29-مايو-2018

ياسيمنة خضرا

يشتغل الروائي الجزائريّ ياسمينة خضرا "محمد مولسهول" (1955) في روايته "ليس لهافانا ربّ يحميها" الصادرة أخيرًا بالعربية عن "دار هاشيت أنطوان – نوفل" ترجمة حسين قبيسي؛ في منطقة سردية موازية لما أنجزه سابقًا، وذلك لجهة فحصه لتضاريس جغرافيات مختلفة، واستثماره لأحداث وتحوّلات عالمية في بناء عمارته الروائية. هكذا سوف يتّخذ من عودة العلاقات بين الولايات المتّحدة الأمريكية ونظام كاسترو في كوبا، فضاءً سرديًا لروايته هذه.

من خلال مغنٍّ في الحانات، يصوغ ياسمينة خضرا التحوّلات التي طرأت على المجتمع الكوبي وتحديدًا العاصمة هافانا.

من خلال "دون فويغو" الذي يُغنّي في أحد ملاهي هافانا الليلية، يصوغ ياسمينة خضرا التحوّلات التي طرأت على المجتمع الكوبي وتحديدًا العاصمة هافانا. سوف نتعرّف أوّلًا إلى دون فويغو عن كثب، والذي أوكل إليه صاحب "سنونوات كابول" السرد ليشرع في تقديمه لنفسه. يبدأ متسكّعًا في الحانات الشعبية التي يرتادها سكّان هافانا لقضاء ليلة موسيقية صاخبة تعوّض من بؤس الحياة. قبل أن يتحوّل لاحقًا إلى مغنّ يلهب بغنائه صالات الملاهي والحانات. ليجد نفسه أخيرًا منزوعًا من لـ "بوينا فيستا"، الملهى الذي أعطاه سنوات حياته كاملةً. إذ تبيعه الحكومة الكوبيّة بعد قرارات الخصخصة التي اتّخذها الحزب. وتاليًا، سوف يجد دون فويغو نفسه إزاء حياة أخرى يجهلها كمحصلة لألعاب رجال السلطة التي يختزل المدير السابق للملهى سطوتها بقوله "نحن جميعًا ملك الدولة يا خوان. بيوتنا، مساراتنا المهنية، مشاغلنا وشواغلنا، كلابنا ونساؤنا ومومساتنا، وحتّى الحبال التي سنشنق بها ذات يوم".

اقرأ/ي أيضًا: ياسمينة خضرة لرشيد بوجدرة.. أسامحك مع كلّ حزني

هكذا سوف تتكشّف خصخصة لـ"بوينا فيستا" وغيرها من الأملاك العامّة عن تشوّهات السلطة التي تسترُ عيوبها بقوّتها وبطشها، وتحوِّل شعارات الحزب والثورة الجوفاء إلى ستارة للفساد الذي ينخر الطبقة الحاكمة، والتي صارت بدورها سلعةً سهلة للرأسماليين. هنا، سوف يختزل دون فويغو المشهد الكوبيّ العام بقوله إنّ الثورة تحوّلت إلى "قطار لا يتحرك، لابثًا في مكانه بسبب عطل أصابه منذ سنوات".

ليس لهافانا ربّ يحميها

وعلى هذا النحو، سوف يستمر دون فويغو في تقديمه لنفسه ليتشكّل لنا انطباع كاف عن حياة هذا الرجل الذي يُمضي وقته في استعادة ذكريات هانئة من زمن مضى بعد فشله في إيجاد عملًا بديلًا لعمله في ملهى البوينا فيستا، بالإضافة إلى التجوّل في هافانا الذي يتعرّف إليها لتوّه بحثًا عن عمل وطردًا للملل والرتابة التي اتّسمت بها حياته بعد توقّفه عن الغناء، ليضعنا بذلك إزاء شخصيّات تعيش سحيقة الظل في متاهات السلطة، وتغرق في مستنقعاتها التي تنكشف عن أحوال شاقّة ومصائر مؤلمة لبشرٍ يعيشون تحت وطأة الفقر والعوز. سنتعرّف أيضًا إلى عائلة دون فويغو المفكّكة والمشتّتة بفعل انفصال زوجته عنه، والذي جاء كردّ فعل على انصرافه وتفرّغه للغناء والموسيقى على حساب إهماله لها ولأبنائهما.

تنقلب حياة الراوي بمجيء فتاة اسمها مانسي إلى هافانا بحثًا عن العمل. ظهور هذه الفتاة التي التقاها دون فويغو في محطّة القطارات المهجورة سوف تسرقه من حياته ليقع في حبها غير عابئ بفارق السنوات بينهما. هكذا يسرد تفاصيل علاقته بهذه الفتاة، والتي تنتهي بطعنها له عدّة طعنات تكاد تودي بحياته، لنكتشف لاحقًا أنّ مانسي تُعاني مرضًا نفسيًا، وأنّها مسؤولة عن عدّة عمليات قتل جرت في هافانا ليلًا. على الجانب الآخر، يعود دون فويغو مجدّدًا إلى الغناء، وتبلع شهرته أقصاها بفعل القصيدة التي كتبتها له مانسي، ولحّنها لاحقًا.

إنّ الثورة تحوّلت إلى "قطار لا يتحرك، لابثًا في مكانه بسبب عطل أصابه منذ سنوات"

اقرأ/ي أيضًا: الطاهر وطار.. الحياة داخل الأسئلة الحارقة

لا يكتب ياسمينة خضرا في "ليس لهافانا ربّ يحميها" رواية فنّية أو جمالية، بل، وكعادته، يكتب رواية يمكن تصنيفها في خانة "رواية المناسبة" التي تقتنص حدثًا ما لبناء حكاية روائية عليه. ولذلك، جاءت روايته هذه بلغة وأسلوب بسيطين، وحكاية لا تستدعي أي جهد للإحاطة بأحداثها وتفاصيلها، أي أنّها رواية تُقرأ بغرض التسلية لا أكثر، عدا عن أنّها تقدّم صورة بسيطة لمدينة هافانا وشغف ناسها بالموسيقى والحياة معًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مخلوف عامر.. ألوان السرد الجزائري

عبد اللطيف ولد عبد الله.. أن تكتب الجريمة