04-سبتمبر-2017

تواجه دعوة إنشاء وزارة دفاع للمعارضة السورية العديد من العراقيل على رأسها روسيا وتحرير الشام (أ.ف.ب)

بعد نحو شهر على إطلاق ضباطٍ سوريين منشقين، دعوة لتشكيل الجيش السوري الموحد، دعا المجلس الإسلامي السوري نهاية آب/أغسطس الماضي، فصائل المعارضة السورية المسلحة للتوحد ضمن جسم عسكري واحد تحت إشراف وزارة للدفاع تقوم بتشكيلها الحكومة السورية المؤقتة، وذلك بالتزامن مع تعاظم نفوذ هيئة تحرير الشام (هتش) شمال سوريا ومحاولتها قيادة العمل المدني والمؤسساتي فيها.

فصائل المعارضة تدعم تشكيل وزارة للدفاع

ودعا المجلس الإسلامي يوم 30 الشهر الماضي فصائل المعارضة لـ"إنهاء حالة التشرذم". وبإشارة مباشرة أعلن المجلس تأييده إدارة الحكومة المؤقتة للعمل العسكري بقوله: "ليس في الساحة أنسب من وزارة دفاع تشكلها الحكومة المؤقتة وترعاها"، داعيًا كافة الفصائل للاستجابة للدعوة.

 انطلقت عدة دعوات، على رأسها دعوة المجلس الإسلامي السوري، لتأسيس وزارة دفاع تجمع كافة فصائل المعارضة المسلحة

والمجلس الإسلامي السوري، هو كيان أسسه عام 2014 مجموعة من العلماء والهيئات الشرعية بعد خروجهم من سوريا، بسبب مواقفهم الداعمة للمعارضة السورية.

اقرأ/ي أيضًا: حول فكرة "المكونات" في مبادرات المعارضة السورية

وأعلنت غالبية فصائل المعارضة المسلحة دعمها لبيان المجلس الإسلامي، في بيانات منفصلة، كان أبرزها حركة أحرار الشام الإسلامية وحركة نور الدين الزنكي والجبهة الشامية وفيلق الشام. كما أصدر رئيس الحكومة السورية المؤقتة جواد أبو حطب، بيانًا دعا فيه إلى "تشكيل جيش وطني موحد يشمل جميع الفصائل الثورية".

وإلى جانب فصائل المعارضة، أيّد ضباط منشقون مطالبة المجلس بإنشاء وزارة دفاع، وطالبوا في بيانهم جميع "الفصائل الثورية الموافقة على الدعوة لتنظيمها وتوحيدها وتأطيرها وهيكلتها ضمن تشكيلات عسكرية مقاتلة بقيادة ضباط اختصاصين محترفين كما هي عليه جيوش العالم"، في خطوة يمكن اعتبارها مكمّلةً للنداء الذي وجهه قبل شهر لقادة الفصائل من أجل التوحد ضمن جسم عسكري.

 

 

وكان ضباط منشقون، قد أطلقوا بيانًا مُوحدًا في 25 تموز/يوليو الماضي، تضمن مبادرة لتشكيل الجيش السوري الموحد، بعد أن يتم توحيد جميع الفصائل، وعلى أن تكون إدارتها من قبل الضباط المنشقين، داعين جميع الضباط من كافة الرتب والاختصاصات للعمل ضمن التشكيل. لكن المبادرة لم تلقَ قبولًا بين فصائل المعارضة المنشغلة بمراقبة تزايد نفوذ هيئة تحرير الشام في شمال سوريا.

عقبة تحرير الشام

وجاءت الدعوة التي أطلقها المجلس الإسلامي بالتزامن مع تنامي نفوذ هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب، بعد انحسار نفوذ كبرى فصائل المعارضة فيها، وفيما كانت تأمل هتش أن توحد الفصائل تحت قوة السلاح ضمن جسم عسكري يُشرف على الشمال السوري، مع إدارة مدنية تكون هي المسيطر عليهما، صدر بيان المجلس ليقضي على أي أمل لهتش في تشكيل اندماج عسكري موحد بشروطها وتحت قيادتها.

وأصبحت هتش مسؤولة عن معبرين حدوديين مع تركيا بريف إدلب، ولديها خطوط جبهات مع قوات الأسد من خلال سيطرتها على بلدات بريف حلب الغربي، وفي مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي يقابلها ريف حماة، وكذا في مدينة جسر الشغور بريف إدلب الغربي قرب ريف اللاذقية، ما يُسهل عليها شن أي هجوم على مواقع النظام عند أي عملية تفاوض ترعاها الجهات الدولية بين جميع الأطراف المتحاربة في سوريا، باستثناء التنظيمات الإسلامية المتطرفة، والتي تعتبر الأمم المتحدة هيئة تحرير الشام إحداها.

تنامي نفوذ تحرير الشام على الأرض، اصطدم مع انفصال حركة نور الدين الزنكي عنها، والتي يقدر عدد عناصرها بـ9 آلاف مقاتل

وفي مقابل تنامي نفوذها على الأرض، خسرت هتش أبرز الفصائل التي كانت مندمجة معها بإعلان حركة نور الدين الزنكي انفصالها عن التشكيل، بعد الهجوم الأخير الذي شنته هتش على حركة أحرار الشام الإسلامي. ويبدو أن تحرير الشام تأثرت بقرار حركة الزنكي، التي يقدر عددها بتسعة آلاف مقاتل. ومنذ إعلان الأخيرة انفصالها عن هتش تعرضت لهجومين على الأقل بريف حلب الغربي.

