05-يونيو-2023
gettyimages

يضع بوتين عينه على مناطق نفوذ جديدة (GETTY)

رغم سلسلة النكسات التي تعرضت لها روسيا في أوكرانيا، والعزلة التي تعاني منها جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، إلا أن بوتين لا يزال يضع عينه على مناطق النفوذ الروسي خارج القارة الأوروبية، خاصةً في القارة الأفريقية.

قرار موسكو، بتعزيز حضورها الدبلوماسي في العاصمة طرابلس، هو مؤشر على أن بوتين يتطلع إلى تحقيق تواجدًا أكبر في المشهد الليبي

نفوذ روسي

وجاء في تقرير لوكالة "بلومبيرغ"، أن الولايات المتحدة في الوقت الذي تدرس فيه إمكانية إعادة فتح سفارتها في طرابلس، يستعد بوتين لتعيين سفير جديد في العاصمة الليبية، وهي خطوة اعتبرتها الوكالة توسعًا للنفوذ الروسي في الدولة المنتجة للنفط، والقريبة من أوروبا.

قرار موسكو، بتعزيز حضورها الدبلوماسي في العاصمة التي تسيطر عليها حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليًا، مؤشر على أن بوتين يتطلع إلى تحقيق تواجد أكبر في المشهد الليبي يتجاوز دعمه للواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي تسيطر قواته على شرق ليبيا.

ويبدو أن جهود موسكو لاستعادة نفوذها الذي فقدته مع سقوط نظام معمر القذافي، لم تسر دائمًا بسلاسة، فقد أدى فشل هجوم قوات خليفة حفتر على العاصمة طرابلس، وجهود إيصال نجل القذافي، سيف الإسلام ، إلى منصب الرئاسة، إلى دفع الرئيس الروسي، باتجاه دعم الاستقرار.

getty

ويشكل تواجد مجموعة "فاغنر"، في شرق وجنوب البلاد، دعمًا لهذه السياسة، حيث تتحكم "فاغنر" في حقول النفط الليبية، وتملك حق المرور إلى منشآت نفط رئيسية، بحسب ما قالت "بلومبيرغ".

ورغم تراجع أعداد مرتزقة "فاغنر" منذ غزو روسيا لأوكرانيا، فهم حاضرون في أربع قواعد عسكرية في ليبيا، وفقًا لمعهد صادق، البحثي في ليبيا، ومجموعة نافانتي، التي تقدم المشورة للعملاء من القطاع الخاص والهيئات الحكومية الأمريكية.

وأظهرت أبحاثهما الميدانية أن مرتزقة "فاغنر"، يمتلكون حق الوصول إلى بعض منشآت الطاقة المهمة في البلاد، بما في ذلك حقل الشرارة، أكبر الحقول النفطية في ليبيا، وميناء السدرة، الذي يتم عبره تصدير النفط الليبي.

تسيطر فاغنر على حقول النفط في ليبيا

وكان الرئيس السابق للمؤسسة الوطنية للنفط الليبية مصطفى صنع الله، قد اتهم مجموعة "فاغنر" والإمارات، بالتورط في الحصار النفطي الذي فرضه أنصار اللواء المتقاعد خليفة حفتر عام 2020، وانتهى في عام 2022، بعد الإطاحة بصنع الله لصالح شخصية أكثر قربًا من الشرق، كما تقول الوكالة.

وهو ما ذهب إليه كبير محللي شؤون ليبيا في مجموعة نافانتي روبرت أونياكي، قائلًا: "كان الإغلاق بالطبع بسبب السياسات المحلية لتوزيع عائدات النفط"، وأضاف "لكنني لا أعتقد أنه كان من الممكن أن تتم بالطريقة التي حدثت، دون الدور الذي لعبته فاغنر في دعم قوات حفتر، وإبراز القوة العسكرية في المناطق المحيطة بالمنشآت النفطية".

من جهته، أشاد الرئيس الجديد للمؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة، في مقابلة مع "بلومبيرغ"، بقوات حفتر، لـ"جهودها الكبيرة في تأمين حقول النفط"، وأضاف: أن "ليبيا تخطط لفتح مشاريع جديدة أمام الشركات العالمية في عام 2024، وزيادة الإنتاج من 1.2 مليون إلى 2 مليون برميل يوميًا في غضون الخمس سنوات المقبلة". إلا أن معظم محللي أسواق النفط، يشككون في قدرة المؤسسة الوطنية للنفط على تحقيق ذلك من دون المزيد من الاستقرار السياسي.

وقالت محللة شؤون الشرق الأوسط إلينا سوبونينا: "انطباعنا أن الغرب يحاول تحقيق الاستقرار في ليبيا لضمان وصول المزيد من إمدادات النفط والغاز من ذلك البلد إلى الأسواق الأوروبية"، وأضافت "الكرملين يدرك أن الولايات المتحدة تريد استخدام أي وسيلة لإضعاف نفوذ روسيا في ليبيا، وإحدى مهامنا هي عدم السماح بحدوث ذلك".

