30-أغسطس-2020

وقفة تضامنية مع فلسطين في كندا

دايفيد مستراتشي صحفي كندي مستقل مقيم في تورنتو، يعمل كباحث مساعد في جامعة رايرسون في مشروع غرفة الأخبار المتنوعة كما يعمل كمدير تحرير لموقع Readpassage.com، الذي نشر فيه مقاله هذا بتاريخ 23 حزيران/ يونيو 2020.


في العام الماضي، كدت أترك الصحافة. كان السبب الرئيسي لذلك تطورًا في وجهة نظري حول مجال العمل هذا.

كانت تجربتي الصحفية الأولى كطالب جامعي في صحيفة ماك غيل ديلي McGill Daily، تلك الصحيفة المستقلة كانت يسارية بشكل صريح، لذا فقد بني فهمي للصحافة من منظور تقدمي. وعلى هذا النحو، لم أكن أعتقد أن لدي أوهامًا حول المؤسسات الإعلامية في كندا، خاصة وأن لدينا علاقة عدائية معها.

دايفيد مستراتشي: تم نشر مقال كتبته عن إسرائيل وفلسطين على وسائل التواصل الاجتماعي في وقت متأخر من ليلة عطلة نهاية الأسبوع – وقت ميت إعلاميًا – على الرغم من نشره في وقت سابق

وبغض النظر عن ذلك، عندما قرّرت متابعة الصحافة كمهنة، فقد اعتقدت أنني أستطيع أن أنحت مكانة في هذا المجال للعمل الذي كان يلهمني. ولكن بعد الانتقال إلى تورنتو للحصول على درجة الماجستير في الصحافة من جامعة رايرسون، بدأت أرى الأشياء بشكل مختلف، وأدركت أنه لا يمكنك أن تكون جزءًا من شيء ما ولكن بنفس الوقت أن تنأى بنفسك عن الأذى الذي يسببه، وحينها بدأت أشعر بالتواطؤ.

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيل كدولة لناس كثيرين ليسوا مواطنيها

كان هذا التغير الذي حصل لي بسبب عوامل كثيرة، بما في ذلك فهم أعمق لأحد أقوى التحيزات في وسائل الإعلام الكندية: تلك المؤيدة لإسرائيل والمعادية لفلسطين.

قررت في النهاية أنني سأستمر في الصحافة إذا كان بإمكاني القيام ببعض الأشياء بشكل مختلف عن ذي قبل، بما في ذلك مكافحة التحيز المؤيد لإسرائيل بشكل استباقي.

مع أخذ ما سبق بعين الاعتبار، سوف أٌقوم بكشف هذا التحيز من خلال عرض تجربتي معه، ثم سأفكك الطرق المختلفة التي يتم دعمه به، من مستوى الصحفيين الأفراد إلى التدخل الخارجي بوسائل الإعلام. ككل، تضمن هذه العملية أن إسرائيل نادرًا ما تخضع للمساءلة عن أفعالها.

تجاربي مع التحيز

لم أعمل سوى في مواقع للمستجدين في المؤسسات الإعلامية. تلك التي يمكن أن تمنحك المزيد من الحكايات الثاقبة للتحيز في العمل، وسأذكر بعضها في وقت لاحقًا. وبغض النظر عن ذلك، فإن تجربتي، التي تضمنت أدوارًا في ثمانية منشورات مختلفة وعمل مستقل لحساب عشرات الآخرين، لا تزال مفيدة لمعرفة كيفية عمل التحيز على المستوى البسيط، وهنا بعض الأمثلة.

قبل بضع سنوات، عرضت مقالة حول إسرائيل وفلسطين على جهة إعلامية لم يكن لدي خبرة سابقة كبيرة بها. تم قبولها وتحريرها من قبل المحررين الصغار وتم نشرها ولاقت استقبالًا جيدًا. بعد ذلك بيوم، أبلغني أحد كبار المحررين أنه كان يجب على المحرر أن يعرض عليه المقالة قبل إرسالها للنشر. لم أكن على علم بهذا الإجراء مسبقًا، ولم أفهم سبب تأنيبي لذلك. ثم أضاف المحرر بشكل عارض في سياق الحديث بأنه لم يكن متأكدًا من موقف المسؤولين التحريري حول إسرائيل وفلسطين، لذلك سيكون من المهم بشكل خاص التشاور معهم حول هذا الموضوع. أدركت أن المشكلة لا تتعلق أساسًا حول من سيتخذ القرار، بل كانت المشكلة أنني كنت أنتقد إسرائيل. وقد فهمت الرسالة الضمنية من هذا الحديث: لا تتطرق لهذا الموضوع مرة أخرى.

مرة أخرى، تم نشر مقال كتبته عن إسرائيل وفلسطين على وسائل التواصل الاجتماعي في وقت متأخر من ليلة عطلة نهاية الأسبوع – وقت ميت إعلاميًا – على الرغم من نشره في وقت سابق. بدت هذه كمحاولة لدفن المقال والحد من انتشاره، وقد ذكرت ذلك لأحد العاملين في غرفة الأخبار تلك، وأخبروني أن الشخص المسؤول عن جدولة نشر المقالات قد تدخل في عمل الصحفيين الآخرين الذين انتقدوا إسرائيل في الماضي، لذا فمن المرجح أن تكون عملية النشر في تلك الساعة متعمدة.

في مناسبة أخرى قبل بضع سنوات، دعيت إلى برنامج إذاعي لمناقشة قضية متعلقة بإسرائيل وفلسطين. في ذلك الوقت، طُلب مني الحصول على موافقة من صاحب عملي للقيام بأي كتابة أو ظهور خارجي، لذلك استأذنت. عادةً ما تتم الموافقة على هذه الطلبات بسرعة، ويتم الاحتفال بها. فهي تعني أن الناس يهتمون بعملنا. هذه المرة، كان عليّ أن أقوم بمتابعة طلبي إلى أن تم استدعائي لاجتماع مع عدد من المدراء حيث قيل لي أنه بإمكاني حضور البرنامج الإذاعي لكن دون إبداء رأيي في القضية، وإنما فقط وصف الأحداث من منظور "موضوعي". والسبب لذلك هو أن هذه "المؤسسة الإعلامية" لم تكن متأكدة من موقفها من القضية "المعقدة". لا يهم أنني لم أكن سأتحدث بالنيابة عن المؤسسة أو أنني قمت بإجراء مقابلات خارجية أخرى وعرضت وجهات نظر لم يكن متفق عليها داخل المؤسسة، إلاّ أن كلَّ شيء حول هذه القضية فلسطين/ إسرائيل كان معقدًا بشكل خاص.

