12-فبراير-2020

وزيرة الصحة المصرية هالة زايد (صحف مصرية)

تقدمت وزارة الصحة والسكان المصرية، الأسبوع الماضي، ببلاغ للنائب العام ضد النقابة العامة للأطباء، على وقع الخلاف الدائر بينهما حول حقوق الأطباء التي يُطالب بها مجلس النقابة. إلا أن الاتهامات التي تضمنها البلاغ اعتبرها البعض "مثيرة للدهشة" في توقيتها، وبمثابة لجوء من الوزارة لـ"الحل الأمني" في مواجهة نضال الأطباء القديم المتجدد.

لجأت وزارة الصحة المصرية إلى "الحل الأمني" في مواجهة نضال الأطباء القديم المتجدد لتحسين أوضاعهم

تضمنت الاتهامات التي وجهتها الوزارة ضد نقابة الأطباء "تكدير الأمن العام باختلاق الأكاذيب وافتعال الأزمات، وإثارة الأطباء، والتسبب في إهدار المال العام، وتعمد ليّ الحقائق والعمل على إفشال جهود الوزارة في الارتقاء بالمستوى التعليمي والمهني للأطباء، من خلال إثارتهم ومحاولة منعهم من التسجيل في برنامج الزمالة المصرية، والتسبب في امتناع نحو نصف دفعة (أيلول )سبتمبر 2019 عن التسجيل"، بحسب ما ورد في بلاغ الصحة.

اقرأ/ي أيضًا: حادث طبيبات المنيا يجدد معركة أطباء مصر مع الحكومة

واتهمت الوزارة نقابة الأطباء بتحريض الأطباء على عدم الاستجابة لدعوة الوزارة للأطباء بالتقدم لتلقي التدريبات اللازمة على كيفية التعامل مع أي حالات محتملة للإصابة بفيروس كورونا الجديد، الأمر الذي تقول الوزارة إنه تسبب في تراجع بعض الأطباء عن الموافقة على الالتحاق بالحجر الصحي المخصص للعائدين من الصين. 

كما اعتبرت وزارة الصحة، أن تحميل نقابة الأطباء، مسؤولين بالوزارة، مسؤولية وفاة ثلاث طبيبات وإصابة 10 أخريات في ما عرف بـ"حادث طبيبات المنيا"؛ تأليبًا للرأي العام ضد الوزارة.

أزمات متكررة بين الأطباء ووزارة الصحة

وخلال الأشهر الماضية تكررت الأزمات بين الأطباء ممثلين في نقابتهم وبين وزارة الصحة. وزادت حدة الخلاف بعد حادث طبيبات المنيا الذي تسبب في وفاة ثلاث طبيبات وإصابة 10 أخريات، حيث قالت النقابة إن الطبيبات الضحايا تلقين أمرًا بالانتقال من محافظة المنيا إلى العاصمة القاهرة لتلقي دورة تدريبية إلزامية، وذلك قبل موعد الدورة بيوم واحد، ورفضت الوزارة تأمين وسيلة نقل آمنة للطبيبات اللواتي لم يتسنّ لهن حجز تذاكر القطار، فاضطررن لاستئجار سيارة خاصة لنقلهن، تجنبًا لإيقاع العقوبات عليهن.

وعقب الحادث اتخذت نقابة الأطباء عدة إجراءات ضد الوزارة، من بينها التقدم بعدة بلاغات جنائية وإدارية لمحاسبة مسؤولين بالوزارة، حمّلتهم النقابة مسؤولية الحادث. كما طالب نقيب الأطباء، حسين خيري، البرلمانَ باستجواب وزيرة الصحة هالة زايد، على إثر الحادث، ومخاطبة رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء بالتحقيق في الحادث. 

ثم دعت النقابة لوقفة حداد أمام دار الحكمة، مقر النقابة العامة للأطباء بالقاهرة، انتهاءً بعقد جمعية عمومية طارئة للنقابة في السابع من شباط/فبراير الجاري، لبحث سبل التصعيد، لكن لم يكتمل نصاب الجمعية العمومية بألف طبيب، إذ لم يحضر سوى 650 طبيبًا فقط.

وقفة احتجاجية للأطباء في مصر
وقفة حداد للأطباء في مصر أمام مقر نقابتهم على خلفية حادث طبيبات المنيا

وقبل هذا الحادث كانت النقابة والوزارة في حالة شد وجذب حول قانون تكليف الأطباء الجديد، والذي اعترضت عليه النقابة، إذ كان سببًا في تسجيل 340 طبيبًا فقط من أصل 832 في حركة التكليفات. 

وأوضحت النقابة أنه في النظام القديم كان الطبيب يكلف لمدة سنة في الوحدات الصحية الريفية، ثم يقدم على النيابة في التخصص الذي يريد التدرب عليه، ثم يقدم على الماجستير أو الزمالة، بينما في النظام الجديد يتم دمج التكليف مع النيابة والزمالة أو الماجستير، وعليه، ترى النقابة أن في ذلك غياب للوضوح فيما يخص مصير الطبيب الذي لم يحصل على التخصص الذي يرغب في الالتحاق به. وتلا هذا الخلاف، اجتماعات بين الوزارة والنقابة لحل المشكلة.

