28-مارس-2019

يسعى الاتحاد الأوروبي إلى ترحيل مشكلة اللاجئين بعيدًا عن شواطئه (Getty)

من المتوقّع أن يقوم الاتّحاد الأوروبّي في شهر نيسان/أبريل بوقف ما يعرف باسم عمليّة "صوفيّا" لتسيير دوريّات بحريّة لإنقاذ اللاجئين في البحر المتوسّط والتي استطاعت فعلًا إنقاذ آلاف البشر عبر السنين الماضية. وقد صدر تعليق من الاتّحاد بأنّ مهمّة العمليّة التي تنتهي يوم الأحد المقبل الذي يصادف 31 آذار/مارس لن يتم تجديدها.

يلقى ملف اللاجئين محاولات التفاف وتلفيق أوروبية شاسعة، خاصة مع تصاعد اليمين الشعبوي وعدم جذرية الخطاب الحقوقي لدى القوى التقليدية في قيادة الاتحاد الأوروبي

"صوفيّا" هي عمليّة عسكرية للإنقاذ البحري للمهاجرين واللاجئين في البحر الأبيض المتوسّط  انطلقت عام 2015 لضبط الحدود البحريّة ومنع المهربين وتجّار البشر من تهريب الناس إلى أوروبّا في ظروف تعرّض حياتهم للخطر استغلالًا لحاجتهم الماسّة للفرار من الحروب والنّزاعات التي تهدّد بلادهم الأصليّة. وأتت تسمية العمليّة على اسم طفلة صوماليّة ولدت في فرقاطة ألمانيّة في عرض البحر بعد أن تم انتشال والدتها من الغرق.

اقرأ/ي أيضًا: سفينة أكواريوس وسياسات الهجرة الأوروبية.. استخفاف بالأرواح

 وكان من المقرّر أن يجتمع ممثلو دول الاتّحاد التي يبلغ عددها 28 دولة في العاصمة البلجيكيّة بروكسيل يوم الاثنين القادم لتقرير إذا ما كانت مهمّة العمليّة ستمدّد للمرّة الأخيرة حتّى نهاية شهر حزيران/يونيو القادم، بحسب طلبٍ تقدّمت به إيرلندا لتمديد المهمّة حتّى إجراء الانتخابات الأوربيّة أواخر شهر أيّار/مايو المقبل، إلّا أن الحكومة في إيطاليا عارضت أيّ تمديد، بل ورفضت استقبال أي سفينة تحمل على متنها لاجئين ومهاجرين خلال السنتين الأخيرتين.

وبالطّبع فإنّ غاية مهمّة "صوفيّا" بوقف الاتجار بالبشر وتهريبهم من السواحل الليبيّة إلى القارّة العجوز لم ترَ النجاح فعليّاً رغم انخفاض أعداد الواصلين، بسبب إغلاق إيطاليا لمرافئها بوجه السّفن التي تقلّهم والتي يتبع معظمها لفرق الانقاذ البحري.    

تنصّ القوانين الدّوليّة البحريّة على أنّ السفن العسكريّة المتواجدة في البحار ملزمة بإنقاذ أي مركب أو سفينة قريبة تتعرّض للغرق أو يتعرّض ركّابها لأخطار البحر، من أجلّ هذا كانت قيادة عمليّة "صوفيّا" والتي تتّخذ من روما مقرًّا لها ترسل السفن إلى نقاط بعيدة عن مسارات سفن اللاجئين لكي لا تخضع إلى هذا الإجبار ولا تضطرّ إلى الاشتباك مع مهرّبي البشر، الأمر الذي اعتبره كثيرون مضيعة للجهد والوقت والمال الأوروبّي.

