أجرى رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمس الأربعاء، مناقشات سرية لبحث مذكرتي الاعتقال التي أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية بحقه، جنبًا إلى جنب مع وزير الأمن المُقال، يوآف غالانت، في الوقت الذي تراجعت باريس عن التزامها بتنفيذ القرار الصادر عن الجنائية الدولية، بعدما أشارت وزارة الخارجية في بيان لها إلى أن نتنياهو يتمتع بـ"الحصانة" من أوامر الاعتقال التي أصدرتها.
ووفقًا لوكالة "رويترز"، فإن مكتب نتنياهو أشار في بيان إلى أن السيناتور الجمهوري الأميركي، ليندسي غراهام، أطلع نتنياهو خلال اجتماع بينهما في القدس على "سلسلة من الإجراءات التي يطرحها في الكونغرس ضد المحكمة الجنائية الدولية والدول التي قد تتعاون معها"، وأضاف البيان أنه "تقدمت إسرائيل اليوم (أمس الأربعاء) بمذكرة إلى المحكمة الجنائية الدولية باعتزامها تقديم طعن إلى المحكمة، بالإضافة إلى المطالبة بإرجاء تنفيذ مذكرتي الاعتقال".
وبحسب بيان مكتب نتنياهو، فإن طلب الطعن الذي يعتزم تقديمه "يكشف تفصيليًا كيف أن قرار إصدار مذكرات الاعتقال كان غير مبرر ويفتقر إلى أي أساس قانوني أو واقعي"، لافتًا إلى أن رفض الجنائية الدولية لطلب الطعن "سيبيّن أكثر لأصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة والعالم مدى انحياز المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل".
وفقًا للمتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية، فإنه إذا تم تقديم طلبات الطعن فسيكون الأمر متروكًا للقضاة لاتخاذ القرار
من جانبه، قال المتحدث باسم الجنائية الدولية، فادي العبد الله، في تصريحات صحفية إنه إذا تم تقديم طلبات الطعن فسيكون الأمر متروكًا للقضاة لاتخاذ القرار. وتقول "رويترز" إن قواعد الجنائية الدولية تسمح لمجلس الأمن بتبني قرار من شأنه إيقاف أو تأجيل التحقيق أو المقاضاة لمدة عام، مع إمكانية تجديد القرار سنويًا.
ونقلت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الولايات المتحدة تخطط لـ"فرض عقوبات جهنمية على أي دولة تساعد المحكمة، وهكذا سينتهي الأمر"، مضيفًا أنه "ليس علينا أن نأتي ونتوسل إلى جهة لا نثق بها على الإطلاق"، في إشارة للجنائية الدولية، بحسب ما نقلت وكالة "الأناضول".
ووفقًا للصحيفة ذاتها، فإن "المستوى المهني نصح نتنياهو بالطعن على أساس أن هناك عيوبًا في القرار"، مشيرة إلى أنه في مقابل ذلك "يعارض وزراء ومسؤولون إسرائيليون تقديم تل أبيب طلب الطعن للجنائية الدولية"، وذلك لاعتقادهم "أن على إسرائيل أن تتجاهل قرار المحكمة، لأن الطعن في حد ذاته هو اعتراف بسلطتها".
وكانت "الأناضول" قد نقلت عن متحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض قوله إن الولايات المتحدة "ترفض قرار المحكمة الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت"، وأكد المتحدث الذي رفض الكشف عن اسمه أن "الولايات المتحدة ترفض من الأساس قرار المحكمة بإصدار أوامر اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين كبار"، زاعمًا أن الجنائية الدولية "ليست لديها صلاحية مقاضاة إسرائيل".
وفي تصريحات تناقض الموقف الفرنسي الذي أكد التزام باريس بتنفيذ القرارات الصادرة عن الجنائية الدولية، زعمت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان أن نتنياهو يتمتع بـ"الحصانة" من أوامر الاعتقال التي أصدرتها الجنائية الدولية في وقف سابق من الشهر الجاري. ويعكس بيان الخارجية الفرنسي تراجع باريس عن تعهدها بتقديم دعمها للجنائية الدولية لتنفيذ أوامر الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت.