فيروس كورونا يجدد الأزمات

أما آخر الأزمات بين الوزارة والأطباء فكانت على خلفية الإجراءات التي قامت بها وزارة الصحة لمواجهة فيروس كورونا الجديد، إذ قامت الوزارة بإنشاء حجر صحي بمنطقة مرسى مطروح، غربي مصر، للعائدين من مدينة ووهان الصينية، منشأ الفيروس.

وعبّر عدد من الأطباء وأعضاء في مجلس النقابة سابقين وحاليين، عن اعتراضهم على تلك الإجراءات، حيث أفاد بعضهم بأن الوزارة استدعت عشرات الأطباء للانتقال إلى مدينة مرسى مطروح بشكل عاجل خلال 24 ساعة، حيث قيل لبعضهم إنهم متجهون في قافلة طبية بمقابل مادي، بينما قيل للبعض الآخر إنهم سيذهبون إلى تدريب إلزامي. 

وفي الطريق إلى مرسى مطروح، عرف الجميع أنهم في طريقهم إلى الحجر الصحي المخصص للحالات المشتبه بإصابتها بفيروس كورونا الجديد، الذي لا يعرفون شيئًا عن التعامل معه. وفي حين قرر الكثير من الأطباء العودة للقاهرة، قال البعض إنهم هُددوا من قبل المعنيين في الوزارة بالمحاكمات العسكرية.

أحد الأطباء الذين ذهبوا للحجر الصحي، والذي رفض ذكر اسمه، قال لـ"الترا صوت" إنه أُخبر قبلها بيوم، بأنه سيتجه في قافلة طبية ستنطلق في 31 كانون الثاني/يناير المنصرم، لمدة 14 يومًا، مقابل 15 ألف جنيه (نحو 950 دولار أمريكي). لكنه تفاجأ وهو في طريقه إلى مدينة مرسى مطروح (440 كيلومتر من القاهرة)، بأنه ذاهب إلى حجر صحي مخصص للمشتبه بإصابته بفيروس كورونا، أقامته الوزارة في فندق المشير أحمد بدوي.

لكن الطبيب المذكور، وبعد لقائه بوزيرة الصحة مع باقي زملائه الأطباء، قرر العودة للقاهرة هو و15 طبيبًا آخرين، بسبب "عدم الشفافية، وعدم تلقي أي تدريب خاص للتعامل مع كورونا"، كما قال.

وزيرة الصحة المصرية هالة زايد

هذا وكانت هالة زايد وزيرة الصحة المصرية، قد نشرت لها عدة صور بمستشفى النجيلة التي قالت إنها خصصت للعائدين من مدينة ووهان الصينية. وبالإضافة للسخرية منها على مواقع التواصل الاجتماعي، لاقت صور الوزيرة انتقادات حادة، حتى على وسائل الإعلام المصرية، ذلك أن الصور، التي قالت الوزيرة إنها من تدريب استباقي على استقبال الحالات المشتبه بإصابتها بكورونا، أظهرت أنها لا تضع الكمامة الواقية على وجهها بشكل صحيح.

بلاغ رغم بعض الهدوء

بعد تلك الحوادث، هدأت الأجواء قليلًا بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة، قبل أن تتناقل وسائل الإعلام قضية البلاغ المقدم من الوزارة ضد النقابة، الأمر الذي اعتبره خالد أمين، الأمين المساعد لنقابة الأطباء "غريبًا ومثيرًا للدهشة" بالنسبة لمسؤولين في النقابة والوزارة على السواء.

وأوضح خالد أمين في حديث لـ"الترا صوت"، أن العلاقة بين الوزارة والنقابة كانت قد شهدت بعض الهدوء عن الفترة السابقة، خاصة بعد اللقاءات التي جمعت مسؤولين من الجهتين في البرلمان وداخل مبنى الوزارة، لمناقشة ملفات التكليف والزمالة وغيرها، "وهو ما استبشرنا به خيرًا"، على حد تعبير أمين.

ويعتقد أمين أن حديث بعض الأطباء حول قضية الحجر الصحي، ربما أزعج وزيرة الصحة، ما دفعها للإقدام على خطوة تقديم بلاغ للنيابة العام أفردت فيه الكثير من الاتهامات ضد نقابة الأطباء. ويؤكد الأمين المساعد لنقابة الأطباء، أن نقابته لم تدخل على خط قضية الحجر الصحي لفيروس كورونا.

كان غريبًا بالنسبة لنقابة الأطباء تقديم وزارة الصحة بلاغًا ضدها في الوقت الذي يسود العلاقات بينهما بعض الهدوء بعد اجتماعات مشتركة

ورغم أن أمين، بصورة شخصية، رأى في الإجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة "الكثير من الجهد، وأنها إجراءات سليمة بشكل كبير"، لكنه أيضًا رأى تسرعًا من قبل الوزارة في نقل الأطباء إلى الحجر الصحي دون إخضاعهم للتدريب. "كان من الواجب والضروري أولًا أن نعرف أكثر عن الفيروس، وأن يتم دراسته والاطلاع على كيفية مواجهته، وتجهيز الفرق الطبية بشكل جيد قبل الإجراءات التي اتخذتها الوزارة"، يقول الطبيب والمسؤول النقابي، خالد أمين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

النقابة المشاغبة.. نضالات تراكمية لأطباء مصر في مواجهة النظام

مصر.. هل يرفع الأطباء "الكرت الأحمر" بوجه النظام؟