18-ديسمبر-2020

لوحة لـ صدام الجميلي/ العراق

أسير منفردًا مثل ذئبٍ وحيد، أعزف الآلام على وترٍ حساس تضيعُ الأحلام منه، وتستيقظُ عند سماعه كل وحوش الغابة، وتهرع الطيور النائمة بين الأغصان نحو السماء الرصاصية، وتسافر نحو الشمس، لتبتاع منها حرارة العشق التي تحرق الأعشاش، فتبقى الطيور تحوم في سماء الأبدية بلا مأوى.

يا هذا الكون المعتم، لقد صدقت بالعدم، لأنني لا شيء، لأنني حزين، ومنقطع، تذوب الأشياء من يدي، مثل مسبحةٍ طينية تُمطر عليها كل الغيوم المفترسة، ويبتل المصير الغامض بالبكاء.

أنقطعُ مثل عقد لؤلؤٍ، فتنفرط الأمنيات البلورية على جيدِ فتاة سمراء، داعبتُ خصلات شعرها الكث في يوم من الأيام الحزينة، وأسقطت على رأسها دمعة مالحة، تشبهني سمراء مثلي، حتى أفزعت دمعتي تلك الفتاة، فذُهلَ على إثرها الفجر، وخرج من قلب السماء هائجًا ومحتارًا، فخاطبني بكلماتٍ، تشبه ضبابه الحزين، جعلتني أُنسى مثل طفلٍ ضاع بين الأزقةِ.

أنا وحيد الخطوة، أضع خطوتي الوحيدة في العدم، مثل فردة حذاء ممزقة، ترمى في نفايات النسيان...

أنا أعمى لا أرى شيئًا في بلادي، التي يكسوها الغبار،

أنا مقصوص اللسان،

مبتور الأرجل،

ممزق القلب،

عليل البدن،

ضعيفُ البنية، أنا أعمى...

لكني أسمع الأوجاع من حولي، وأرى الناس ينزعون وجوههم أمامي، ويرتدون مخالبًا تنهش جسدي الهزيل، هذا الجسد الموثوق بهذي البلاد الكئيبة، بهذا النحس المفرط..

لكني في الوقت القاتل، أرمي حنجرتي على العالم، لأبوح بالوجع المرير، فتسقط حنجرتي على أذن العالم، التي ملئت طينًا، ويعود الكلام مرتجفًا كالصدى محملاً بالأوجاع ...

إني أضيع في كل الدروب، وأتيه وسط الصخب الهادر، حتى وإن كان نجم الهداة في يدي، فهذا العالم ما زال قاتمًا وأسود، وممتلئًا بكلاب العالم السفلي، لا وهج للشمس فيه..

ولا سماءً ينقشع عنها هذا الغيهب الأبدي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حديث الشياطين

الحيَّات الحارسات