ذكر ذلك في نصه "الكاتب"، على مساره الأدبي بالقول: "أنا فقط روائي يسعى إلى جلب اهتمام قرائه، بدون بهرجة ولا ضجيج. بدون تهجّم أو حتى أقل درجة من العدوانية. أعمل بجدّ، حتى بتّ، اليوم، الكاتب الجزائري الأكثر مقروئية في الجزائر والمغرب العربي، ويملك أعمالًا مترجمة إلى خمسين لغة، بعشرة ملايين قارئ".

اقرأ/ي أيضًا: ألبرتو مانغويل: جزيرة العقاب

لا يمكن لأي بلد أن يتحرّر من دون أساطير، يقول ياسمينة خضرا مخاطبًا رشيد بوجدرة. ولا يمكن للشباب أن يقوى من دون مواهب. وإذا لم توفر بلادنا ذلك، نخلق لهم الفرص مثلما تفعل الأمم الفخورة بثقافتها. بدلًا من المسارعة إلى قطع كل رأس يبرز. يختم: "غفر الله قسوتك. وسأسامحك مع كل حزني".

يبدو أن رشيد بوجدرة قد وجد، أخيرًا، خصمًا يخلف الراحل الطاهر وطار، في إثارة المناوشات المتبادلة، لكن هل سنقرأ ردًّا له على رسالة مولسهول؟ وهل سيقبل هذا الأخير أن يلعب معه دور وطّار؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

رشيد بوجدرة.. المحكوم عليه بالازدراء مزحًا!

خوان غويتيسولو.. "الطائر المنعزل" يودّع مراكش