08-يناير-2020

أسامة سعيد/ فلسطين

 

1

يتدلّى من هذي الأغصانِ تحتَ الماءِ الأبيضِ

فوقَ الأرضِ،

حلماتُ نهدْ

رؤوسُ العاشقينَ مرفوعةٌ تشربُ كأس وَرْدْ

الشّعراء يمتقعون في طرف المجازِ

يمضغون بلا شهوةٍ جلد توريةٍ حمقاءْ

وتحكّ الاستعارةُ شَعر عانتها

يتثاقلُ الإيقاعْ

واللّحنُ يصابُ بالبُحّةِ الجارحةْ

يحوز المشهدَ الواقعيَّ شهدٌ سردْ.

 

2

رأسي واسمك متأرجحانْ

كالسّطر الواحد في مغامرة الذّئب في القصّة البائسةْ

هذا النّعاسُ الجريء يفرّق بين يدي وخصلة شعركِ النّاعمةْ

كلّ شيءٍ ينزع نحو خاصرة البدايةْ

والنّهاية مائعة جدًّا

تغري النّقاد بالثّرثرة الطّويلةْ

لا تغرِفي إلّا غُرْفة واحدة لقصّتنا الوحيدةْ

نبعنا الأوّلُ طينيٌّ كَدِرٌ وَشِلٌ وحارّ

هدوؤك جارحٌ كجرحي الهادئِ

لا فرق بينهما سوى في تعادل الثّورانِ عند الحافّةِ

الحاقّةِ

القارعةِ القلبَ بالنّار والاضطرامْ

حلّقي وامنعي رأسي واسمك المتأرجحين من السّقوط في الهاويةْ

ولتأكلِ الأسطورةُ هذي القصائدَ في فم الزّمنِ المؤدلج باللّاحبّ.

 

3

للفقر محاسنُ جمّةٌ

لا تشرب الخمرَ كي لا تصاب بتشمُّع الكبدْ

ولا تواعد النّساء في حفلة البار

فترقص عاريًا هناكْ

ولا تلعب مع اللّصوص الأثرياء القمارَ

فيطلقون عليك النّارَ في لحظةِ حربٍ همجيّة

لكنّما للفقر سيّئةٌ واحدةٌ فقط

أنّك لا تستطيع السّفرْ

لترى الشّفاه الشّاعرة وهي تلعب في دماكَ الفائرةْ

يا للفقر ما ألذّهُ!

لولا جنايته الوحيدة تلك.

 

4

كم تبدو مشغولةً الآنْ

‏تُعدّ على مهلٍ أصابعها

‏لتكتب: "كم أحبّك أيُّها الشِّعر الجنونيّ الجميلْ"

‏تَجْمّعَ حولها نحلٌ،

‏ملائكةٌ

‏وأغصانُ القصيدةِ أضواءُ الفضاءِ

‏تغنّي بحنجرة وموسيقى

‏تذيب الصّمت في تلك المرايا

‏والأعصاب في مرح ونشوى 

‏تعود في أرضِ الحقول الشّاسعاتِ مدىً

‏حبًّا ووردةْ.

 

5

متى ما يحمرُّ الوتدُ الفضيُّ

تنضجُ البتلاتُ في حوضِ ماءْ

ويبتلُّ الغمامُ بلونكِ الشّفّاف

ينتشي كلّ شيءٍ ههنا

يورقُ مثل حمحمة الصّهيلِ ويعدو

كلّما اشتدّ الوتدُ الفضيُّ التحم الصّوتُ بالصّمتِ

تولدُ شرنقةٌ أخرى محمّلة بالحياةْ

يضحكُ الزّهرُ

هفهفةُ النّسيمِ

ويثملُ في شفتينا الغناءُ الرّعويُّ المحمّلُ بالعاطفةِ العاصفةْ

وترضى الآلهة الشبقيّة عنّا في غمرةِ الحبِّ

تغمسُ فينا الجناحَ الأبيضَ الممتدّ

تزخرف جنّتها الموعودة

إذ نصلّي في رحاب اللهْ

أيّتها الأعالي:

ارفعي صلواتنا لمقام الحضرة العليا لنغرقَ أكثر.