اقرأ/ي أيضًا: 4 سيناريوهات محتملة ينتظرها الشمال السوري

ومنذ منتصف 2014 بدأت جبهة النصرة قبل أن تُبدل اسمها لجبهة فتح الشام، بشن هجمات مفاجئة على فصائل المعارضة في شمال سوريا. وقضت  خلالها على أكثر من عشرة فصائل عسكرية، كان من بينها جبهة ثوار سوريا وحركة حزم، ولاحقًا الفرقة 13. كما عملت على إجهاض أي عملية اندماج بين فصائل الجيش السوري الحر، وقامت في مقابل ذلك باحتواء غالبية الفصائل الإسلامية المتشددة ضمن تشكيلها، إلى أن قادت الاندماج الأخير مطلع العام الجاري بتشكيلها هيئة تحرير الشام.

هل تنجح الحكومة المؤقتة في إدارة وزارة دفاع؟

ويقف أمام الدعوة الأخيرة الكثير من العراقيل، في حال تبنت الحكومة المؤقتة تشكيل وزارة دفاع. ويأتي في مقدمة هذه العراقيل، هيئة تحرير الشام نفسها، التي بدأت بالإشراف على عمل المؤسسات المدنية في محافظة إدلب، وأعرب قائدها أبو جابر الشيخ عن قبولهم حل نفسهم مقابل حل فصائل المعارضة لنفسها، وهي الخطوة التي استبقت بيان المجلس الإسلامي، الذي يبدو أنه جاء ردًا عليها.

ويبدو صعبًا أن تقبل هتش بالبيان الأخير، وتفقد قوتها العسكرية التي بنتها خلال السنوات الثلاثة الماضية، كما أنها أضحت أكبر قوة عسكرية بعد عمليات الانشقاق الأخيرة في صفوف أحرار الشام، وانضمام عشرات القادة والمقاتلين القادمين من المناطق التي خضعت في وقت سابق لمخطط التهجير القسري، لذا فمن المرجح أن تكون خارج أي اندماج جديد ما لم تكن القيادة لها، أسوةً بتجربتها الحالية التي يقودها عسكريًا أبو محمد الجولاني القائد العام لفتح الشام.

كذلك فإن الأخبار التي جرى تداولها خلال الأيام الماضية حول تبديل بعض الدول الغربية مواقفها بخصوص الوضع السوري، وقبلها إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيقاف برنامج سلفه باراك أوباما المرتبط بدعم فصائل المعارضة المعتدلة عسكريًا؛ يقفُ عائقًا أمام تشكيل أي جسم عسكري موحد في ظل الانقسام الدولي حول الأزمة السورية، وبالأخص أن مسؤولين أمريكيين قالوا إن أحد أسباب إيقاف الدعم كان محاولة ترامب إيجاد طريقة للعمل مع موسكو في سوريا.

كثير من العراقيل تقف أمام مبادرة إنشاء وزارة دفاع للمعارضة، على رأسها روسيا التي ستمثل تلك الخطوة تهديدًا لمصالحها في سوريا

ويفرض الواقع الحالي عرقلة موسكو لمثل هذه الخطوة كونها أصبحت أكثر إصرارًا على الوصول لحل سياسي، بعد تراجع دور واشنطن في الأزمة السورية، زيادة على المصالح الروسية في الساحل السوري، وتأمينها عسكريًا. لذا قد يعني تشكيل وزارة دفاع من فصائل المعارضة، تهديدًا لمصالح موسكو بشكل مباشر في سوريا، الأمر الذي يجعلها ترفض قطعيًا إجراء كهذا.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تحولت مكاسب روسيا في سوريا وأوكرانيا لخسائر

ويأتي في نهاية هذه العوائق دخول منصة موسكو إلى جانب منصة القاهرة في مفاوضات مباشرة مع الهيئة العليا للمفاوضات. وترفض منصة موسكو الاعتراف بالحكومة السورية المؤقتة، وإنشاء أي جسم عسكري لا يتبع للنظام السوري بشكل مباشر، بالتزامن مع الضغوط الدولية التي تطالب المعارضة السورية بتشكيل وفد موحد للجلوس على طاولة المفاوضات مع النظام السوري، وبالتالي فإن تشكيل وزارة دفاع قد يباعد المسافة بين فرقاء المعارضة السوريين المنقسمة أساسًا.

وعلى ضوء المعطيات السابقة، فإن الحكومة السورية المؤقتة بحاجة لتقديم ضمانات للجهات الدولية الفاعلة في سوريا حتى تستطيع الإقدام على مثل هذه الخطوة، ربما يكون من ضمنها قبولها محاربة كافة الفصائل الإسلامية المتطرفة المدرجة على لائحة الأمم المتحدة، ويبقى الأهم من ذلك رد هتش التي لم يصدر عنها أي بيان رسمي حول المبادرة حتى الآن، ما يدل على أنها غير معنية بهذه الدعوة، ما قد يعقد مسألة أي جسم عسكري موحد في ظل انحسار نفوذ فصائل المعارضة في الشمال السوري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

التدخل المصري في سوريا.. ألعاب السيسي للاستئثار بالحكم في مصر!

الدولة المفيدة تكتمل.. كيف وقع التغيير الديموغرافي "القسري" في سوريا؟ (3-3)