تحرك أمريكي في مواجهة النفوذ الروسي

أثارت هذه التطورات، القلق لدى الإدارة الأمريكية، التي أرسلت عددًا كبيرًا من كبار المسؤولين إلى ليبيا، لمواجهة نفوذ بوتين، في الدولة العضو في منظمة "أوبك"، التي "تتغزل فيها الحكومات الأوروبية كبديل محتمل للطاقة الروسية".

ومن بين هؤلاء رئيس وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز، الذي زار ليبيا في  كانون الثاني/يناير الماضي، وأجرى محادثات مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، واللواء المتقاعد خليفة حفتر في بنغازي، ولاحقًا التقى بمسؤولين في مصر، التي تدعم حفتر.

وكان على رأس جدول أعمال مدير المخابرات الأمريكي، الضغط لإنهاء وجود نحو 2000 من مرتزقة "فاغنر"، شاركوا في  دعم حملة حفتر الفاشلة  للاستيلاء على العاصمة طرابلس، وساعدوا منذ ذلك الحين في تعزيز قبضة حفتر على حقول النفط، في بلد  يضم 40% من احتياطيات النفط في أفريقيا.

أما المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، فتحدث للوكالة في مقابلة هاتفية، قائلًا: إن "الوضع الراهن غير مستقر بطبيعته"، محذرًا من "جهود غير محددة لاستغلال الانقسامات الداخلية وإحباط جهود الأمم المتحدة لإجراء الانتخابات"، مؤكدًا "رسالتنا هي أنك ستحصل على الشرعية فقط من خلال الانتخابات".

طريق محفوف بالعقبات

بالمقابل، تشير "بلومبيرغ"، إلى أن الولايات المتحدة في وضع صعب في ليبيا، خاصةً مع عدم امتلاك أي تواجد عسكري، ولا دبلوماسي في العاصمة طرابلس، على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين يقولون إنهم يعملون على إعادة فتح سفارتهم، لكن القرار لا يزال محفوفًا بالعقبات السياسية بالنسبة لإدارة الرئيس جو بايدن، وفق تعبير الوكالة.

أدى الهجوم على القنصلية الأمريكية في مدينة بنغازي في شرق ليبيا إلى مقتل سفير الولايات المتحدة كريستوفر ستيفنز،وثلاثة أمريكيين آخرين في عام 2012، إلى ضجة سياسية داخلية تعقد أي قرار محتمل بالعودة إلى ليبيا، التي أغلقت فيها السفارة الأمريكية عام 2014.

شن حفتر هجومه الفاشل على العاصمة طرابلس

العمل ضد فاغنر

تشير الوكالة، إلى أن امتلاك "فاغنر"، للطائرات الحربية، وأنظمة الدفاع الجوي، يعقد جهود الولايات المتحدة لمواجهة المجموعة التي يعتمد عليها حفتر لحمايته، وصد الهجمات التي تقودها المجموعات المعارضة له.  

ويكشف الضابط السابق في القوات الجوية الروسية جليب إيريسوف، الذي خدم بين عامي 2019 و2020، في قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا، والتي تستخدمها موسكو لإمداد مجموعات "فاغنر" في ليبيا، بأنه شاهد شخصيًا ما يصل إلى 20 طائرة مقاتلة من طراز ميغ 29 سوفيتية الصنع، بالإضافة إلى تسليم طائرات هليكوبتر هجومية إلى "فاغنر".

ومع انتشار نفوذ "فاغنر" في السودان، حيث تتهم الولايات المتحدة، المجموعة بأنها سلمت صواريخ أرض جو لقوات الدعم السريع التي تخوض حربًا ضد الجيش السوداني، تعمل إدارة جو بايدن على تكثيف الضغط على مجموعة "فاغنر".

تشير "بلومبيرغ"، إلى أن الولايات المتحدة في وضع غير مواتيًا في ليبيا، حيث لا تملك تواجد عسكري، ولا دبلوماسي في العاصمة طرابلس، على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين يقولون إنهم يعملون على إعادة فتح سفارتهم، لكن القرار لا يزال محفوفًا بالعقبات السياسية بالنسبة لإدارة الرئيس جو بايدن

وفي الشهر الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قيادي بارز يشرف على عمليات "فاغنر" في مالي. كما فرضت الولايات المتحدة، عقوبات بشكل متكرر على 'فاغنر"، وهياكلها وقيادتها، بما في ذلك مالك المجموعة يفغيني بريغوجين. لكن، لم تؤثر هذه الجهود حتى الآن على عمليات المجموعة، بما في ذلك مساعيها لتعميق تواجدها في العديد من الدول الأفريقية والشرق أوسطية.

وفي هذا الإطار، يقول الخبير في الشؤون الليبية بمعهد "رويال يونايتد سيرفيسز" جليل حرشاوي: "لقد تم الإعلان عن عدد من الأهداف على أنها أهداف أمريكية"، وهي: "طرد فاغنر، بالإضافة إلى التأكيد من إجراء الانتخابات في عام 2023"، لكن، لن يتحقق أي شيء، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن "الولايات المتحدة لا تريد أن تحاول".