في 2009، انتهكت إسرائيل القانون الدولي، واستخدمت الفسفور الأبيض في غزة، وعلى الرغم من ذلك كتبت "ذا غلوب" أن غزو غزة، التي أشاروا إليها بـ "دويلة حماس"، كان "مبررًا بشكل جيد"

أخيرًا، قبل بضع سنوات قمت بكتابة تغريدة منتقدًا باعتدال أحد المسؤولين في إسرائيل. لم تحصل على "إعادة تغريد" أبدًا، فقط بضع إعجابات – بالكاد تستحق الذكر (أي أن التغريدة لم تنتشر). بعد بضعة أيام، تلقيت مكالمة هاتفية من مسؤول ما في المؤسسة التي أعمل فيها يطلب مني إزالة التغريدة لأن شخصًا اشتكى. لم يخبروني من هو المشتكي، أو حتى لو فيما إذا كان من داخل المؤسسة. ولا يبدو كذلك أنهم يفهمون المشكلة المزعومة مع التغريدة. بغض النظر، فقط أرادوا حذف التغريدة.

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيل في الإعلام السعودي المنزعج من فلسطين.. هنا تل أبيب!

كما أنه طُلبَ مني أيضًا إزالة أي ذكر للشركة من السيرة الذاتية على حسابي الشخصي على موقع "تويتر"، والتي ادعوا أنها إجراء روتيني يقوم به الجميع. لكن توقيت الطلب أوضح القضية الحقيقية، خاصة أنه لم يُطلب من الآخرين في نفس موقعي الوظيفي أن يفعلوا نفس الشيء.

عبر السنين التي مضت، كتبت عن عدّة قضايا مثيرة للجدل، لكن هذه هي القضية الوحيدة التي واجهت هذا النوع من التدخل. وأعرف أن هناك آخرين تعرضوا لتجارب أكثر فظاعة، ومن خلال حديثي مع عدد من الصحفيين العرب تبين أن العديد منهم إما يتجنبون الكتابة عن هذه القضية أو أنهم يتعرضون لكراهية شديدة حين يتكلمون عنها، بما في ذلك أن تتم إدانتهم من كبار المسؤولين في الصحف التي يعملون بها أو أن يفقدوا أي دعم ممكن أن يحصل عليه الصحفي ليساعده في عمله، الأمر الذي يجعلهم يمتنعون عن التطرق أو الخوض في هذه القضية مرّة أخرى.

وعندما يرفض الصحفيون الصمت، يتم فرض التحيز لإسرائيل بطرق مختلفة سأقوم بمناقشة بعضها لإظهار كيف ينمو هذا التحيز من خلال الصحفيين الأفراد وهيئة التحرير، تدخل الشركات، والمؤسسات الصحفية ومجموعات الضغط، مع التأثير المتراكم للمشهد الإعلامي المنحاز بشدة لإسرائيل.

الآراء الشخصية والتحريرية

يمكن أن يكون للآراء الشخصية للصحفيين من المستويات المتوسطة إلى العليا تأثير كبير على ما يتم نشره من خلال عدة طرق. أحدها أنه يمكن رفض أي مقالة تحتوي على نقد ما حول إسرائيل وفلسطين بغض النظر عن جودة المادة الصحفية المكتوبة، وهي إن تتالت وحدثت أكثر من مرّة فهي ترسل رسالة للصحفيين بأن لا يزعجوا أنفسهم بالكتابة حول هذه القضية بعد الآن. الطريقة الأخرى هي مواد قيد الإنجاز يتم نسفها أو تحريرها بشكل مغاير تمامًا لما كانت عليه المادة الأصلية فور أن يلاحظها شخصٌ ما في موقع التحرير. وحتى لو كان هناك شخصين فقط في هذه المواقع التحريرية وبهذه المواقف المتحيزة فإن ذلك يؤدي إلى عدم نشر أي مادّة تحتوي نقداً لإسرائيل، مما يعزز دعم التحيز لها.

والصفحات التحريرية للصحف الرئيسية في كندا موجهة في هذا الصدد. إنهم لا يمثلون جميع الصحفيين، لكنهم يمثلون وجهة النظر الرسمية للصحيفة. في عام 2018، ألقيت نظرة على المواقف التحريرية التي اتخذتها تورنتو ستار وذا غلوب وناشيونال بوست بشأن النزاعات العسكرية بين إسرائيل والفلسطينيين. أدناه، سأقتبس الكثير من هذه المواد.

في العام 2009، شنت إسرائيل عدوانًا بريًا على غزة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 760 مدنيًا فلسطينيًا، من بينهم 345 طفلًا. انتهكت إسرائيل القانون الدولي، واستخدمت الفسفور الأبيض –غاز كيميائي حارق للجلد – في مناطق مدنية.

على الرغم من ذلك، كتبت "ذا غلوب" أن غزو غزة، التي أشاروا إليها بـ "دويلة حماس"، كان "مبررًا بشكل جيد"، دون ذكر الدمار الذي تسبب فيه. في افتتاحية حزيران/يونيو 2010، أشاروا ببساطة إلى العدوان بأنه "حادث مؤسف"، لكنهم زعموا أن القضية الأكثر أهمية كانت تحويل غزة إلى منطقة لا تشكل تهديدًا لإسرائيل.

في عام 2012، أمطرت إسرائيل غزّة بالصواريخ، مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 فلسطيني، بما في ذلك أربعة أطفال وهم يلعبون كرة القدم.

في عام 2012، أمطرت إسرائيل غزّة بالصواريخ، مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 فلسطيني، بما في ذلك أربعة أطفال وهم يلعبون كرة القدم.