 

6

لمن تربّين الثّمار بتلك المحبرةْ؟

يبسَ القمرُ النّحيلُ على شجر اللّيلِ

وطالْ

وما من مفرّ إن لم تكوني الثّمرةْ

لا شيءَ هناكَ سوى انقلاب الكأسِ

عاصفة من الألوان في جسد السّماءْ

مدّ العتمة في العتمةْ

متعة مبتكرةْ

لمن تَحْمَرّ هناك تلك السّمكةْ؟

ولمن يشاكسُ نهدَك الموجوعَ وردُ الحلمةْ؟

ومن سيملك إذنًا للدّخول إلى مسرحة النّصوص

بعنقِ الكلمةْ؟

ولمن سيرتفع النّهارُ ياردتين بعينِ اللؤلؤة؟

ولمن ستبتكر الشَّمس شعاعها الحيَّ

فتنمو الشّرنقةْ؟

لمن كلّ ذاك النّضجِ في الورقةْ؟

جفّ حبرُ الإصبعينِ على أنين واسعٍ

حلّ في الصوت صداهْ

فلتستبيحي منطقهْ

كيف تبدو كلّ حين في الشّفاهِ المسألةْ؟

جئتُ...

يدايَ علامتان حائرتان لتلك المعضلةْ

جئتُ كي أذهبَ لي

أين أجوبةُ اللّغةِ الشّقيّةِ يا جِراح الأسئلةْ؟

عمّقيني، علّقيني، غرغريني

مثل طعم الصّهلةِ الأولى على مرايا الأخيلةْ

كيف يلتقيانْ:

هذا المرّ في ولهي

مذاقُ السّرّ في لغتي؟

وقفتُ على باب الغيوبِ أطالع المعنى

نضجتُ بحرقة الثّمر الشّهيّ من ولعي

وأطلقتُ الذّهولَ سؤالًا أذهلهْ.

 

7

اجعلي علاقاتكِ الأخرى سرّيّة عنّي تمامًا

وتأمّليني في فضاء نظيف من رائحة الرّجال الآخرينْ

لا تقصصي الرّؤيا عليّ

حكايةَ الوشم أسفل الظّهر أو أعالي الكتفْ

أو ملمس الرّقصِ بعد منتصفِ النّشوةِ السّابعةْ

واتّقِي الحبّ فيَّ

لأستطيع التّحدث عنك بحرّيّة البحر والشّمس والموج والرّملِ وبهجة الشّاطئ

أستعيدَ شهوتكِ الطّريّة في غابةِ الصّنوبرِ والحورْ

واتّقي القصيدةَ فيّْ

في جسدٍ مكثّفٍ بالمعاني

ليحسدني الشّعراءُ الكبارُ كلّما مَرّرْتِ على الهناكَ مفردتينِ شقراوينْ

حدّثيني عن براعة الياسمينِ النّقيّ الّذي يتسلّقُ أعمدة الرّخام المخمليّة

كيف يشتعل الرّخامُ بأخيلةِ السّرد في باطنِ الكفّ عند اللّقاء كنجمتينْ

لا تكتبي شيئًا إلّا على جذعي

واغرقي في طقس أوراقي

واحمليني إلى المجهولِ ينجُ الوقتُ من سأمي

واقرئي القصائدَ عنّي لسيّاح الدّولِ الغنيّةِ الباحثين عن دهشة الماءْ

شهوة ورديّة خضراءَ تُتلى في الأغاني الملحميّةْ.

 

8

تعالي واحملي قلبي كقصبة ناي

تعالي واشرحي لغتي بحرفينِ

وانتشري هناك إلى هُناي

تعالي وردة ريفيّة فرعاءَ هفهفها النّدى

كفّاي أو شفتايَ

أحلامي نِدايْ

تعاليْ تكبرِ الدّنيا على ولهي

وغنّي لي

فكل هذا الكون لي شغفٌ إلهيٌّ

تراكض في رؤايْ.

 

9

أذهب للبحرِ

حيث بقايا خطوتين لها محفورتين في رمال الشاطئ الغربيِّ

عند الصخرة العليا

يلامس راحتيَّ الموجُ

يسألُ عن وجهها الذّائب في السّحاب الذّاهلِ

في درج السّماءْ

يخرخِشُ في أذنيّ الأثيرُ

أسمع من بعيد الغيب صوتًا قادمًا من لمسة متروكة على شفتي

تبرعمُ الكلماتُ أسئلةً على وجهي

كلّما أعطيت وجهي للمرايا

تنبت لي في الهوامش موجةٌ بل موجتانْ

يبتسم البحر خفيفًا

وتفترُّ الشّواطئُ عن طيفها الشّفافْ

تخرجُ من عمق عمقي إلى ما بين يديَّ

تطير بي

لموائد الحبّ الشّهيّة حيث تلتئمُ الشّفاه كحرفِ باءْ.

 

10

في الشّارعِ المنحني

عند النّاصية البعيدة من طرف الغروب الضّبابيِّ

وَلَّدْتِ وقع الخطى

في المدى

وانتشرتُ غبارَ رجرجة الصّدى

لملمتُ ما تيسّر منّي

ركنت في الكهف أحرس العتمةَ كلّما نشبت على بابي أيادي الشّمس

يغمرني الصّراع الدّاخليّ عليّ

ويستولي على زمني، وأحداثي وغرغرة البطولة في القصصِ الطّويلةْ

أنادي في الفراغْ

متراكمٌ بعضي على بعضي فوق أبعاض الخرابْ

دخانًا ضائعًا أصبحتُ في المتن الرّوائيّ الحديثْ

تبعثرني الرّؤى وتقضم مشهدين على باب الظّلامْ.

