28-سبتمبر-2016

قبل أيام قليلة، أعلنت إحدى دور النشر المصرية الصغيرة على صفحتها الفيسبوكية عن موعد صدور كتاب بعنوان "ولاد المرة" للكاتبة والفنانة التشكيلية ياسمين الخطيب، مع نشر غلاف الكتاب الذي يحمل صورة الكاتبة. الكتاب الذي يضم "مجموعة من مقالات متخصصة في قضايا اجتماعية معنية بهموم المرأة العربية" بحسب الإعلان الرسمي كان يمكن أن يمر مرور الكرام مثل غيره من الكتب التي تصدر ولا يقرؤها أحد، ولكن لأن مؤلفته مشهورة للغاية في أوساط ثقافية عدة، معطوفًا على عنوانه الذي رآه البعض جريئًا أو خادشًا للحياء؛ انفجرت ردود أفعال مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من المصريين غزيرة ومتباينة في الساعات التي تلت خبر اقتراب صدوره، حيث بدأ ما يشبه حربًا افتراضية بين فريقين، أحدهما مؤيد والآخر معارض، بسبب العنوان، وفي الأثناء تداخلت خيوط أخرى بداخل المعركة الحامية.

مع موهبة يضع الكثيرون علامات استفهام متباينة حولها، واحتفاء ذاتي بالجمال يصل حد النرجسية المفرطة، ورقم يصل إلى 282 ألف متابع، وصفحة مخصصة للإعجاب بجمال ساقيها؛ من المؤكد أنها توقعت مثل هذا الجدل الفيسبوكي

العنوان بطل الأزمة تعود قصته إلى مقال نشرته الخطيب في موقع صحيفة "التحرير" القاهرية في آب/أغسطس من العام الماضي تحت عنوان "كل الرجال أبناء مرة"، ويناقش المقال خجل المصريين والعرب من النداء باسم الأم، إذ تستنكر الكاتبة السبب الذي يجعل اعتبار النداء باسم الأنثى مسبةً وتحقيرًا، وتتعجب من احتقار الأنوثة والأمومة لدى المصريين حتى يصل بهم الأمر لاختراع شتيمة من نوعية "ابن المرة". لم يلتفت الكثير إلى المقال في حينه رغم وجاهة موضوعه ولمسه أزمة مزمنة تتعلق بالذكورية في المجتمع المصري، غير أن الحياة عادت من جديد للمقال، بل إن حربًا سيبرية قامت حين قررت الكاتبة إعادة نشر مقالها في كتاب جديد يضم مجموعة من المقالات بعد أن اختارت "ولاد المرة" عنوانًا له.

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. فضيحة في "الكونسرفتوار"

في مقابل الهجوم الذي تعرضت له ياسمين الخطيب، لقت الكاتبة والفنانة التشكيلية دعمًا أيضًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وانتقد بعضهم من ينتقدون الكتاب من قبل أن يقرؤوه. بدورها دافعت ياسمين الخطيب عن نفسها وكتابها، ونشرت على صفحتها الشخصية على "فيسبوك" منشورًا، صنفت فيه مهاجميها لفريقين، فريق من خارج الوسط الثقافي، وفريق من داخل الوسط الثقافي، وقالت إن المثقفين يغضون الطرف عن نماذج لعناوين مثل كتاب "ما فعله العيان بالميت" لبلال فضل، وفيلم "واحد صحيح" لتامر حبيب، في حين أنهم ينتقدونها في المقابل.

ياسمين الخطيب ليست غريبة عن معارك إثارة الجدل والقيل والقال. ومع موهبة يضع الكثيرون علامات استفهام متباينة حولها، واحتفاء ذاتي بالجمال يصل لحد النرجسية المفرطة في الاستعراض، ورقم يصل إلى 282 ألف متابع على فيس بوك، وصفحة مخصصة للإعجاب بجمال ساقيها والكثير من عبارات المديح والشتيمة على السواء؛ من المؤكد أنها توقعت مثل هذا الجدل الفيسبوكي بسبب عنوان كتابها الذي لم تعط أي تفاصيل تتعلق به. اكتفت الكاتبة، التي تعرف جيدًا كيف تسوِّق نفسها، بعنوان مثير سرعان ما سيجد من يتلقفه ليصنع منه "تريند" على الفضاء السيبري لساعات -وما أكثرهم-. لم يخيب المتابعون ظنها وكبرت شرارة الحرب فجاء من رأى في العنوان "إهانة لعادات وتقاليد المجتمع المصري" بكتالوج المحافظين المصريين المعتاد، وفي المقابل انبرى آخرون في الدفاع عن الكاتبة تحت لافتات "حرية التعبير" و"تمكين المرأة" و"محاربة النجاح" وغيرها من أسباب تظل دوافعها الحقيقة كامنة بداخل قائلها. كلام كثير "انفرط" في هذه المكلمة المتسارعة والمتكورة ككرة ثلجية رغم علم الجميع بأن "كله بيعدّي" وأنه في اليوم التالي لن يتذكر أحد ما حدث، أو على الأقل سينشغل بغيره وسيقول كلامًا جديدًا، وغالبًا سيكون بنفس الحماس السابق!

على مقهى في وسط البلد، قلب الحياة الثقافية في العاصمة المصرية، يقول روائي شاب إن المصريين تافهون، فيرد عليه مجالسه بابتسامة ساخرة ليخبره بأنهم يختارون قضاياهم المثيرة للنقاش بذكاء لا مثيل له: يختارون مسائل غير مهمة، أزمات مفتعلة، طارئة وعابرة، ليشغلوا أنفسهم بها ويخرجون ما بداخلهم من مشاكل مؤجلة الحل وأسئلة معلقة تنتظر حسمًا لا يجيء، في وقت تتماهى فيه الخطوط بين ما هو صحيح وما هو مقبول وما هو غير ذلك. وما بين هذا الرأي وآراء أخرى يختزنها أفراد مجتمع يمور بأزمات الهوية ولم يحسم أمره بعد في ما يخص الكثير من البديهيات، تتوه الأولويات في متاهة الجدالات الطارئة والعابرة.

اقرأ/ي أيضًا:
"نمنمة" الثقافة المصرية تبدأ بجريدة "مسرحنا"
"ولاد المرة".. آخر تجليات شهوة الشهرة في الكتب