وقالت الخارجية الفرنسية في بيانها إنه: "لا يمكن إجبار دولة على التصرف بطريقة تتعارض مع التزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بالحصانات الممنوحة للدول التي ليست طرفًا في المحكمة الجنائية الدولية"، مضيفة أن هذه الحصانات تنطبق "على رئيس الوزراء نتنياهو والوزراء الآخرين المعنيين، ويجب أخذها في الاعتبار إذا طلبت المحكمة الجنائية الدولية منا اعتقالهم وتسليمهم"، لافتة إلى أن باريس ستواصل "التعاون الوثيق" مع نتنياهو وسلطات الاحتلال لـ"تحقيق السلام والأمن للجميع في الشرق الأوسط".
وكان رئيس الوزراء الفرنسي، ميشيل بارنييه، قد أكد بعد أيام من صدور أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت أن "فرنسا ملتزمة باستقلالية هذه المحكمة"، معيدًا التذكير بأنه "لا ينبغي لفرنسا تفسير قرارات المحكمة الجنائية الدولية بحيث لا تدعمها ولا تدينها"، وتابع مضيفًا أن "فرنسا، كعادتها، ستنفذ التزاماتها بموجب القانون الدولي في هذا المجال، كما تفعل في مجالات أخرى"، وهو ما أثار انتقادات حادة في تل أبيب تجاه الموقف الفرنسي.
ووفقًا لما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن هيئة البث العبرية، فإن بيان الخارجية الفرنسية "يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمشاركتها في الاتفاق بين إسرائيل ولبنان"، مشيرةً إلى أنه "في الكواليس، شارك مسؤولون إسرائيليون كبار وآخرون من وزارة الخارجية في الضغط على فرنسا لإصدار مثل هذا الإعلان العلني"، وأضافت أنه "حتى الولايات المتحدة أوضحت للفرنسيين أنه إذا لم يعلنوا أن نتنياهو لن يتم اعتقاله، فلن تكون باريس جزءًا من الاتفاق".
اعتبر ناشطون خطوة المحكمة الدولية غير كافية في مواجهة الإبادة في #غزة، داعين إلى محاسبة أوسع تشمل قادة دول أخرى، بما في ذلك #جو_بايدن.
اقرأ أكثر: https://t.co/bfCbDlrACX pic.twitter.com/UhakDgWi3W
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 24, 2024
وتعليقًا على بيان الخارجية الفرنسية، تقول صحيفة "ذا غارديان" البريطانية إن باريس تستند في موقفها الأخير إلى المادة 98 من نظام روما الأساس الذي ينص على أنه لا يمكن لأي دولة "التصرف بشكل يتعارض مع التزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بحصانة الشخصيات الدبلوماسية". كما أنها تنوه إلى أن نص المادة 27 من النظام ذاته المرتبط بحصانة المناصب العليا "لا يمنع المحكمة من ممارسة ولايتها القضائية على مثل هذه الشخصيات"، مضيفة أن الجنائية الدولية حكمت في عام 2019 بأن المادة 98 ليست "مصدرًا للحصانة" بل هي "قاعدة إجرائية" توجه كيفية طلب المحكمة تنفيذ مذكرة الاعتقال.
وترى أستاذة الحقوق في جامعة مدينة كليفلاند، ميلينا ستيريو، "أن الموقف القانوني للحكومة الفرنسية فيما يتعلق بنتنياهو غير متسق مقارنة بموقفها قبل بضعة أشهر فقط فيما يتعلق ببوتين"، مضيفة أنه "من المحتمل أن الحكومة الفرنسية تخفف من وجهة نظرها تجاه إسرائيل ونتنياهو من أجل الحفاظ على علاقات العمل مع الحكومة الإسرائيلية، ومن أجل أن تكون في وضع يسمح لها بمواصلة الوساطة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني".
وكانت الجنائية الدولية قد قضت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بأن منغوليا انتهكت التزاماتها كطرف في عضويتها، وذلك بعد فشلها باعتقال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي أجرى زيارة لأولان باتور في آب/أغسطس الماضي، وأشارت المحكمة حينها إلى أن المادة 98 لا توفر الحصانة للزعيم الروسي، وهو قرار حظي حينها بدعم باريس الكامل، مؤكدة أنه موقفها "يتماشى مع التزام فرنسا الطويل الأمد بمكافحة الإفلات من العقاب".