22-مايو-2023
Getty

خسارة الجولة الأولى من الانتخابات والبرلمان نتيجة غير متوقعة لدى المعارضة (Getty)

أشاعت نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا شعورًا بالإحباط في صفوف المعارضة التركية، إذ جاءت النتائج مخالفة للتوقعات واستطلاعات الرأي التي رجّح الكثير منها فوز المعارضة، وحسمت الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، الأمر الذي دفع  إلى ظهور تباين في تصريحات قيادات المعارضة، وتبادل للاتهامات حول المتسبب في الخسارة، مع حديث عن اقتراب تفسخ معسكر المعارضة التركية.

يترافق صعود الخطاب القومي الفج لدى المعارضة التركية، مع خسارة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية

بالتزامن مع خسارة المعارضة، ارتفعت نبرة الخطاب القومي في صفوف المعارضة بعد نتائج الجولة الأولى، حيث تشير صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، إلى أن حالة الإحباط واليأس من نتائج الانتخابات، "دفعت المعارضة إلى استخدام ورقة القومية، في محاولة لاستمالة القاعدة الانتخابية للتيارات القومية المتشددة". 

ولفتت الصحيفة في تقريرها إلى أن أحد كبار مستشاري المرشح الرئاسي للمعارضة كمال كليجدار أوغلو، توقع فوزه بالجولة الأولى، لكن النتائج أثبتت عكس ذلك، إذ حصل مرشح تحالف الجمهور رجب طيب أردوغان على 49,5% من أصوات الناخبين، مقابل حصول مرشح تحالف الأمة كليجدار أوغلو على 44,8%.

هذه النتائج أربكت المعارضة التركية، وأدت إلى حالة من الإحباط، حيث أظهرت مرشح المعارضة كليجدار أوغلو في مقطع مصور، يضرب الطاولة بقبضته فيه، ويصرخ قائلاً: "أنا هنا".

الانتخابات التركية 2023

واعتبرت الصحيفة البريطانية ظهور كليجدار أوغلو في المقطع بمثابة بداية التحول الصادم لمرشح المعارضة، وقالت إن حملته تحولت "من حديث عن الربيع وصور أشجار الكرز وإشارات القلوب، إلى خطابات عدائية تتعهد بطرد ملايين اللاجئين". 

وأضافت أن "هذه المحاولة اليائسة الأخيرة التي لجأ إليها كليجدار أوغلو تهدف إلى تغيير مسار الحملة قبل الجولة الثانية من التصويت، في 28 أيار/مايو 2023، ويتمثل التحدي الذي يواجهه في سد فجوة بالأصوات التي تبدو مستعصية أمام منافسه أردوغان".

وأوردت "فاينانشيال تايمز"، تصريحات للصحفي التركي كمال جان، قال فيها: إن "كليجدار أوغلو بدأ حملته متعهدًا بفتح أبواب الجنان، لكنه ينادي الآن بضرورة غلق أبواب الجحيم"، وأضاف: "حين يخفق الساسة في تركيا أو يحتاجون إلى نتائج سريعة يستخدمون بطاقة القومية".

وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن كليجدار أوغلو تخلى عن أية محاولات لإدارة حملته الانتخابية بشكلٍ إيجابي، والتي كانت تقوم على مناقشة القضايا الإشكالية، وبدلًا من ذلك اتجه نحو شن هجمات على الرئيس التركي أردوغان، متهمًا إياه "بأنه أخفق في حماية الحدود". وفي رده على اتهامات أردوغان المتكررة للمعارضة بـ"التحالف مع الإرهابيين"، اتهم كليجدار أوغلو أردوغان بالشيء نفسه. 

Getty

علامات يأس

من جهته، تحدث عضو برلماني سابق  عن حزب الشعب الجمهوري الذي يتزعمه كليجدار أوغلو للصحيفة شرط عدم ذكر اسمه، أن "تحول كليجدار أوغلو إلى اليمين، علامة على يأسه، وسيؤدي إلى نتائج عكسية في نهاية المطاف".

واتجه كليجدار أوغلو وتحالف المعارضة التركية، نحو الهجوم بشكلٍ كبير على المهاجرين وبالأخص السوريين منهم، في تصريحات عدائية وعنصرية، ضخمت أعدادهم في محاولة لـ"تخويف" المجتمع التركي منهم.

في هذا الإطار، يقول ألب كوكر، المحلل في شركة "JS Held" الاستشارية، إن "كليجدار أوغلو كان يستخدم دومًا هذه اللغة القاسية مع اللاجئين، لكن ما تغير هو لهجته العنيفة في نقل رسائله". 