وكانت المهمّة قد جدّدت نهاية عام 2018 لثلاثة أشهر إضافيّة نظرًا للتدفّق المستمر للّاجئين والمهاجرين القادمين عبر البحر إلى أوروبّا، في محاولة للتفاوض مع إيطاليا لقبول جزء من هذه الأعداد، ذلك بعد استقبال إسبانيا وفرنسا وألمانيا لدفعات من المهاجرين الذين تمّ انتشالهم بواسطة سفن "صوفيّا"، غير أن نائب رئيس الوزراء ووزير الداخليّة في الحكومة الإيطاليّة اليمينيّة ماتيو سالفيني، كان له موقف متصلّب للغاية، حيث رفض استقبال أيّ شخص في بلاده رفضًا قاطعًا بعد أن استقبلت نحو 150 ألف مهاجر ولاجئ منذ بداية أزمة اللاجئين عام 2015، كما عارضت إيطاليا مقترح تمديد المهمّة الذي تقدّمت به إيرلندا لعدم استغلالها في الانتخابات الأوروبيّة، ورفضت مالطا بدورها استقبال أي مهاجرين فيما أعلنت إسبانيا وألمانيا وفرنسا عدم استعدادها لقبول المزيد من الأعداد في حال انتشال أي مهاجرين في عرض البحر من جديد.  

وعلّقت فيديريكا موغيريني منسّقة العلاقات السياسية في الاتّحاد الأوروبّي في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي قائلة: "إذا لم نتوصّل إلى اتّفاق قبل نهاية الشهر، فإنّا سنضطر آسفين إلى الوقف والإقفال الكامل لمهمّة بعثة الإنقاذ التي أدارتها الجيوش الأوروبيّة طوال أربعة سنوات".

بديل "صوفيّا"

لكنّ فريق موغيريني يعمل على وضع خطّة بديلة لعمليّات الإنقاذ لا تشمل السفن البحرية، بل تجديد مهام طائرات المراقبة التّابعة لعمليّة صوفيّا لمدة ستّة أشهر إضافيّة. بالإضافة إلى وضع خطّة لتدريب خفر السواحل الليبيّة والتونسيّة لضبط سواحلهم ومياههم الإقليميّة وبالتّالي منع سفن التهريب من الخروج باتّجاه أوروبّا.

اقرأ/ي أيضًا: فظائع الجرائم ضد اللاجئين والمهاجرين.. متى تُحاسب عليها "الجنائية الدولية"؟

لكنّ مصادر في الاتّحاد استبعدت أن يكون لهذه الخطّة أثر فعلي نظرًا لأنّها تتطلّب شهورًا من التحضير والتدريب. غير أنّه قد تمّ إجراء تدريبات وتزويد بالمعدّات التقنيّة بالفعل مع فريق مكوّن من 300 من خفر السواحل الليبيّة، الأمر الذي أدّى على الأرض إلى انخفاض تدفّق أعداد اللاجئين، وعلى الرّغم من أنّ التدريبات شملت مراعاة قيم حقوق الإنسان في التعامل مع المهاجرين، إلّا أنّ العديد من المنظّمات الحقوقيّة قد أشارت في تقاريرها إلى خروقات جسيمة تمّت بحق الناس في محاولاتهم الشروع بالهجرة، خصوصًا بعد منع المنظّمات وقواربها من الاقتراب لانتشال الغرقى في البحر وحصر المهمّة بالسفن الحربية.

"صوفيّا" هي عمليّة عسكرية للإنقاذ البحري للمهاجرين واللاجئين في البحر الأبيض المتوسّط  انطلقت عام 2015 لضبط الحدود البحريّة ومنع المهربين وتجّار البشر من تهريب الناس إلى أوروبّا

يضاف هذا إلى عجز أوروبّا عن احتواء أزمة اللاجئين من جهة، وخطر انهيار الاتّفاق الأوروبّي مع تركيا الذي لا زال قائمًا من جهة أخرى، واحتمال اندلاع المزيد من الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتدفّق المزيد من اللاجئين إلى أوروبّا. ناهيك عن تصاعد الشعبويّة واليمين المتطرّف الذي استطاع الوصول إلى الحكم عبر الانتخابات في عدّة دول أوروبيّة وتراجع الدعم الشعبي لسياسات احتواء اللاجئين في معظم الدّول، في ظلّ ترقّب لما هو قادم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لا تبطلوا إيواء اللاجئين السوريين بالمن والأذى

الدعارة مقابل العبور الآمن.. سيرة قسرية للأطفال اللاجئين في إيطاليا