22-يناير-2019

سلطان المداحين أحمد التوني (يوتيوب)

هي تجربة فريدة لمن ارتشف من بحرها، فغاض غمارها مترنحًا ما بين الجمال والجلال؛ أن "تمدح" مُتوفى لا أن "ترثيه" كما جرت العادة في رثاء المتوفين، غير أن "طه الزين" باقٍ عند هؤلاء بروحه ونوره.

المديح تجربة فريدة لمن ارتشف من بحره فغاض غماره مترنحًا ما بين الجمال والجلال. فهم يمدحون النبي محمد و لا يرثونه لأنه باقٍ عندهم بروحه

وللمداحين في مدحهم مذاهبُ، و"كل من رسول الله ملتمس غرفًا من البحر أو رشفًا من الديم". ولمّا كان المديح وصلًا وقربًا، وتغنيًا بالمحبوب وفي الحب به، سبق إلى ركبه رجال من مصر قصروا جهودهم عليه، واكتفوا، وكادوا أن يكفّوا ظمأ العطشى لكأس العشق.

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. طبقات أشعار الدراويش

إنهم "ولاد المدد" كما تغنى فيهم المداح طارق عبدالرحمن بـ"رموزٍ لن يفهمها إلا الدراويش"، فقال: "إحنا ولاد المدد.. وإحنا العاشقين في الزين.. فينا خمورجية وفينا حشاشين وفينا شوارعية وفينا نصابين".

 

1. عبد النبي الرنان

عام 1950، وفي القرية التي أنجبت الشيخ المداح أحمد برين؛ ولد عبد النبي عبدالعال محمدين، ولقب بـ"الرنان" نظرًا لرنين صوته في ليالي المديح التي كان يقيمها برين نفسه. 

لكن الرنان، وإلى جانب المديح، كان يغني "الكف الصعيدي" وبرع في الاثنين، حتى أنه مزج بينهما ليخلق لونه الخاص، الذي أبدع فيه حتى لُقِّبَ بـ"مداح الكف".

صنع لنفسه آلة إيقاع تشبه الطبلة، جعلت لمدائحه لونًا خاصًا، حتى أنه أقسم ألا يتركها حتى يموت‏. وجاب كثيرًا من الدول الأفريقية،‏ فضلًا عن دول عربية وأوروبية.

بعد أن فقد ساقه بسبب السكري، خفت بريق الرنان قليلًا، لكنه ظلّ متمسكًا بالمديح، وبطبلته كما وعد، حتى توفي في 18 آب/أغسطس 2009.

2. طلعت هواش

في أربعينات القرن الماضي، ولد الشيخ طلعت عبدالموجود هواش في قرية كفر شبرا اليمن بمركز زفتى بمحافظة الغربية. 

وكانت قرية شبرا اليمن وقرية كفر شبرا اليمن، تتميزان بكثرة حفظة القرآن والأزهريين.فتتلمذ هواش على يد أحد المحفظين، وخلال صحبته لشيخه هذا نهل منه المقامات وفن التواشيح.

وكان في القريتين مقامان لاثنين من الأولياء يقام لكل منهما مولد سنوي، فبدأ هواش بإقامة ليالي المولدين بالمديح والابتهالات، حتى ذاع صيته، والتحق بالإذاعة المصرية في الثمانينات.

 كان له أداء مميز عن غيره من المداحين، يبلغ وهجه في تواشيح الفجر، ما جعله صاحب أشهر المدائح النبوية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.

3. أمين الدشناوي

للشيخ أمين الدشناوي قصة خاصة في سلوك طريق المدح. ولد الدشناوي في السبعينات بمركز دشنا في محافظة قنا بصعيد مصر. 

ومنذ كان في التاسعة جذب للمديح، الأمر الذي رفضه والده بشده، وعامله بقسوة في كل مرة عرف أنه مدح في مولد أو بين أي جمع، حتى أنه حبسه ليرغمه على ترك المديح.

غير أنه، وكما يقول الدشناوي بنفسه، "قابل أحد الأولياء الصالحين والدي، وقال له: أمين معنا، فاتركه لحاله"، ومنذ حينها تركه والده، وسطع نجم الدشناوي، وأصبح يُلقب بـ"ريحانة المداحين".

ينغمس الدشناوي في المديح تمامًا حين يؤدي: يغمض عينيه، ويخفي نصف وجهه بيده اليسرى، منتقلًا من الصحو إلى الفناء في صاحب المديح. "أرى أنوارًا وتجليات وصفاء. أرى الحب"، يقول الدشناوي عن نفسه لمّا يبدأ المديح.

مهد له أسلوبه الخاص الطريق ليكون ثاني عربي بعد أم كلثوم يقف على خشبة مسرح شاتليه، ويكرمه بعدها الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك.

