07-ديسمبر-2015

يظهر ياسر المناوهلي كناجٍ من مصير أقرانه من الهواة

من تصدروا المشهد بعد 25 يناير هم نُخبة من الهُواة، وهو الأمر الذي لا ينطبق فقط على المشهد السياسي أو العمل العام، لكن أيضًا على الحيّز الفني، والغنائي منه على وجه التحديد. ولعله كان موقفًا من الخِبرة، أو نتيجة لها، فالإيحاء الذي يصدر عن لفظة الخبرة كان وما يزال سلبيًا، عند قطاع كبير ممن يشار إليهم بـ "الثوار"، لما يتضمنه من إشارات إلى نظام مبارك والنُخَب القديمة المستتبة على مواقفها والمتشبثة بارتباطاتها التليدة. 

من تصدروا المشهد الثقافي والفني في مصر، بعد 25 يناير، هم نُخبة من الهُواة

من هنا يمكننا قراءة الأمر باعتباره صراعًا بين الخبراء والهُواة، بين الرتابة والتكلُّس والنظاميَة من ناحية، والحيوية والقلق والتَبَدُّد من ناحية أخرى. لا تبتغي هذه القِسمة الوصول إلى ثنائية مانوية، يتم وفقًا لها تقسيم العالم إلى أبيض وأسود، لكنها، على العكس من ذلك، وكما سأوضح لاحقًا، ستذهب بنا إلى رؤية المشكلات فيما بدا يومًا ما إيجابيًا ومشرقًا.

من بين مجتمع الهُواة هذا برز ياسر المناوهلي، بصوته الدافئ وغيتاره الذي بدأ في اللعب عليه منذ أن كان في الثانية عشرة من عمره، وهو لم يكن معروفًا على نحو كبير قبل أن يشتبك بأغنياته في ميدان التحرير خلال الثمانية عشر يومًا، وإلى الآن، وعلى الرغم من ظهوره التلفزيوني وأغانيه المصوَّرة، نجده محدود الشهرة مقارنة بآخرين. 

ويمكنني أن أرجع محدودية الشهرة هذه إلى العوامل التالية: أولًا، لم يُقدِّم المناوهلي نفسه كرجلٍ صَخِب كما هي الحال عند رامي عصام الذي يصرّ على علو الصوت وعنف الكلمة في أغنياته؛ ثانيًا، لا يبدو أن علاقات الرجل تمتد إلى البرجوازية القاهرية أو الإنتلجانسيا المصرية مقارنة ببعض الفنانين أو الفِرَق الغنائية، كفرقة "اسكندريلا"، التي سهلت لها علاقاتها سُبُل الصعود والتصدُّر؛ ثالثًا، لم يتكسب أو بتعبير أدق لم يُشييء هذا المغني الأربعيني فنّه، على الأقل إلى الآن، بحيث يدخل في سلك الإعلانات وعالم الأغنية الاستهلاكية كما هي حال "كايروكي"؛ فأغنيته تبدو مقاوِمة للتسليع ولأن تصبح "عادية" و"تبادلية" ومتاجرًا بها (Commercialisation)، إذا آثرت استخدام معجم ثيودور أدورنو الذي يرى أن الطليعية تقف حجر عثرة أمام وحش السوق الذي يسعى إلى التهام والاستحواذ على كل ما يقف أمامه.

أيضًا، على عكس باسم يوسف، وهو على رأس من برزوا من مجتمع الهُواة، الذي انسحق أمام الآلة الرأسمالية، بل، إذا أردنا الدقة، الذي دخلها منسحقًا وراضخًا بشكل كامل، لا يَظهر المناوهلي كشخص غايته إدراك السوق، وإنما كمقاوم ومجابه لآلة السوق المزمجرة. 

الطليعية تقف حجر عثرة أمام وحش السوق الذي يسعى إلى التهام والاستحواذ على كل ما يقف أمامه

وبينما يقوم يوسف بتمثُّل جون ستيوارت وجيمي فالون، يبتعد المناوهلي أغنية بعد أخرى عن المثال الليبرالي واللذة السوقية. وإذ يقف يوسف في صدارة من روجوا للإخوانوفوبيا، ضمن البروباغندا الإعلامية آنذاك، نجد أن المناوهلي قد غنى فيما بعد: "إخوانوفوبيا معمولي ومغسول بيه دماغي عاملاه الميديا، دايره وهتدور ع الباغي... صفحتنا غرقانه دم والناس الراضيه جابولنا الهم ما يتلم.. أنا تهت لما عرفت إنهم [:الإخوان] اللي خرموا الأوزون (؟!)، أنا خفت لما عرفت إنهم اللي حرقوا روما مع نيرون (؟!)، والغسّالة كانت أصلًا تليفزيون... عسكرني عسكر"!

لكل هذا، يظهر المناوهلي كناجٍ من مصير أقرانه من الهواة، حيث أفلت من البروباغندا الإعلامية والديماغوجيا الشعبوية وأكَّد نفسه كفنان عصي على التسليع.

اقرأ/ي أيضًا:

أكتوبر 1973.. الأيديولوجيا والشرعية

في ناصرية وساداتية السيسي