 

11

لا تَفْتِني في سبع بقراتٍ سمانٍ يأكلهنّ سبعٌ عجافٌ على موائد قلبي

ولا تحدّثني بما رأيتَ من الكواكبْ

لن يرفعك العرشُ يومًا عليه

والإخوة المدّعون عادوا يبحثون عنكَ في متاهة الصّحراءْ

رأوْا أنّ الله يكافئهم

أتوكَ لتَعْبُر رؤياهم

- حدّثنا عن هذي الرّؤيا:

يسقطُ عرشُ المُلْكِ على الأفلاكْ

يأكل هذا الموتُ فيضًا من نجومِ الفقراءْ

تهوي الكواكب كلّها وتعومُ في بحر دماءْ

- ماذا أراكَ ربّكَ يا يوسُفْ؟

أخبرنا عن هذي الأحلامْ

- هذي ليست أحلام الله لأعبُرها لكم

أرى الشّيطانَ يمجّدكم

فخذوا عنه مناسككم وصلّوا لهْ

الله ليس بحاجتكم ليريَكم أحلامًا

يئس الله من دمكم

ويئست أنا من تأويل الأحاديث

سلّمت اللهَ مفاتيحي

وتلوت آخر رؤيايْ

وعدتُ بمحض إرادتي للجُبّ.

 

12

لانحناء الرّأس نحو اليسارْ

أغنية وقبلتان ووردةْ

لرشّة العطر في الصّدر والجيدِ

وشْمِ الذّراعينْ

ألفُ قصيدةٍ

نهرُ لحنٍ

وشهقتان ونجدةْ

للبسمة الخجلى الحيّية ألف عينٍ تهيمُ في الشّفتينْ

وألف كأس وشدّةْ

للقامة العليا ألف تشبيهٍ وتشبيهْ

ونهدتان تسكن نهدهْ

للوالهين الحيارى ألفٌ من الحسَراتْ

لعلّ هذا الفيضَ يَهْدأ.

 

13

القُبلةُ تتبختر عارية بيضاءَ تحتدمُ

القُبلة تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله

الشّفَة العليا تأكلها السُّفلى

برحيق الشّهوة تأتدمُ

القُبلة موسيقى الشّوقْ

بشغاف اللّحظة تلتحمُ

القبلةُ دفءٌ شمسيٌّ

بصفاء اللّيْلَكِ تلتئمُ.

 

14

المرأة مرآةٌ تحدّق بالوقتْ

لا تكترثْ

هي لستَ أنتْ

أو

هي ليست لك

أنت سطحٌ معتمٌ في مقهىً بلا رُوّاد

المرأة مرآة تحدّث بالصّمتْ

تشعل في المكان وردتينِ

واحدة لظلّي

وتغرق الثّانية في كأس ماء الفيتامينْ

المرأة مرآةٌ

تقرأ ما كتبتُ وما طويتُ وما نشرتْ

ترفض التّأويل لي

واضحًا كنتُ

كشخص في عراء الموتْ

ينقذني رثائي أمام المرأة المرآةْ

ويكسرني الحبّ أكثرَ من أيّ وقتْ.

 

15

ينتظر العالم شيئينْ:

حبًّا ينقذه من هذا التّيهْ

ومطرًا يغسله في النّشوة

في اكتمال النّشوتينْ

تنتظر اللّهفة حرفينْ

فائي وفاءك في التحام اللّهفتينْ

ينتظر الشّاعر زهرتين نديّتينْ

ترقصان على صدري

نابتتين في هذا اللّجينْ

ينتظر الصّباح هنا قافيتين

واحدة مشغولة بنا نحن الإثنينْ

والأخرى تكبرُ في حدْقة عَيْنْ

تنتظر الأكوان سحابتين

تفجّران النّهر أجوبةً لـ"أينْ"

ينتظر الحبّ آخر جملتينْ

أسطورتينِ بليغتينْ

تُودِعان السّرّ في براح الجنّتيْنْ

سطرين منك كبوح عطر الزّهرتينْ

تتعرّفان على يدي

شفتي

كلّما هام الهوى بلذيذ طعم القُبلتينْ

يا حلو ذيّاك الهوى

يضمّني دفء اليدين على اليدينْ.

 

  • من مجموعة شعريّة معدّة للنّشر بعنوان "وشيءٌ من سَرْدٍ قليل".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما قبل الثلاثين

وداع المدينة