24-مارس-2018

هل ستفيق مصر من الوهم الذي يرسمه السيسي؟ (Getty)

مشاريع بلا عائد لتسويق حملة انتخابية بلا منافسين، زيارة لقاعدة جوية بالبدلة العسكرية وجميع قادة المؤسسات الأمنية،  للتأكيد على دعم الجيش وقادته، ولافتات تملأ الشوارع، وأغاني في انتظار الراقصين على أبواب اللجان الانتخابية، التي يشرف عليها قضاة في حراسة الجيش والشرطة. ملايين الجنيهات تنفق على شبه انتخابات لا يٌعرف ضرورتها في ظل ضمان نجاح السيسي الذي سجن من أعلن فقط نيته الترشح ويتوعد من يفكر في المعارضة. الجميع يؤدي دوره كما أعد له، والرافضون يشاهدون فيلم ساذج بإنتاج رخيص، استفتاء كما يظن السيسي وقال للشعب "أوعى تسيب حقك لغيرك...انزل وقول لا"، رغم أنها انتخابات بالتصويت ولست رفض وموافقة.

الجميع  في مصر يؤدي دوره كما أعد له في مسرحية الانتخابات، بينما يشاهد الرافضون فيلمًا ساذجًا بإنتاج رخيص

حرق الأرض

بداية من  26 أذار/مارس الجاري وعلى مدار ثلاثة أيام، يمكن لنحو 50 مليون مصري أن يختار رئيسه القادم في الانتخابات الرئاسية الثالثة بعد ثورة 25 كانون الثاني/يناير، المنافسة هذه المرة شبه محسومة، عبدالفتاح السيسي الرئيس المصري ذو الخلفية العسكرية عبدالفتاح السيسي سيفوز على المرشح المغمور موسى مصطفي موسى الذي دفع به للانتخابات قبل خمسة دقائق من انتهاء فترة الترشح، وكان من داعمي السيسي، حتى أن الإعلام المصري الذي يدار من الأجهزة الأمنية لم يكلف نفسه لاستضافته ومناقشته في برنامجه.

اقرأ/ي أيضًا: السيسي ينافس نفسه.. الجيش يعتقل عنان بتهمة الترشح امام الجنرال

الانتخابات التي ستجري خلال أيام تعد الأكثر انتقادًا وسخرية حتى عن سابقتها في 2014، التي تنافس فيها السيسي مع المرشح اليساري حمدين صباحي وكانت أفضل من حيث الإخراج السياسي والإعلامي. لكن السيسي على ما يبدو لم يعد له صبر على تلك الأمور وتعمد حرق الأرض، وحارب لتكون الانتخابات الحالية 2018، بلا مرشحين في تمثيلية ضعيفة السيناريو والإخراج. واستخدم السيسي المؤسسات الأمنية والإعلامية، للإطاحة بالمنافسين الجادين، ولم يتردد السيسي في إعلان رفضه لوجود مرشحين وقال "إلى هيقرب من الكرسي يحذر مني". واستدعى الجيش في الخلاف السياسي وأغلق محاولات فتح المجال العام، وألقى بـ"رئيس الأركان" الأسبق سامي عنان في السجن الحربي بتهمة الترشح دون الحصول على إذن المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى جانب ضابط أخر برتبة عقيد، أعلن من قبل نيته الترشح للرئاسة، ومارس ضغوطًا على أحمد شفيق ليعلن الجميع الانسحاب، فاضطر خالد علي، المهدد بشهر حبس في قضية مصطنعة، للانسحاب أيضًا بعد تلك التجاوزات، كما انسحب محمد أنور السادات البرلماني المفصول.

لا يرى السيسي أنه بحاجة حملة انتخابية أو ظهور إعلامي، ليس فقط لانعدام المنافسين، بل تجنبًا لأي وعود "تلفزيونية"

وكان السيسي ونظامه يستعدان للسيطرة على تلك الانتخابات منذ سنوات على جميع المستويات، فأتم السيطرة على المؤسسات القضائية من خلال قانون يمنح الرئيس حق اختيار رؤساء المحاكم، وعلى مستوى الأجهزة الرقابية، وأصبح للرئيس الحق في عزل أي رئيس وهو لم يكن موجودًا من قبل، وعلى المستوى الأمني عزل السيسي، رئيس جهاز الاستخبارات، المخابرات العامة، وعين بدلًا منه مدير مكتبه اللواء عباس كامل في خطوة اعتبرها سيطرة كاملة على الأجهزة الأمنية، المخابرات والداخلية والجيش.
 

لا حملة ولا من يترشحون

في الانتخابات الرئاسية 2014، شكل السيسي حملة انتخابية، ولجنة شباب وكان مهتمًا بإجراء العديد من الحوارات مع إعلاميين عدة. تسببت تلك الخطوات التي يرضى عنها العسكري السابق في إحراجه، وظل لأكثر من أربعة أعوام ينتقد بشكل مستمر الإعلام، ويتمنى إعلام عبدالناصر.

وتكشف الانتخابات الحالية إلى حد كبير وجهة نظر وتفكير السيسي. فهي انتخابات بلا لقاءات تلفزيونية أو حملة انتخابية، تلك  اللقاءات السابقة مع إعلاميين وصحفيين كلفته بعض التعهدات كما حدث في حواره مع لميس الحديدي وإبراهيم عيسي عام 2014، عندما تعهد بتحسين الصحة والتعليم خلال عامين، وكذلك تعهده بعدم رفع الدعم على المواطن بشكل سريع، تلك التعهدات لم يحققها خلال سنوات حكمه، بل على العكس طالب بدعم النظام والتبرع والصبر، وفيما يخص الحملة فكان درس انقلاب حازم عبدالعظيم -رئيس لجنة الشباب في حملة السيسي، كفيل بعدم إعلان أي حمله ولا ضم سياسيين.