نشرت صحيفة "ذا بوست" افتتاحيتين لدعم هذه الضربات الصاروخية. كتبت: "وجهة نظرنا هي أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شن هذه الحرب المصغرة بالطريقة الصحيحة تمامًا"، وأنه "لم يكن أمام إسرائيل خيار سوى قصف غزة". وزعموا أن إسرائيل هي "دولة متحضرة وإنسانية" على عكس غزة، بل وجادلوا بأن إسرائيل كانت حريصة على أن يكون إطلاق الصواريخ على "الإرهابيين". صحيفة "ذا ستار" أشادت بالقصف، مدعية أن نتنياهو لا يمكن "لومه" بسبب أفعاله المبررة. لم يتم ذكر أي شيء عن الضحايا المدنيون الفلسطينيون، وبينما زعموا أن "نطاق" الضربات الجوية "أثار بعض الدهشة" خلصوا إلى أن نتنياهو لا يمكن أن يتساهل مع مسألة الأمن في الانتخابات القادمة.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا أدانت ألمانيا الحركة الدولية لمقاطعة إسرائيل "BDS"؟

في العام 2014، شنت إسرائيل أكثر الهجمات تدميرًا على غزة حتى الآن. قُتل أكثر من 1460 مدنيًا فلسطينيًا، مقابل ستة مدنيين إسرائيليين.

وكتبت صحيفة ذا غلوب: "لا يمكن أن يكون من الخطأ أن تدافع إسرائيل عن نفسها"، مشيرة إلى هذا الاجتياح الإسرائيلي باعتباره "آخر جولة من تقليم العشب" في غزة، حيث يفترض أن إسرائيل "دمرت القدرات العسكرية لأعدائها". ووصفت الصحيفة الصراع بأنه "قتال بين حليف لكندا وجماعة إرهابية شرسة"، ولم تأتي على ذكر أي من الضحايا المدنيين.

هذه مجرد أمثلة بسيطة تركز على جانب واحد من الصراع في ست سنوات فقط. ويمتد التحيز إلى أكثر من ذلك. لقد اخترت التركيز على النزاعات العسكرية لأنه في الوقت الذي تكون فيه التناقضات واضحة، ترى بوضوح أن وسائل الإعلام الرئيسية في كندا تشجع الجهود العسكرية التي تؤدي إلى موت مدنيين بشكل جماعي.

التدخل المؤسساتي

في حين أن آراء الصحفيين على مستوى التحرير تحدث فرقًا، فإن الإدارة العليا ومالكوها يعتبروا أكثر أهمية في اتخاذ القرارات، خاصة مع تزايد احتكار وسائل الإعلام ومركزيتها.

قبل أن نُكمل، من المهم أن نذكر أنه ليس كل اليهود صهيونيين، ومعظم الصحف ليست مملوكة من قبل يهود، ولا يتدخل كل مالك صحيفة بالقدر الذي نتخيله، وعندما يفعلون ذلك، فإنه ليس دائمًا، أو حصريًا حول إسرائيل، وغالبًا ما يحدث في قضايا أخرى أيضًا. ومن المؤكد أن دعم إسرائيل هو عامل موحد لمجموعة واسعة من اليمينيين، من متطرفين هندوتفا إلى الإنجيليين الأمريكيين. إن الفكرة القائلة إن وسائل الإعلام مملوكة لعصابة يهودية سرية، كما يعتقد العديد من المعادين للسامية، أو أنها مرتبطة بشكل أساسي مع بروتوكولات حكماء صهيون، خاطئة ويجب معارضتها.

لكن أصحاب وسائل الاعلام لديهم سجل في استخدامها للدفاع عن مصالحهم المالية ومعتقداتهم الإيديولوجية، بما في ذلك، في بعض الحالات، دعم إسرائيل. تقدم المجموعة الإخبارية CanWest كان ويست (1) – المملوكة الآن من قبل بوست ميديا – حالة مثيرة عن التحيز المؤيد لإسرائيل بسبب كيفية تطبيق تحيزها بصراحة وفخر، حيث يشهد عدد لا يحصى من الموظفين على وجوده.

تأسست "كان ويست جلوبال كوميونكاشن"* في عام 1974 على يد إسرائيل أسبر، وهو محامي ضرائب كندي شهير في مقاطعة "وينيبيغ"، وداعم للصهيونية ويتفاخر دومًا بأن لديه "التزام لا يتزعزع" لإسرائيل ويعتبرها رمزًا للتفوق والتعلم للبشرية جمعاء.

في خطاب ألقاه في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2002، وصف إسرائيل أسبر اشمئزازه من وسائل الإعلام الكندية كونها تعمل على تدمير الميول العالمية الإيجابية تجاه إسرائيل

في تموز/يوليو من العام 2000، أعلنت كان ويست عن شراء مؤسسات إعلامية بقيمة 3.2 مليار دولار من شركة هولينغر انك.، وهي شركة إعلامية أنشأها كونراد بلاك مؤسس ناشيونال بوست في عام 1985. ووفقًا لمقالة سي بي سي (CBC) (2) في ذلك الشهر، فإن الصفقة تعني أن كان ويست تنشر 136 صحيفة يومية وأسبوعية، بما في ذلك نصف صحيفة ذا ناشونال بوست، و13 صحيفة يومية رئيسية في المدن الكبرى، و85 مجلة ودليل تجاري وجميع مواقع الإنترنت العائدة إلى شركتي هولينغر وسوثام.

اقرأ/ي أيضًا: دماء "الهنود الحمر" من أجل غسل ذنوب إسرائيل

في خطاب ألقاه في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2002 في حفل إطلاق السندات الإسرائيلية، والذي قامت بنشره صحيفة ناشيونال بوست، وصف أسبر اشمئزازه من وسائل الإعلام الكندية كونها تعمل على تدمير الميول العالمية الإيجابية تجاه إسرائيل. ادعى أسبر أن هذا يرجع إلى أن الصحفيين، بمن فيهم الذين يعملون لديه "كسالى، أو قذرين، أو أغبياء" أو "منحازين أو معادين للسامية". واختتم أسبر الخطاب بالقول إن على جميع الكنديين "أن يقفوا شامخين ... من أجل حق إسرائيل في الوجود واتخاذ أي إجراءات تحتاجها لمحاربة المعتدين الهمجيين، والمطالبة بأن تتصرف وسائل إعلامنا وسياستنا بشرف في هذا الصدد".

لقد أصبحت الصحف التي تصدر عن مجموعة "آسبر" ساحة معركة لهذه الحرب، حيث يتعرض العديد من الصحفيين للرقابة أو الفصل من العمل إذا لم يكونوا يدعمون إسرائيل دعمًا كاملًا.

