05-مايو-2019

الشاعر ياسر خنجر

ألترا صوت – فريق التحرير

عن "منشورات المتوسّط"، صدرت حديثًا مجموعة شعرية جديدة للشّاعر السوريّ ياسر خنجر تحت عنوان "لا ينتصف الطريق"، لتكون الرابعة بعد ثلاث مجموعاتٍ سابقة، هي؛ "طائر الحرية"، و"سؤال على حافة القيامة"، و"السحابة بظهرها المنحني". تُضاف إليها مجموعة صدرت بداية العام الفائت باللغة الإنجليزية بعنوان "جراح الغيمة"، ضمّت في متنها جزءًا من قصائد المجموعة الجديدة.

ياسر خنجر: أتعامل مع القصيدة كوسيلة للبوح بالقلق والرعب والخوف الذي أعيشه

عن مجموعته هذه، يقول ياسر خنجر في حديثه لـ "ألترا صوت" أنّها محاولة إضافية لتأريخ اللحظات التي تركت وتتركُ أثرًا فيه. يُضيف: "تتمثّل هذه المحاولة في إعادة صياغة هذا الواقع، وتقديمه في سياق قصيدة. أو، في بعض الأحيان، لا تحتمل اللحظة أن أخرجها من سياق الواقع، فتُحافظ على ما تحملهُ من ضجّة ضرورية. في نهاية المطاف، أعتقد أنّني لا أزال أتعامل مع القصيدة كوسيلة للبوح بالقلق والرعب والخوف الذي أعيشه. وكذلك الفرح والحب. كما أعتقد أنّني لا أزال على علاقة وثيقة قدر الإمكان مع مصادر هذه الانفعالات".

اقرأ/ي أيضًا: ياسر خنجر: تنازع مكانين في هويتي يزيدها اكتمالًا

يُتابع صاحب "على حافة القيامة" حديثه مُشيرًا إلى الصعوبة البالغة التي يواجهها حين يريد الإفلات من الهواجس التي تسكنهُ، ولا يستطيع مواصلة السير دون أن يُعيد صياغتها في القصيدة. ويؤكّد أنّ كلّ هذا يحدث على إيقاع المأساة السورية، والمجزرة المستمرّة التي يعيش تفاصيلها كاملةً رغم وجوده خارج حدودها. هكذا، وبحسب تعبيره، ينتقل أثر المجزرة من روحه ليظهر في القصيدة. فبشاعة الواقع تمكّنت من فرض حضورها في قصيدته كما يقول، رغم تمسّك قصائده بالحلم. ومن هنا تحديدًا، كانت "لا ينتصف الطريق" جزءًا من المأساة السورية. " السماءُ ذاتها/ كيف يصلحُ أن تكونَ يدًا للموتِ/وأفقَ الطائراتِ القاتِلَة/ ثم يصلحُ أن تكونَ حلمًا لصبيةٍ يلعبونَ/ وقلوبهم فراشات/ لا بدّ من خطأ وجوديّ".

يقول في قصيدة أخرى: "أنظرُ إلى جسدي بعدما صارَ جثّةً/ أنظرُ إلى الحزامِ الذي تركَ أنيابَهُ وشماً حولَ عنقيَ/ أنظرُ إلى العِظام التي نتأت في صدريَ/ إلى لحميَ المُتآكل/ جلديَ المُشقّقِ/ كاحِلي المَقضوم/ أنظرُ، فإذ بي أرى أحدَ عشرَ ألفَ جثةٍ/ قد تجمّعَت في جَسَدي/ أحدَ عشرَ ألفَ جثّةٍ تصرُخُ الآن". أو: "جثثًا نكونُ إذا لم يذرفِ القبرُ في أنفاسِنا وجعَ السؤال/ جثثًا نكونُ إذا ظلّ الجوابُ رهنَ هذا الغيبِ/ رهنَ السماءِ أو رهنَ المقبرة/ فاترك لنا -حينَ ترخي ظلَّك في وقتِنا – يا نبيّ الهاوية/ فسحةً مِن ترابٍ أوسَع من القبرِ قليلًا/ أعمَقُ مِن شَهقةِ الموتِ/ نَزرعها مَنيّ حلمٍ صغيرٍ/نَزرعُ الذكريات".

ياسر خنجر، ابن الجولان المحتلّة، لا يزال مسكونًا بالسجن الذي كتب فيه مجموعته الأولى "طائر الحرية"

ابن الجولان المحتلّة لا يزال مسكونًا بالسجن الذي كتب فيه مجموعته الأولى "طائر الحرية". لأجل ذلك، ولصعوبة الإفلات من الهواجس السابقة كما فهمنا من حديثه، إضافةً إلى أنّ السجن جزء من المأساة السورية؛ فرد في "لا ينتصف الطريق" حيّزًا واسعًا للسجن وحياة المساجين. يقول: "وما السجنُ إلّا حرش أجسادٍ/ تلبسُ الأشجارَ في سرّها/ علّ غصنًا شامخًا ينجو من الفأسِ أو يهزمُ الخريف". أو "في السجن تتكسّرُ الأجسادُ/ تهترئُ العيونُ/ وشيءٌ من القلبِ يَنفَطِر/ فما السجنُ إلّا عمراً من الكفرِ/ يغتابُ لحظةَ الحياة/ والحياةُ دومًا تنتصر".

اقرأ/ي أيضًا: "جراح الغيمة".. مختارات شعرية مترجمة لياسر خنجر

بالإضافة إلى ما سبق من قصائد، يقول ياسر خنجر إنّ هناك قصائد لا تحمل في شكلها الخارجي تفاصيل الأحداث الواقعية، ولكنّها متأثرة بها. فالفرح لا يأتي منقطعًا عن ظروفه، ولا الحب يعيش خارج واقعه. "الهواجس التي تحاول قصائد هذه المجموعة أن تحملها هي حبل سرة بين الحلم والواقع، وبين الخيالي والظرف الراهن. هي ما يشبهني تمامًا، دون فائض زينة، وما يشبه اللحظة التي أعيشها أيضًا".


من الكتاب

قنّاص

يهمسُ القنّاص في أُذنِ الرصاصةِ فيضَ لعنتهِ،

يُمسّدُ ظهرَها العاري

يُكفكفُ فضّةَ الأفقِ التي انسكبَت

على وهجِ النحاس، يُزيلُ دمعتَهُ النديّة.

يَنتَقي مِن بينِ آياتِ البلادِ رسولةً

كانَ الرصيفُ صلاةَ خُطوَتِها

وركعَتَها الأخيرةَ قبلَ بابِ البيتِ.

يغرسُ بينَ أضلُعِها

بُذورَ المعدنِ المصقول،

يَثقبُ قلبَها لهبٌ، مدرَّبةٌ رصاصتُه

على البوحِ بكلّ ضغائنِ الروحِ،

بكلّ حِرابها

وضبابها

وركام غايتِها الخراب.

 

يهمسُ القنّاصُ في أُذنِ الرصاصةِ نصفَ بَسملَةٍ،

 

يكسرُ نصفَها الثاني،

يُصيبُ صلاتَنا بالكفر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جوان تتر: لا يمكن تجميل الحرب

محمد الماغوط.. شاعر الشفوية المضادة