اقرأ/ي أيضًا: العثور على الكومبارس أخيرًا.. سارق أحزاب ينافس السيسي

فكان الحل الابتعاد عن هؤلاء الإعلاميين والسياسيين والاستعانة بمخرجة ليس لها أي خبرة على المناقشة والبحث والجدل لتقدم السيسي في فيلم "شعب ورئيس 2018"، وهو عمل أشبه بتقرير تلفزيوني دعائي ممل، وكرر فيه السيسي حديثه حول المرأة ودور أمه وزوجته في حياته، كما عاد من جديد إلى ترقيق صوته، ولم يأت بجديد غير احمرار وجه السيسي الذي لا يعرف سببه.

ولم يتبق من الصورة الذهنية القديمة للانتخابات غير لافتات تأييد للسيسي التى تنتشر بشكل مبالغ فيه، ولم تكن أغلبها محبة ولكنها تمت تحت إشراف ضباط الشرطة في كل دائرة في محافظات مصر، واستكمالًا بشكل قريب من انتخابات 2014، فكانت الاستعانة بصناع الأغاني التي اعتاد أنصار السيسي الرقص عليها أمام اللجان، وستكون من وأبرز تلك الاغاني صيحات "قالوا ايه" التي تحولت لأغنية راقصة رغم أنها تتحدث عن الضحايا من ضباط الصاعقة في سيناء، وهناك أيضًا أغنية لحسين الجسمي "مساء الخير" ولكنها هادئة لن ترضي طموحات الرقص في ثلاثة أيام الانتخابات، فيما اتجه الملحن عمرو مصطفي للمطرب حكيم ليغني "أبوالرجولة" بعد خلاف بينه وبين الجسمي عقب واحدة من أهم تجارب أغاني الرقص أمام اللجان "قوم نادي". من المتوقع أن تحضر من بين  تلك الأغاني بقوة أغنية  تسلم الأيادي باكورة أغاني الرقص منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي.

دعم الجيش واستغلاله

لا يهم السيسي تهميش الجميع ولكن تلك السياسة توقفت عند مؤسسة الجيش وظل يتعامل بحذر مع الجيش ويسعى لإرضاء قادته بكل الوسائل. كيف لا وهو الذي تخلص له هذه القيادات من بين كل المنافسين، الجيش المصري الذي لا يستطيع السيسي عزل وزيره الحالي صدقي صبحي بسبب مادة في الدستور، يعد أحد ركائز دعم النظام الحاكم في مصر.

تكشف الانتخابات الحالية الكثير من آليات عمل ومنهجية السيسي، سواء تجاه مؤسسات الدولة أو الإعلام

وقبل ساعات من إعلان الصمت الانتخابي، زار الرئيس المصري وفقًا للمتحدث العسكري قاعدة جوية  سيناء، وخلال الزيارة ارتدى بدلته العسكرية القديمة ليذكر الجميع بأنه وزير الدفاع وقائد الجيش السابق، واصطحب معه أهم رؤساء المؤسسات الأمنية في مصر، وزير الدفاع والداخلية ورئيس الأركان وقادة الأفرع وكبار قيادات القوات المسلحة ومدير مكتبه ورئيس جهاز المخابرات العامة المؤقت، عباس كامل، وكانت حجة السيسي أن الزيارة للوقوف على آخر تطورات الحملة على الإرهاب في سيناء. بينما يشكك البعض في سبب إعلان الحملة على الإرهاب في تلك الفترة التي تسبق الانتخابات، يفرض التوقيت إعلانها والتي يعتقدوا أنها محاولة لتسويق السيسي وتجاوز أكبر الملفات التي فشل فيها وعلى رأسها "الإرهاب في سيناء"، إلي جانب الملف الاقتصادي وملف الحريات بأكمله,

ومنذ إعلان المجلس العسكري في كانون الثاني/يناير 2014، موافقته علي ترشح السيسي للانتخابات الرئاسية في نفس العام، والسيسي يستخدم السيطرة على الأعمال في مصر من بناء وطرق ومشروعات كبري، ويلوح به في بعض المرات لتهديد معارضيه، كما حدث في كانون الثاني/يناير الماضي خلال افتتاح الإنتاج المبكر من حقل ظهر قال "احذروا. الكلام اللي حصل من 7 أو 8 سنين، يقصد ثورة 25 يناير، (....) والله أمنك واستقرارك يا مصر، ثمنه حياتي، وحياة الجيش"، ولم تكن المرة الأول فمن قبل هدد بانتشار الجيش، واستخدم السيسي الجيش ضد منافسيه في تلك الانتخابات وظل ذلك عندما صدر قرار من الأمانة العامة للجيش باعتقال سامي عنان رئيس الأركان السابق، وكذلك العقيد أحمد قنصوة الذي اعلن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية، كما صمت الجيش على ما  حدث مع أحمد شفيق، رئيس وزراء مبارك الأخير وقائد الطيران الأسبق، الذي أرغم على الانسحاب من الانتخابات الحالية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رحلة السيسي للبحث عن جهاز أمني من أبنائه 

تعلم العربية من الثورة المصرية