في أيلول/سبتمبر 2001، استقال مايكل جولدبلوم، ناشر مونتريال جازيت، والتي انتقلت ملكيتها لاحقًا إلى كان ويست، مبررًا الاستقالة بالخلافات مع الشركة. وذكرت صحيفة ذا غلوب أن هذه الخلافات كانت بسبب أن كبار المحررين في الصحيفة – طُلب مُنهم – في آب /أغسطس أن ينشروا افتتاحية مؤيدة بصراحة شديدة لإسرائيل مستخدمين كلمات قوية وغير مسبوقة.

في كانون الأول/ ديسمبر 2001، ذهب بيل مارسدن، الصحفي الاستقصائي في صحيفة مونتريال جازيت، على برنامج "كما يحدث" على شبكة سي بي سي لمناقشة الصحفيين الذين يسحبون مقالاتهم من الصحيفة بعد أن فرضت كان ويست سياسة تتمثل في أن جميع الصحف المحلية عليها أن تنشر الافتتاحية التي يكتبها رئيس التحرير المجموعة، مردوخ ديفيس. وأشار مارسدن إلى أن هذا أدى إلى توجه قوي مؤيد لإسرائيل.

قال مارسدن لـ سي بي سي: "إنهم لا يريدون رؤية أي انتقاد لإسرائيل. نحن لا ننشر في صحيفتنا المقالات التي تنتقد إسرائيل وما تفعله في الشرق الأوسط. ليس لدينا هذا الهامش من الحرية التي من الواجب أن تكون في مثل هذه القضايا.  لقد تعرضنا لحادثة حيث كتب زميل، وهو بروفيسور في جامعة واترلو، مقالة افتتاحية لنا ينتقد فيها قانون مكافحة الإرهاب وينتقد الحقوق المدنية. ويصدف أن هذا البروفيسور مسلم واسمه عربي. لقد تلقينا مكالمة من الإدارة يطالبون فيها بمعرفة سبب طباعتنا للمقال. وحاليًا، هذا النوع من الاستفسارات والأسئلة من الإدارة العليا نراه بشكل مستمر".

كما أجرت قناة سي بي سي مقابلة مع ديفيس، وسألته عما إذا كانت أحد صحف المجموعة تريد كتابة افتتاحية تتعلق بإسرائيل تتعارض تمامًا مع الافتتاحية المكتوبة من مكتبك، فهل ستتمكن من كتابة ذلك؟

قال ديفيس: لا، من الواضح أن القصد هو أن تتحدث الصحف بصوت واحد حول قضايا معينة ذات أهمية وطنية أو دولية شاملة.

في تشرين الثاني/نوفمبر 2001، كتبت بيغي كيوران وهي ناقدة تليفزيونية في صحيفة مونتريال جازيت، مقالة عن فيلم وثائقي من إعداد شبكة سي بي سي بعنوان "في خط النار"، انتقدت فيه إسرائيل بسبب طريقة معاملتها للصحفيين الفلسطينيين. تم التحفظ على المقال من قبل المحررين في البداية، وتتطلب الأمر من كيوران أن تقدم شكوى عن طريق النقابة، ثم قامت بإجراء تغييرات كبيرة على المقالة ليتم نشرها. تركت كيوران وظيفتها بعد ذلك بوقت قصير احتجاجًا على ما حدث معها. في نيسان/أبريل 2002، قالت كيوران لتقرير واشنطن عن شؤون الشرق الأوسط، "عادة ما يكون النقد نقدًا ويسمح لك أن تقول ما تريد. لا يمكنني التفكير في موقف آخر حيث حدث لي ذات الأمر". وأضافت كيوران: "سواء كنت تعرف ذلك أم لا، فإنك تبدأ بمراقبة نفسك".

أصبحت الصحف التي تصدر عن مجموعة "آسبر" ساحة معركة، حيث يتعرض العديد من الصحفيين للرقابة أو الفصل من العمل إذا لم يكونوا يدعمون إسرائيل دعمًا كاملًا

في كانون الثاني/ يناير 2002، كتب دوغ كوثاند، وهو ينحدر من أصول تعود إلى الأمم الأولى في كندا (السكان الأصليين) وله عامود في صحيفة ريجاينا ليدر بوست التابعة لمجموعة كان ويست، وصحيفة ساسكاتون ستار فينكس، مقالاً يتعاطف فيه مع الفلسطينيين. وفقا لمقال تورنتو ستار الذي نشر في ذلك الشهر، كتب كوثاند أن "فقدانهم للأرض، ووضعهم في المخيمات السيطرة عليهم من قبل جهة أكثر قوّة، جعلهم مشابهين لشعوب كندا الأصلية". لم يسمح المحررون بنشر المقال، وهي المرة الأولى التي يحصل فيها ذلك لـكوثاند خلال عشر سنوات من الكتابة للصحف. قال كوثاند إن البعض في غرفة الأخبار أخبروه أن العمود معاد لإسرائيل بدرجة كبيرة بالنسبة لكان ويست. وقال "بالطبع سأستمر وأواصل الكتابة. لكنها لن تكون هي نفسها أبدًا... سوف أتلفت دائماً فوق كتفي".

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة.. تعرية ديمقراطية إسرائيل المتناقضة

في آب/أغسطس 2002، بعد وقت قصير من بيع صحيفة هاليفاكس ديلي من قبل كان ويست، كتب ديفيد سويك عن التحيز المؤيد لإسرائيل تحت ملكيتها. قال سويك، "بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر الإرهابية، كتبت بعض المقالات حول هذا الحدث. تم إخباري بعدها بقليل أنه لم يعد مسموح لي بكتابة أي شيء يتعلق بالشرق الأوسط. والسبب: لم يُنظر إلي على أنني من المؤيدين بشدة لإسرائيل. إن عائلة أسبر مؤيدة لإسرائيل بشدة، ويجب أن تعكس صحفهم هذا الأمر".

وقال بيتر مارش، كاتب عمود آخر في صحيفة ديلي نيوز، إنه تم تنحيته من منصبه بعد عشر أعوام من العمل فيه بسبب مقال كتبه ينتقد إسرائيل.