4. أحمد برين

حالة انفرد بها "شيخ المداحين" أحمد برين عن غيره، اعتمد في أدائها على ارتجاله مواقف مقتبسة من القرآن أو السيرة، ضابطًا إيقاعاته كأغلب المداحين بالدف والطبلة، بصبغة تقترب كثيرًا من صبغة حلقات الذكر. 

ولد برين عام 1944، بقرية إسنا في محافظة الأقصر، وحصل على إجازة أصول الدين من جامعة الأزهر، ليبدأ رحلته مع المديح بإحياء حفلات الموالد بالأقصر، التي خرج منها لعدد من دول العالم. مدح برين النبي محمد، ومدح الحب، ومدح السيدة مريم العذراء في احتفالات ميلادها بالصعيد.

 رحل الشيخ برين في تموز/يوليو 2015 بعد أن كان آخر لقاء بينه وبين مريديه وسميعته عام 2009 على مسرح الجنينة بحديقة الأزهر في القاهرة، وقد ترك مدرسة استلهم منها من بعده مداحون كثر.

5. ياسين التهامي

"لا يمكن أن نعتبر أنفسنا قد انتهينا من دراسة ابن الفارض إلا اذا سمعنا أشعاره بصوت الشيخ ياسين التهامي"، أو كما قال الأب الكاثوليكي الإيطالي جوزيبي سكاتولين عام 2003، بعد أن قضى سبع سنوات في تحقيق ديوان ابن الفارض. 

ياسين التهامي أحد أشهر المداحين في مصر والعالم العربي، اعتمد في مديحه على أشعار متصوفة بارزين مثل ابن الفارض والحلاج وابن عربي، منتقلًا بالإنشاد الديني الشعبي إلى مقامات تربع على عرشها على مدار عقود.

ولد "سلطان العاشقين" عام 1949 في قرية الحواتكة بمركز منفلوط في أسيوط بصعيد مصر. وتلقى تعليمه في المعاهد الأزهرية حتى انقطع عن الدراسة لظروف خاصة. 

تأثر منذ طفولته بما كان يسمعه في حفلات الذكر التي كان يقيمها والده، فظهر حبه للنبي محمد ومدحه مبكرًا، فانقطع يقرأ الأشعار لأكابر الصوفية، ثم مدح بها.

6. أحمد التوني

"ضرب ناقوسي في ديري تحركت الصلبان.. ولراهب الدير أكلمه كلمة واحدة.. يكلمني الكلمة على كل لسان. قال لي: موسى وعيسى والمسيح والأنبياء كلهم يهدوا إلى طريق الرحمن"، كلمات تغنى بها التوني في إحدى تجلياته، ليلخص بها "ساقي الأرواح" مناجٍ مدرسته الخاصة في الإنشاد الصوفي، والتي لم يستطع أحدٌ قبله أو بعده أن ينافسه فيها، حتى أنجب تلاميذه، ومنهم التهامي.

ولد التوني أو "سلطان المداحين" عام 1932 بأسيوط. وسرعان ما أصبح أشهر مداحي الصعيد، ثم العالم. انتهج طريقًا خاصة في المديح، وكان يعتقد في وحدة المحبة وشمولها، وأن الطريق إليها "بعدد أنفس الخلائق"، فتغنى بها على لسان موسى وعيسى كما على لسان محمد، ومدح "كلمة الله" و"كليم الله" كما مدح "طه الزين".

وكما كانت له مدرسته الخاصة في مضمون المديح كانت له طريقته الخاصة في أداء المديح، فاشتهر بكاسه الذي صحبه بأداء المديح والدق عليه في أعلى تجلياته. توفي التوني عام 2014، ويُحاجج مريدوه بأنه ليس كمثل "سلطان المداحين" مداحُ.

7. العربي فرحان البلبيسي

إلى جانب طلعت هواش، برز العربي فرحان البلبيسي كأحد "أولاد المدد" من دلتا مصر تحديدًا من محافظة الشرقية، وقد غلب على المداحين أنهم من صعيد مصر.

قدّم البلبيسي المديح في صورة غناء شعبي. ولاقى لونه المميز انتشارًا واسعًا، حتى أن مديحه بات يُستخدم في إحياء الأفراح في الأرياف والمناطق الشعبية في مصر.

كانت لسلطان المداحين، التوني، طريقة خاصة في المديح. وكان يعتقد في وحدة المحبة وشمولها فمدح "كلمة الله" و"كليم الله" كما "طه الزين"

كان البلبيسي من أوائل من مزجوا بين المدح والوعظ، حيث كان يبدأ إنشاده بأبيات في حب الله والنبي محمد وآل البيت، حتى ينتهي بعظة الإنسان من مصيره في الآخرة وحثه على عمل الخير. وكانت هذه مدرسة البلبيسي التي لامست شغاف قلوب شريحة عريضة من أبناء الطبقات الشعبية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الرقص الاعتقادي في مصر.. دروب الخلاص

الضمة البورسعيدي.. تاريخ البهجة والتهجير