13-نوفمبر-2015

من الفيلم

يطل وودي آلن، بفيلمه السنوي هذه المرة بعنوان Irrational Man "الرجل اللا عقلاني"، مقدمًا لنا شخصية البروفيسور آبي لوكاس، أستاذ الفلسفة المرموق الذي يؤدي دوره الممثل البورتوريكي خواكين فينكس، ليلعب مجددًا على ثيمة البطل المصاب بالاكتئاب وأزمة منتصف العمر. السمّات الشخصية التي خولّت كِت بلانشيت لنيل جائزة الأوسكار عن دورها في فيلمه ياسمين أزرق Blue Jasmine العام 2013.

يبتعد وودي آلن عن أي تقنيات إخراجية مبهرة، ليواصل سيره في تيار معاكس لأفلام هوليوود التقليدية كبيرة الإنتاج

يضاف إلى ذلك، العناصر المعتادة التي صبغت أغلب أفلامه التي تسخر من الإنتلجنسيا الأمريكية (النيويوركية غالبًا) من مثقفين وفنانين وأكاديميين، باعتبارها ركنًا أساسيًا من أفلامه ونصوصه القصصية والمسرحية، وهي الشريحة الاجتماعية التي يعتبر وددي آلن أحد أبرز رموزها في القرن العشرين. فيما يأخذ النقد اللاذع من العلاقات العاطفية، ومؤسسة الزواج تحديدًا، حصة كبيرة من أسلوبه الكوميدي. بشكل أسس له نمطًا خاصًا فيما يعرف بسينما المؤلف، بوصفه سينمائيًا نادرًا ما يقدم إلى الشاشة نصًا ليس من تأليفه.

وكسائر أفلامه، يبتعد وودي آلن عن أي تقنيات إخراجية مبهرة ليواصل سيره في تيار معاكس لأفلام هوليوود التقليدية كبيرة الإنتاج. معتمدًا بشكل أساسي على الحوار الساخر والحبكة المليئة بالمواقف الغرائبية لشخصياته المضطربة، وهو هنا في "الرجل اللا عقلاني" يعرض انتقال البروفيسور النابغ الذي تسبقه سمعته الأكاديمية إلى الجامعة المنقول إليها حديثًا. بشكل يرسم حوله هالة كاريزمية توقع في غرامه زميلته ريتا التي تتورط معه في خيانة زوجية يحبطها فيها بروفيسور لوكاس، بافتقاره لأي رغبة جامحة لممارسة الجنس نتيجة لاكتئابه، فيما نرى على الجانب الآخر انسحاق طالبته جِل -قامت بدورها إيما ستون- أمام شخصيته التي تسحرها في مدى عمقها والإحباط الذي يتعاطى به بروفيسور لوكاس مع العالم من حوله.

لدرجة تجعل من شخصيته ومحاضراته مادة دائمة لحديثها حتى مع أسرتها وعشيقها الذي يواجهها بدوره بفكرة وقوعها التدريجي في غرامه. الأمر الذي تواصل في إنكاره إلى أن يثبت العكس في المشهد الذي تحاول فيه تقبيله في مدينة الملاهي، في حبكة بدت مكررة ومألوفة في أفلام آلن الذي دائمًا ما يقدم أبطالًا ساحرين أيروتيكيًا كتعويض سينمائي ربما لحياته العاطفية التي يبدو أنها ليست بهذا الشغف، ربما!

تكرار تناول هذه الثيمات ليس العيب الوحيد الذي وقع فيه "الرجل اللا عقلاني"، بل هو "اللا عقلانية" غير المقنعة التي حاول آلن تداركها في عنوان الفيلم لتبرير حبكته. حيث نرى فجأة البروفيسور لوكاس وقد انقلبت حياته رأسًا على عقب بشكل يحرره من حالة الاكتئاب ليجد دافعًا وهدفًا لمواصلة حياته ما أن يسترق السمع بالمصادفة، بصحبة طالبته جِل في أحد المطاعم، لأم تحكي بمرارة لجمع من معارفها القضية التي تواجهها في المحكمة والتي ستخسر فيها حضانة أطفالها لمعرفتها المسبقة بفساد القاضي الذي يتولى سير القضية. ليقرر بعدها البروفيسور لوكاس قتل هذا القاضي بالسم في خطة محكمة يدفعه لتنفيذها انعدام أي تعارض مباشر للمصالح أو المعرفة المسبقة بالقاضي، الذي يموت بالفعل في ظروف غامضة بالنسبة للشرطة التي لا تظهر أبدًا في الفيلم.

في فيلمه الجديد، حاول وودي آلن تكرار ثيماته المعروفة لتبرير حبكته الركيكة

يأتي هذا الحافز المفاجئ بعد أن نعرف مسبقًا أن وقوع بروفيسور لوكاس في حالة الاكتئاب نجم في الأصل عن مقتل صديقه المقرّب في العراق، إضافة إلى جملة اعتراضية عابرة في مجمل تعريفه بنفسه لطالبته وعشيقته اللاحقة جِل، بقضائه ستة أشهر في إقليم دارفور كضرب من ضروب التجربة الإنسانية المغايرة لرجل أبيض، رغم إحاطته المباشرة بهذه المآسي الدموية التي عاصرها، لم يتحرك ضمير لوكاس المضطرب وإحساسه الغامر بانعدام العدالة من حوله إلا من حادثة فساد قضائي بسيطة كهذه، وبمحض الصدفة، ولم تكن لتؤدي إلى توقيع عقوبة الإعدام على أحد بطبيعة الحال، متعاطفًا مع امرأة مجهولة بالنسبة له لم ير وجهها حتى في المشهد.

ضآلة المساحة الكوميدية في الحوار مقارنة بقدرة وودي آلن المعتادة على السخرية، وضعف الحبكة بشكلها غير المقنع، والاستسهال الواضح في تقديم المعالجة السينمائية للقصة، أصابت "الرجل اللا عقلاني" في مقتل باعتبار تلك العناصر هي الأرضية التي تقف عليها سينما وودي آلن، ولم يتبق هنالك إلا جودة الأداء التمثيلي الذي لن يقع فيه التقدير إلا للممثل نفسه، حتى وإن كنا على يقين أن إدارة الممثل هي مهمة تقع على عاتق المخرج بالأساس، وحتى الموسيقى التصويرية التي تميزت أفلامه بأنها نافذة سينمائية على كلاسيكيات موسيقى الجاز -التي يفضلها آلن بوصفه عازف ترومبيت محترف- بدت في هذا الفيلم كسولة باقتصارها على شريط موسيقي واحد ومكرر في معظم مشاهد الفيلم، بغض النظر عن الحالة الشعورية للشخصيات، متوترة كانت أم مرحة.

هذه الضربة غير الموفقة تعطي انطباعًا بأن وودي آلن إنما كتب هذا الفيلم وقدمه بحكم الواجب، حتى لا يمر العام دون أن يقدم فيلمًا لدور العرض، مع العلم أنه ومنذ العام 1971 لم تمر سوى ثلاثة سنوات لم ينتج فيها آلن فيلمًا، آخرها كان العام 1981، فيما كان يخرج في بعض السنوات فيلمين أو ثلاثة، ما يجعل في رصيده الآن 55 شريطًا سينمائيًا كتب معظمها بنفسه، كان "الرجل اللا عقلاني" واحدًا من أسوأها، كضحية لانحياز المخرج إلى كفة الكم في مقابل الكيف.

اقرأ أيضًا:

هناك قواعد للقتل أيضًا

فن الإتيكيت للخليلات.. كيف تكونين عشيقة ناجحة؟