في وصف هذه الفترة، قال تشارلز شانون، محرر في صحيفة مونتريال جازيت لصحيفة ذا ناشون في عام 2007، إن هناك خطًا معينًا تم رسمه وهو أنه يجب ألا يكون هناك أي انتقاد لإسرائيل. وأعني بذلك أنه لا يسمح حتى بلي ذراعهم ولو على نحو خفيف.

لم يقتصر هذا التحيز الذي تفرضه الشركة على المقالات الافتتاحية أو مقالات الرأي.

في عام 2006، أصدرت مؤسسة الشرق الأدنى للثقافة والتعليم الكندية دراسة تبحث في كيفية وصف وتصوير صحيفة "ذا ناشونال بوست" للفلسطينيين في عام 2004. وفقًا لمقال جورجيا ستريت المنشور عام 2008، وجد التقرير أن "ذا ناشونال بوست كانت 83.3 مرة أكثر في نشر خبر عن وفاة طفل إسرائيلي من وفاة طفل فلسطيني في عناوين المقالات الإخبارية أو في الفقرات الأولى من المقالات" والتي "أظهرت أن الأطفال الإسرائيليين قتلوا بمعدل أعلى أربع مرات من الأطفال الفلسطينيين خلال عام 2004 في حين أنه في الواقع قتل 22 طفلًا فلسطينيًا مقابل كل طفل إسرائيلي في تلك السنة".

في نفس العام، أصبح تحيز صحف مجموعة كان ويست صارخًا للغاية لدرجة أن وكالة رويترز طلبت منها إزالة أسماء مراسليها من القصص الإخبارية قبل استخدامها، أو عدم تضمين أي علاقة برويترز على الإطلاق. جاء الطلب بعد أن طبقت كان ويست سياسة استخدام وصف "إرهابي" بشكل أكثر اتساعًا، على سبيل المثال استبدال مصطلح "المتمردين" في مقالات رويترز بمصطلح "إرهابي". كما اضطرت كان ويست إلى إصدار تصحيحات متعددة بعد أن فعلت الشيء نفسه مع تقارير أسوشيتد برس، بما في ذلك وصف ستة فلسطينيين قتلوا على يد القوات الإسرائيلية بـ"الإرهابيين" عندما أشار الخبر الأصلي إليهم بـ"المطاردين".

تستمر الأمثلة، وتمتد منذ استحواذ أسبر على هولينجر إلى الفترة التي تلت وفاته عام 2003 عندما أصبح أولاده يديرون المجموعة. في عام 2010، تم بيع المجموعة وأصبحت تملكها شبكة بوست ميديا. ومع ذلك، بقيت الكثير من السياسات على حالها.

في عام 2008، قامت كان ويست بتعيين بول جودفري كرئيس تنفيذي لناشونال بوست ثم عضوًا في مجلس إدارة الشركة، كان جودفري هو الشخص الذي قام بعقد ترتيبات شراء ممتلكات كان ويست الإعلامية، ثم أصبح الرئيس التنفيذي ورئيسًا لشبكة بوست ميديا الجديدة، وهو المنصب الذي ظل فيه حتى عام 2019. ولا يزال الرئيس التنفيذي للشركة.

كما بقيت المركزية في المجموعة مسألة شائكة، ففي عام 2015، على سبيل المثال، أمر جودفري كل الصحف الصادرة عن بوست ميديا بكتابة مقالات تدعم رئيس الوزراء آنذاك ستيفين هاربر للانتخابات القادمة. ادعت المقالات أن حزب المحافظين "أبقوا كندا بشكل كبير في الجانب الصحيح من التاريخ فيما يتعلق بشؤون أوكرانيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا". علاوة على ذلك، وفقًا لمقال في كندالاند عام 2019، "أعطت بوست ميديا توجيهًا لجميع منشوراتها للتحول إلى اليمين السياسي، بطريقة مركزية غير مسبوقة"، ويخشى الموظفون أن هذا التوجه سيقضي على النظرة المحلية للمجموعة والاستقلالية السياسية لبعض أهم وأقدم الصحف الكندية.

عندما كانت عائلة أسبر تضغط لتسير وفق خط مؤيد لإسرائيل في صحفها، لاحظت مجموعات مراقبة الصحافة في كندا والخارج ذلك وبدأت بمحاربته

في حين أنه قد يكون من المغري شطب ورفض هذا كعمل لسلسلة صحف واحدة، فإن بوست ميديا هي الأكبر في البلاد، حيث تسيطر على ما يقرب من 30 في المائة من سوق الصحف الكندية منذ عام 2017. فإن أي تعديل أو تغيير تجاه الدعم المستمر لإسرائيل كجزء من مسيرة التحول لليمين سيكون خطيراً للغاية.

اقرأ/ي أيضًا: لوبيات إسرائيل واستهداف جيرمي كوربين.. ما القصة؟

يستهزأ الصحفيون من فكرة أن كبار المسؤولين يخبرونهم بما يجب عليهم فعله، لكن الواقع يثبت أنه صحيح في كثير من الأحيان. ومما زاد الطين بلة أن المجموعات التي كانت تستنكر تدخل الشركات أصبحت جزءًا من المشكلة.

مجموعات مناصرة الصحفيين

عندما كانت عائلة أسبر تضغط لتسير وفق خط مؤيد لإسرائيل في صحفها، لاحظت مجموعات مراقبة الصحافة في كندا والخارج ذلك وبدأت بمحاربته. والآن، ومع ذلك، عملت بعض مجموعات الصحافة بشكل فعال للحفاظ على التحيز المؤيد لإسرائيل. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك – وهو مثال مثير للقلق بشكل خاص- في نيسان /أبريل 2018 في منظمة الصحافيين الكنديين من أجل حرية التعبير (CJFE) (3)، وهي مجموعة "تدافع ظاهريًا عن حرية التعبير والوصول إلى المعلومات في كندا وعلى المستوى الدولي". وهذا الحادث بالذات، أكثر من أي حادث آخر، هو ما زعزع إيماني بهذه المهنة.

شارك الفلسطينيون في 30 مارس/آذار 2018 في أول سلسلة من مسيرات العودة. قمعت إسرائيل هذه المسيرات بقسوة. في اليوم الأول منها، قُتل 17 فلسطينيًا على الأقل، وأصيب أكثر من 1400 شخص، من بينهم 10 صحفيين.

