سجّلت الدوائر الصحية الرسمية وغير الرسمية في السودان عودةً ملحوظة لوباء الكوليرا، ولا سيما في العاصمة الخرطوم، في ظلّ وضع وبائي يُنذر بكارثة صحية مع اقتراب فصل الخريف، وتصاعدٍ في انتشار أمراض أخرى مثل الحصبة والملاريا والتهاب الكبد الوبائي.
وقد دفع هذا الوضع منظمة "أطباء بلا حدود" إلى استئناف أنشطتها المعلّقة منذ عدة أشهر في الخرطوم. وفي هذا السياق، قالت منسقة الطوارئ في المنظمة، كلير سان فيليبو، إنّ الاحتياجات الصحية في المدينة "لا تزال هائلة"، مشيرةً إلى أن "تفشي الكوليرا يُعد حاليًا من أبرز التحديات التي تواجه السكان، سواء ممن بقوا في الخرطوم أو العائدين من مناطق أخرى في البلاد".
وأضافت: "يجب توسيع نطاق المساعدة الإنسانية، وتسهيل الوصول إليها، وحماية خدمات الرعاية الطبية، لضمان حصول الجميع، سواء في الخرطوم أو في باقي أنحاء السودان، على الرعاية الصحية التي يحتاجون إليها".
تعرض النظام الصحي السوداني لانهيارٍ شبه كامل، بسبب الحرب التي اندلعت نيسان/إبريل 2023
تفشي الكوليرا أبرز التحديات أمام المنظومة الصحية السودانية
تشير معطياتُ تقريرِ الوضع الوبائي الصادر عن مركز عمليات الطوارئ في وزارة الصحة السودانية إلى أنّ العدد التراكمي لحالات الكوليرا تجاوز 60 ألف إصابة، بينها أكثر من 1000 حالة وفاة، وذلك منذ بداية الموجة الحالية. كما رصدت وزارة الصحة هذا الأسبوع 12 إصابة جديدة بالكوليرا، معظمها في العاصمة الخرطوم، كما رصدت الجهات نفسها أكثر من 100 إصابة جديدة بالحصبة في 10 ولايات سودانية، ليصل العدد التراكمي للحالات إلى 1160 إصابة.
وترتبط هذه الأوبئة وغيرها بتلوث مياه الشرب، وتدهور خدمات الصرف الصحي، وقلة اللقاحات والأدوية، إذْ تراجعت الإمدادات الطبية الخاصة بمكافحة الأوبئة في المخازن إلى أقل من 52%، مع ملاحظة تفاوت كبير في توفر المحاليل الخاصة بالكوليرا وحمى الضنك في مختلف ولايات السودان.
حملة تطعيم ضدّ الكوليرا
وجّهت وزارة الصحة السودانية بضرورة تنفيذ حملات تطعيم عاجلة ضدّ الكوليرا في المناطق التي سُجلت فيها إصابات بالمرض، بالإضافة إلى ضرورة تعزيز الاستعدادات لموسم الخريف، في ظل توقعات بزيادة معدلات هطول الأمطار، التي تؤدي غالبًا إلى تفاقم الأوضاع الصحية وظهور موجات جديدة من الأمراض الوبائية، فضلًا عن تعذر الوصول إلى المناطق الريفية بسبب تردي البنية التحتية.
نظام صحي منهار
تعرض النظام الصحي السوداني لانهيارٍ شبه كامل بسبب الحرب التي اندلعت في نيسان/أبريل 2023، إذ تسببت الحرب في تدمير المرافق الصحية، ونزوح الملايين إلى مراكز إيواء تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، مما ساهم في تدهور الوضع الصحي العام.
ومع اقتراب موسم الأمطار، بادرت وزارة الصحة السودانية ومنظمات إنسانية إلى دق ناقوس الخطر من تفاقم الأزمة الصحية في السودان، داعيةً إلى تحركٍ عاجل من الجهات الدولية لدعم الجهود المحلية في مكافحة الأوبئة وتوفير الإمدادات الحيوية للمناطق المنكوبة.
عودة منظمة أطباء بلا حدود
انضم فريق منظمة أطباء بلا حدود إلى وزارة الصحة السودانية في مستشفى بشائر التعليمي في الخرطوم، بعد أربعة أشهر من تعليق المنظمة لأنشطتها في المستشفى بسبب حوادث عنف متكررة طالت المرضى والطاقم الطبي.
وتأتي هذه العودة، حسب بيانٍ صادر عن المنظمة، لتلبية الاحتياجات الهائلة للسكان. وأكّدت المنظمة أن تركيزها الأساسي سينصب على تفشي الكوليرا المقلق والمتزايد.
وفي هذا الصدد، قال سليمان عمار، المنسق الطبي لمنظمة أطباء بلا حدود في السودان: "يعمل فريقنا في مستشفى بشائر التعليمي على ضمان جاهزية وحدة علاج الكوليرا، التي تضم 20 سريرًا، لاستقبال المرضى. وقد اكتمل تدريب أكثر من 60 من موظفي المستشفى، ووصلت الإمدادات الطبية المتعلقة بالكوليرا إلى المستشفى". وأضاف: "لقد كان للحرب تأثيرٌ مدمرٌ على حصول الناس على الرعاية الصحية. ولا يزال السكان في العديد من مناطق العاصمة، بما في ذلك جنوب الخرطوم، يفتقرون إلى الرعاية الصحية الأساسية المنقذة للحياة". واعتبر عمار أنّ إعادة تشغيل وتوسيع الخدمات الصحية الأساسية في مستشفى بشائر وخارجه "أمرٌ لا يُحتمل تأجيله".
يُشار إلى أنّ منظمة أطباء بلا حدود اضطُرت، على مدار العامين الماضيين، إلى تعليق أنشطتها عدة مرات. ففي عام 2023، أدى حظر نقل الإمدادات الجراحية إلى الخرطوم إلى إيقاف جميع الأنشطة الجراحية - بما في ذلك عمليات الولادة القيصرية ورعاية الإصابات - لعدة أشهر.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر 2024، دفعت حوادث عنف، من بينها مقتل مريض في المستشفى، منظمة أطباء بلا حدود إلى تعليق أنشطتها مؤقتًا. وعندما دخل مسلحون المستشفى مرة أخرى في كانون الثاني/يناير 2025، اتخذت المنظمة القرار الصعب بتعليق جميع أنشطتها في المستشفى.
وترى منظمة أطباء بلا حدود أنّ الوضع في الخرطوم بات أكثر هدوءًا حاليًا، لكن العديد من المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية تضررت أو أُغلقت بسبب الحرب، ولم تعد تعمل بكامل طاقتها، ما يستدعي استجابة إنسانية دولية لإعادة تأهيل المستشفيات وتوفير الرعاية الصحية للناس.