وأشار كوكر إلى أن هذا "التحول قد يروق لقطاعات كبيرة من قاعدة حزب الشعب الجمهوري، رغم أنه قد يزعج بعض المؤيدين الليبراليين في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة، وقد يؤدي أيضًا إلى نفور الناخبين الأكراد اليساريين، الذين دعموا أوغلو بأغلبية ساحقة بعد أن أيدت المعارضة الكردية ترشيحه".

بدورها، ترى مديرة معهد إسطنبول للبحوث السياسية سيرين سيلفين كوركماز، أن "الطاقة التي حفزت تحالفًا كبيرًا من الناخبين لدعم كليجدار أوغلو قد تبددت إلى حد كبير، حيث تجنَّب قادة الأحزاب الخمسة الأخرى في التحالف، الصحافة والجمهور لأنه لا أحد يريد أن يتحمل مسؤولية هذه الهزيمة".

وأضافت كوركماز: "لو كان كليجدار أوغلو خرج ليلة الانتخابات، وألقى خطاب نصر لتمكن من تنظيم خطابه، لكنه تحول إلى فشل ذريع، والآن من الضروري أن يكون من ضمن أهداف استراتيجية المعارضة تعزيز الروح المعنوية لقاعدة انتخابية محبطة".

الطاولة السداسية في الطريق إلى النهاية

في هذا السياق، تظهر صورة تحالف أحزاب المعارضة الممثلة في "الطاولة السداسية"، بأنها ذاهبة نحو التلاشي، وما يعزز من هذه الفرضية هو صمت رئيسة حزب "الجيد" ميرال أكشنار، رغم انقضاء أسبوع على ظهور نتائج الجولة الأولى، التي لم يحقق فيها حزبها النتائج المتوقعة منه، بحسب استطلاعات الرأي. 

ويكشف عضو حزب الشعب الجمهوري جيواد كوك لصحيفة "العربي الجديد"، أن صمت رئيسة حزب "الجيد" ميرال أكشنار بعد نتائج الجولة الأولى، يندرج ضمن "استفحال الخلافات"، لكن في الوقت نفسه استبعد كوك أن تتحالف أكشنار مع الرئيس أردوغان كما بدأ يشاع في الأوساط السياسية مؤخرًا.

ويرى كوك أن ما يزيد مخاوف تحالف الأمة المعارض وجمهوره، هو إمكانية عدم انتخاب كليجدار أوغلو من قبل الحلفاء في "الطاولة السداسية" وجمهورهم خلال الجولة الثانية، وذلك بعد تحقيق "هدف الوصول للبرلمان"، بالإضافة إلى أن التوجه إلى استمالة شخصيات قومية متطرفة مصل أوميت أوزداغ، يزيد من احتمالات وقوع شرخ في التحالف مع الحزب الكردي.

وزاد لقاء مرشح تحالف الامة كمال كليجدار أوغلو مع زعيم حزب "النصر" القومي المتشدد أوميت أوزداغ، من ظهور الخلافات الإيديولوجية ضمن "طاولة السداسية"، وخروجها إلى العلن.

Getty

تشتت أصوات المعارضة

لا ينكر أعضاء بحزب الشعب الجمهوري، ازدياد الاضطراب والتشتت ضمن أحزاب المعارضة، بسبب عدم فوز مرشحها في الجولة الأولى، وهذا فتح الباب على تصاعد الخلافات ضمن التحالف نفسه أو بين التحالف والناخبين.

من جانبه، يتحدث عضو حزب الشعب الجمهوري شوكت أقصوي، لـ"العربي الجديد"، عن تشتت المعارضة قبل انطلاق الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية بعد "صفعة الجولة الأولى"، وعدم قدرة المعارضة على حسم الانتخابات الرئاسية، كما تحدثت استطلاعات الرأي، التي اعتبرها "مضللة" أو اعتمدت على "استمزاج الرأي قبل الانتخابات بعشرة أيام من خلال شرائح عمرية محددة، أو مناطق مؤيدة لحزب الشعب وتحالف الأمة بشكل عام". 

الحديث يدور حول إمكانية تشتت أصوات المعارضة قبل جولة الإعادة بعد أقل من أسبوع

ويضيف أقصوي، أن عدم تحقيق تحالف الأمة المعارض أغلبية المقاعد بالبرلمان، يعني ذلك "حرمانه من تحقيق أهم شعار في حملته الانتخابية، أي تغيير النظام الرئاسي إلى برلماني"، وهو ما زاد من تشتت أحزاب المعارضة، وساهم في تغير خطابها خلال الدعاية للجولة الثانية، بالتركيز على الخطاب القومي، والوعود بطرد اللاجئين من تركيا فورًا بحال وصول مرشحها إلى منصب رئاسة الجمهورية.