في 2 نيسان/أبريل، أصدر منسق الترويج والاتصالات في المنظمة كيفين ميتكالف بيانًا دعا الحكومة إلى "إدانة استخدام القوة العسكرية من جانب واحد ضد المتظاهرين المدنيين ووسائل الإعلام في غزة". على الرغم من أن مهمة المنظمة تتمثل في حماية الصحفيين، وهناك أمثلة على تصريحات مماثلة وجهتها إلى دول أخرى، والانتهاك الواضح لحرية الصحافة والقانون الدولي من قبل الإسرائيليين، إلا أن هذا البيان تمت إدانته علنا من قبل مجموعة من الصحفيين.

في 8 نيسان/أبريل، وبعد يومين من قتل إسرائيل لصحفي فلسطيني يرتدي سترة الصحافة الزرقاء، تمت إزالة البيان من الموقع. وفي نفس اليوم، كتب ميتكالف، "لقد علمت أنه في الأسبوع الماضي، تم تقديم ستة استقالات من قبل اللجنة التنفيذية للمنظمة ولجنة الاحتفالات، بما في ذلك استقالة المدير التنفيذي بالإنابة ورئيس المجلس". وأضاف: "استقال موظفو سي بي سي الذين كانوا أعضاء مساهمين أقوياء في لجنة جمع التبرعات بعد أن رفضوا ما جاء في البيان".

كتب ميتكالف، الذي سيتم طرده بعد ذلك بأسبوع، "من المثير للقلق أن الضغط الذي يمارسه موظفو القطاع العام في هيئة الإذاعة الحكومية أدى إلى رقابة صارمة على رسالة احتجاج من قبل منظمة تدافع عن الصحفيين. في رأيي أن هذا يوضح محاولة موظفي القطاع العام ممارسة تأثير لا مبرر له على مجموعة من المجتمع المدني وهذا ما يبدو ظاهريًا نيابة عن حكومة أجنبية".

وقالت إحدى موظفات سي بي سي التي استقالت من منظمة الصحافيين الكنديين من أجل حرية التعبير، مقدمة برنامج "كما يحدث" كارول أوف، لصحفي آخر في سي بي سي، "أعتقد أنه يجب التعامل مع تجاوزات إسرائيل بشكل مختلف عن تلك الموجودة في المملكة العربية السعودية. لدى إسرائيل مؤسسات ديمقراطية، صحافة حرة وشفافية عالية. السعودية لا تملك شيء من ذلك. ولذا أعتقد أن لغة الخطاب ستكون مختلفة، كما تكون لغة خطابنا مع الولايات المتحدة".

أصبح التحيز المؤيد لإسرائيل راسخًا في وسائل الإعلام الكندية لدرجة أن منظمة مناصرة الصحافة لم تستطع نشر انتقادات معتدلة لحكومة قتلت صحفيين عمدًا

كما أصدرت منظمة الصحافيين الكنديين من أجل حرية التعبير بيانًا مشيرة إلى أن "هذا الحدث الأخير في المنظمة أوضح أن المجلس يحتاج إلى مراجعة عمليات الحوكمة، ولكن الأهم من ذلك، أنه يحتاج إلى تركيز جهوده على تكليفه وتعليماته الأساسية وعلى تأمين التمويل المناسب للاستمرار في عملها. سنقضي الأشهر القليلة القادمة في المراجعة وإعادة التركيز والتأكد من أن المنظمة تستمر لفترة طويلة في المستقبل. هذا البيان، وموظفين آخرين في المنظمة، أوضحوا أن الاستقالات الجماعية وسحب التبرعات بشكل فعال أجبرت المنظمة على إغلاق أبوابها.

اقرأ/ي أيضًا: إيلان بابيه يفضح "فكرة إسرائيل"

في الأشهر اللاحقة، قتلت إسرائيل أكثر من 180 فلسطينيًا في هذه الاحتجاجات، ومجموع المصابين وصل إلى أكثر من 9200 شخص وشمل ذلك مقتل صحفيين إثنين وإصابة 39 آخرين على الأقل بالرصاص الحي. وفي تقرير لجنة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول الاحتجاجات تم ذكر أن هناك "أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن القناصة الإسرائيليين أطلقوا النار على الصحفيين عمدًا، على الرغم من قدرتهم على تمييزهم بأنهم صحفيين".

أصبح التحيز المؤيد لإسرائيل راسخًا في وسائل الإعلام الكندية لدرجة أن منظمة مناصرة الصحافة لم تستطع نشر انتقادات معتدلة لحكومة قتلت صحفيين عمدًا.

مجموعات الضغط (اللوبي)

عندما ينفذ إلى النشر أي شيء ينتقد إسرائيل حتى ولو من بعيد، تبدأ مجموعات الضغط بالعمل. لتوضيح الأمر، توجد مجموعات ضغط لجميع القضايا. ومع ذلك، فإن أولئك الذين يعملون نيابة عن إسرائيل يتمتعون بتمويل جيد وفعال، كما هو موضح في السلسلة التي اعدتها قناة الجزيرة عن اللوبي في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، والتي كانت تخضع للرقابة بناء على طلب إسرائيل وهي تُنشر فقط لأنها تسربت. توجد العديد من هذه المجموعات في كندا، لكني سأقوم بالتركيز على واحدة منها لأن الغرض الوحيد لها هو "الدفاع" عن إسرائيل في وسائل الإعلام.

تصف منظمة "Honest Reporting Canada" (4) أونست ريبورتينج كندا، التي تأسست عام 2003، نفسها بأنها منظمة مستقلة تعزز العدالة والدقة في تغطية وسائل الإعلام الكندية لأخبار إسرائيل والشرق الأوسط. تتضمن صفحة الشهادات ثناءً كبيرًا من سفير إسرائيل السابق في كندا، والقنصل العام السابق لإسرائيل في مونتريال والرئيس والمدير التنفيذي السابق لشركة كان ويست، ليونارد أسبر نجل إسرائيل أسبر. يتباهى موقع المنظمة على الإنترنت بوجود أكثر من 45000 مشترك، وبأنها حققت مئات الاعتذارات والتراجعات والمراجعات من وسائل الإعلام، وهي الجهود التي يدعون أنها "تغير وجه وسائل الإعلام والتقارير عن ممارسات إسرائيل في جميع أنحاء العالم".

بشكل أساسي، الطريقة التي تعمل بها أونست ريبورتنج هي أن يقوم الموظفون والمشتركون بتفحص وسائل الاعلام الكندية بحثًا عن الأشياء التي لا يرغبون بها. بعد ذلك، يعمل موظفو المنظمة للحصول على التصحيح أو التراجع أو الاعتذار أو فرصة نشر رد ما على المواد المنشورة اعتمادًا على العلاقات مع الصحفيين أو استخدام قائمة بريدهم الإلكتروني لإغراق الصحف المستهدفة بالشكاوى.

في كندا، عندما ينفذ إلى النشر أي شيء ينتقد إسرائيل حتى ولو من بعيد، تبدأ مجموعات الضغط بالعمل

تقدم الحادثة التي وقعت عام 2004 والمتعلقة بالمجلة الطبية البريطانية (BMJ) مثالاً واضحًا، وعلى الرغم من أنها تركز على مبادرة أخرى لمنظمة أونست ريبورتينج كندا والتي تعتبر تابعة لها في كندا دون إرتباط مباشر.

اقرأ/ي أيضًا: بروباغندا "التسامح الديني" وواقع "حماة" إسرائيل

في تشرين أول/ أكتوبر 2004، نشرت المجلة الطبية البريطانية مقالًا للمحاضر الكبير ديريك سمرفيلد ينتقد "ما اعتبره انتهاكات ممنهجة لاتفاقية جنيف الرابعة من قبل الجيش الإسرائيلي في غزة". ثم، كما ورد في مقال آخر في الدورية عام 2009 لكارل صباغ، فقد تلقت المجلة ومحررها العربي الكثير من الانتقادات، والذي يزعم أن الكثير منه نتج عن طلب أونست ريبورتينج من القراء إرسال رسائل إلكترونية إلى المجلة ومحررها. وردت أكثر من 970 رسالة إلكترونية، بما في ذلك تهديدات بالقتل ضد المحرر، زاعمة أنه متحيز بسبب "اسمه الشرق أوسطي"، بالإضافة إلى كراهية عنيفة للإسلام وتمجيد تقرير منظمة أونست ريبورتنج الذي ينتقد المجلة.

كتب صباغ هذا النوع من الحملات يركز على سحب المقالات وطرد المحررين، على عكس "الجدل الكبير والمتحضر الذي يتوقع المرء العثور عليه في مجلة علمية أو طبية." بشكل حاسم، كتب صباغ أيضًا أنه "لكي يتم هذا القمع، يجب أن يكون موجهًا إلى الأشخاص الذين ليسوا على دراية بالقضايا والذين قد يتم إقناعهم بأنهم قد أخطأوا بطريقة ما. قراءة الرسائل الإلكترونية المرسلة إلى المجلة الطبية البريطانية والمحررين والأشخاص الذين يديرون ويمولون منشوراتهم، قد يعتقدون كثيرًا أنه قد تم ارتكاب خطأ تحريري مروع. وخلق هذا الاعتقاد هو، بالطبع، النية المرادة. إذا أثار الدخول في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مثل هذا الرد الفعل الكبير والعدائي، ناهيك عن الادعاءات بأن التفاصيل المهمة خاطئة، فإن الهدف يكمن في تجنب الموضوع في المستقبل".

بينما يتحدث هذا المثال عن مجلة طبية، فإنه يتم تطبيق ذات الأسلوب مع وسائل الإعلام. في منشور عام 2002 على موقع أونست ريبورتينج الأمريكي نقلًا عن ملاحظات جيروزاليم بوست، فقد أرسل قراء الموقع ما يصل إلى 6000 رسالة إلكترونية يوميًا إلى المديرين التنفيذيين في شبكة سي إن إن، مما أدى إلى شل نظام البريد الإلكتروني الداخلي الخاص بهم. أثناء عملي كمحرر تلقيت مثل هذه الأنواع من رسائل البريد الإلكتروني من قبل، لكن بشكل أقل بكثير مما تعرضت له سي إن إن والمجلة الطبية البريطانية.

يضع موقع أونست ريبورتنج على الإنترنت أكثر من 75 وسيلة إعلامية كندية اتُخذت إجراءات ضدها بنجاح، مع تقديم تفاصيل عن كل وسيلة منها. بعض التصحيحات المدرجة هي أخطاء بسيطة، مثل تاريخ خاطئ. ومع ذلك، فإن العديد من التصحيحات الأخرى، أو محاولات الحصول عليها، هي أمثلة واضحة على تحيز المنظمة تجاه إسرائيل.

على سبيل المثال، في "تنبيه إعلامي" بتاريخ الخامس من حزيران/يونيو 2020 تم التنبيه والتركيز على تغريدة من أندراي دوميس قال فيها: "تحية لمقاتلي الحرية الفلسطينيين الذين أفسحوا مجالًا في قلوبهم لذوي البشرة السوداء في نضالنا المشترك". ينص تقرير أونست ريبورتنج "أنه لا يوجد موضوعية ولا حياد سياسي في الإعلام الكندي. أونست ريبورتنج أبلغت صحيفة ماكلين التي يكتب بها دوميس بهذا الأمر". ما هي الجريمة المُتهم بها دوميس الذي يكتب مقالات رأي في صحيفة ماكلين هنا؟ هل جريمته هي جرأته في التعبير عن التضامن بين السود في أمريكا الشمالية والفلسطينيين؟

تمكنت أونست ريبورتنج من جعل راديو كندا القيام بانتهاك معاييره الخاصة لفرض رقابة على مقال وتوبيخ مراسل عربي لأنه تجرأ على التحدث إلى سكان غزة الذين نادرًا ما يتم سماعهم في وسائل الإعلام

فيما يلي مثال ناجح حديث في راديو كندا. في 24 نيسان/أبريل، نشروا مقالًا للمراسل كامل بوزبودجين يبحث في كيف أن إسرائيل تفاقم وتبالغ في الحديث عن المخاطر التي يواجهها الفلسطينيون في غزة من جائحة كوفيد-19، وتضمنت المقالة مقابلات مع سكان غزة أنفسهم. بعد أربعة أيام، أرسلت أونست ريبورتينج شكوى إلى أمين المظالم في راديو كندا جاي غيندرون حول المقالة، مدعية أنها "مليئة بالأخطاء". أشار مقدم برنامج كندالاند، جيسي براون، "في الحقيقة، قائمة العشر أخطاء لم تكن فعليًا قائمة أخطاء بل كانت حجة مضادة. كانت تسع من النقاط العشرة تقول ببساطة، "اللوم يقع على حماس، وليس على إسرائيل".

اقرأ/ي أيضًا: صحيفة إيلاف.. صوت إسرائيل بأموال مملكة ابن سلمان

على الرغم من ذلك، رد غيندرون على المنظمة في 12 أيار/ مايو، وأخبرهم بأننا "قررنا سحب هذه المقالة من مواقعنا"، وأن "المتابعة تمت مع السيد بوزبوجدين والفريق لتوعيتهم عن هذا الموضوع". ثم تمت إزالة المقالة من الموقع، مع نشر خبر سحب المقال على رابط آخر.

كما أشار براون، فإن سياسات سي بي سي وراديو كندا التحريرية تجعل هذا القرار غريب بشكل لا يصدق. وفقًا لـ "المعايير والممارسات الصحفية" التي تتبناها سي بي سي وراديو كندا بشأن حذف المقالة، "إن المحتوى المنشور لدينا هو مسألة عامة. وإذا ما تم تغيير محتوى أي مادّة منشورة، فإنه يغير سجلاتنا ويمكن أن يؤدي إلى تقويض مصداقيتنا وثقة الجمهور في صحافتنا. يمكن أن تكون هناك استثناءات لهذا الحالات – حيث توجد اعتبارات سلامة قانونية أو شخصية للشخص المذكور. من الواضح أن هذه الاستثناءات لا تنطبق على هذه القصة.

باختصار، تمكنت أونست ريبورتنج من جعل راديو كندا القيام بانتهاك معاييره الخاصة لفرض رقابة على مقال وتوبيخ مراسل عربي لأنه تجرأ على التحدث إلى سكان غزة الذين نادرًا ما يتم سماعهم في وسائل الإعلام. هذا مجرد مثال واحد، ولكن هناك المئات من التصحيحات المدرجة على موقعهم الإلكتروني. كما يمكنك أن تتخيل، تضاف هذه إلى وسائل الإعلام المقيدة، والذي بدوره يحطم الكثير من التقارير النقدية عن إسرائيل التي تمكنت من أن تنفذ وتتجنب أساليب الحجب والتنقيح الأخرى.

يرى معظم الناس أن الصحافة إما لها وظيفة واحدة أو كلتا الوظيفتين التاليتين: إعلام الجمهور أو إراحة المنكوبين وإزعاج المرتاحين.

من المؤكد أن التحيز المؤيد لإسرائيل منع الصحفيين من إبلاغ الجمهور بشكل صحيح، حتى من خلال التفكير الأساسي أن هناك "جانبان لكل قصة"، فإن التغطية غير كافية. القراء الذين يعتمدون فقط على وسائل إعلام مؤسسية لتغطية إسرائيل وفلسطين سيكون لديهم فهم مشوه بالكامل للصراع، وفهمه على غرار الدعاية الإسرائيلية بدلاً من الحقيقة، وهذا يعتبر فشل.

ومع ذلك، فإن عدم الرغبة في معالجة اختلالات القوة من خلال التغطية يعتبر الأمر الأسوأ. إسرائيل دولة مستعمرة استيطانية مبنية على قتل وتهجير الفلسطينيين الذين يخضعون الآن لنظام الفصل العنصري. تنتهك إسرائيل بشكل صارخ القانون الدولي على عدة مستويات. ومن المقرر أن تضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية لتكمل فعليًا تدمير فلسطين. وسائل الإعلام التي تعمل على فرض التحيز المؤيد لإسرائيل الآن هي ما يعادل المدافعين عن الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

بشكل حاسم، الحكومة الكندية هي واحدة من أنصار إسرائيل الرئيسيين على المستوى الدولي. وهذا يعني أن الصحفيين يفشلون في تحقيق العدالة للمضطهدين

بشكل حاسم، الحكومة الكندية هي واحدة من أنصار إسرائيل الرئيسيين على المستوى الدولي. وهذا يعني أن الصحفيين يفشلون في تحقيق العدالة للمضطهدين، ولكنهم أيضًا يتماشون بشكل فعال مع موقف السياسة الخارجية لحكومتهم، مما يؤدي إلى التنازل عن هذه المسؤولية دوليًا وداخليًا. تلعب هذه التغطية أيضًا دورًا في ثني الجمهور عن العمل من أجل محاسبة إسرائيل.

اقرأ/ي أيضًا: فيسبوك واستخبارات إسرائيل.. غراميات معلنة

آمل أن تكون هذه المقالة مفيدة في تأطير سياق التغطية الإعلامية الكندية للصراع، مانحة الأدوات اللازمة لمكافحة التحيز عندما يقع وعلى الرغم من أنني أتحدث عن التحيز الآن، فإنه قد تم إسكاتي من قبل، وهذا لن يحدث مرة أخرى.

 

هوامش

  1. مجموعة كان ويست الإعلامية أسسها المحامي إسرائيل أسبر (إيزي أسبر) وكانت تمتلك معظم الصحف والدوريات اليومية والأسبوعية والشهرية في كندا، أعلنت إفلاسها عام 2009 وتم بيعها في العام التالي لمجموعة بوست ميديا.
  2. سي بي سي : المؤسسة الكندية للإعلام، وهي مملوكة للحكومة الفيدرالية ولها قنوات تلفزيونية ومحطات راديو في كل المقاطعات الكندية، وتعتبر أهم نافذة إخبارية كندية.
  3. منظمة الصحافيين الكنديين من أجل حرية التعبير CJFE: منظمة كندية تأسست عام 1981 تُعني بالدفاع عن حرية التعبير في كندا وحول العالم https://www.cjfe.org/.
  4. Honest Reporting Canada: أونست ريبوتنج كندا: هي منظمة شعبية مستقلة تعزز العدالة والدقة في التغطية الإعلامية الكندية لإسرائيل والشرق الأوسط. https://honestreporting.ca/

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما آخر تقليعات السيسي في التقرب من لوبيات إسرائيل؟

Unorthodox.. دراما نتفليكس في خدمة "إسرائيل"