26-أبريل-2017

التسويق الشبكي، كابوس الربح السريع (إيان والدي/Getty)

"تحب تكسب 3 آلاف دولار يوميًا؟"، بابتسامة سمجة يلقي عليك العبارة الدعائية، ويعرّف نفسه بأي اسم سريع وعابر لا يستقر في الذهن بأثر المفاجأة، ثم يدخل المرحلة الثانية من عملية اصطياد الضحية: "تعرف كيو نت"؟.

استولت شركات التسويق الشبكي على عقول الشباب المصري قبل سنوات لكن أغلب التجارب أثبتت أنها نصب بيّن وثراء وهمي، وكذبة كبيرة

يدعوك إلى فنجان قهوة في كافيه قريب، يغريك بأن الحساب مدفوع مقدّمًا مقابل أن تسمع "برزنتيشن" عمّا يريد أن يجرّك إليه، وهناك، يتحدث إليك بأداء تمثيلي بحت: "هل تريد بيزنس خاص؟". يبدأ الحسبة بالورقة والقلم: "ستدفع في البداية مبلغًا زهيدًا مقارنة بما ستربحه، الأفضل أن يكون لديك قائمة أرقام هواتف طويلة، وأصدقاء، ومهتمين آخرين بالبزنس، ستكسب كثيرًا لكن اصبر".

اقرأ/ي أيضًا: التسويق.. سؤال وجواب

غالبًا، يكون السؤال التالي: ما هي "كيو نت"؟.. يجيب: "شركة تسويق شبكي على الإنترنت، تبدأ علاقتك معها بشراء منتج، ومهمتك إقناع الآخرين بشراء سلعة من منتجاتها مقابل نسبة من الأرباح على كل شخص تستطيع جذبه، وهكذا، واحد وراء واحد، ستصبح مليونيرًا".

يشتري العميل، إذا صدَّق، سلعة من الشركة، غالبًا يتراوح سعرها ما بين 500 و1000 دولار أمريكي. هذا ليس سعر السلعة، فقيمتها الحقيقية ربما لا تزيد عن 50 دولار، وربما لا تكون ذات قيمة بالنسبة له أصلًا، لكنها تمنحه فرصة أن يكون "سمسارًا" يصنع شبكة، ويحوّل أصدقاءه إلى زبائن وعملاء لدى "كيو نت".

هكذا استولت شركات التسويق الشبكي على عقول الشباب المصري قبل سنوات، وأصبحت أغلب الحوارات الجانبية بالمقاهي والكافيهات عن حلم الثراء السريع، الذي سيتحوّل إلى حقيقة، فالكلّ يريد أن يوسّع شبكته ويبيع ويشتري و"يسمسر" ويحصل على العمولة، لكن أغلب التجارب أثبتت أنها "نصب بيّن"، وثراء وهمي، وكذبة كبيرة. هنا، أفتت دار الإفتاء المصرية بتحريم التسويق الشبكي (الإلكتروني) بحجة هدم الاقتصاد، لكنه ظلّ متداولًا ومرغوبًا، فالكل يلهث وراء حلم الثراء السريع، مهما كلّفه ذلك، على أمل أن يبيع ويكسب، ويكفّر عن سيئاته بالزكاة والصدقة.

اقرأ/ي أيضًا: التسوق الإلكتروني في العراق.. "ماكو رقابة"

ورغم منع عدد من دول العالم عمل شركات التسويق الشبكي قانونًا، ظلّت مصر، ومناطق عدّة في الشرق الأوسط، عاجزة أمامها، رغم أضرارها الاقتصادية، وعاودت مهاجمة القاهرة بشدّة هذه الأيام دون سابق إنذار ولكن برداء آخر.

ورغم أن أي تداول مادي بين المواطنين دون رقابة، خصوصًا إذا تم بتسويق شبكي، يعتبر مخالفة، لأن تلك المعاملات تصبح خارج إطار القانون، إلَّا أن أحد العاملين بشركة تسويق شبكي، تزاول نشاطها في مصر، كشف أن جميع الشركات المصرية التي تعمل بالمجال ليس لها ترخيص، لكنها في الأصل شركات استيراد وتصدير، أو تنتج سلعة بعينها تروّجها من خلال التسويق الشبكي ولا تدفع ضرائب، وتنصب على الشباب، ولذلك، فهي أحيانًا تكون وسيلة لتهريب الأموال من مصر. وهذا ما جرى في إيران، التي اتَّهمت "كيو نت" بتسهيل تدفّق نصف مليار دولار خارج حدودها بشكل غير قانوني في عملية نصب جماعي.

رغم فتوى دار الإفتاء المصرية بتحريم التسويق الشبكي بحجة هدم الاقتصاد، لكنه ظلّ متداولًا، فالكل يلهث وراء حلم الثراء السريع

تتجاوز "كيو نت" دوّامة التأثير على الاقتصاد إلى آثار نفسية، يقول أحد المتعاملين مع "كيو نت": "أهلي وإخوتي أصبحوا بالنسبة لي أهدافًا وعملاء، أريد إقناعهم بالتجارة معي لأزوّد شبكتي، وكدت أخسر شقيقي حين اتهمني بالنصب عليه.. لكن الحقيقة أن الشركة نصبت علينا احنا الاثنين".

تهاجم "كيو نت" هذه المرة، وكعادتها، أوساط الشباب، تحاول أن تغريهم وتتدلّل عليهم بالمال العظيم، والقصور التي بانتظارهم بعد المشاركة، تقدّم لهم عروضًا من يرفضها يعتقد أنه سيندم يومًا ما. يروي ممدوح.م، طالب بكلية الإعلام في جامعة القاهرة، بداياته مع التسويق الشبكي: "جلس معي صديق، وقدّم عرضًا مقنعًا، اشتريت (حظَّاظة صحيّة) تلتف حول اليد لتحدّ من الالتهابات في الجسم بـ500 دولار، رغم أن سعرها الحقيقي أقل من ربع ذلك المبلغ، وبعدما دفعت لم ترسلها الشركة، وأصبح شغلي الشاغل أن أسترد ما دفعت بأي طريقة".

بدأت الدائرة تتسع و"دوامة النصب" تكبر: "كل همي الآن جَلْب آخرين للاشتراك في كيو نت حتى أحصل على عمولة.. وأعوّض خسارتي في الحظّاظة.. لا أريد استرداد المبلغ كاملًا، سأكتفي فقط بتوزيع الخسارة على الجميع حتى لا أتحمّلها بمفردي".

وهكذا، يتورّط الآلاف من الشباب، ويخسرون في مغامرة "كيو نت" ويدعون آخرين إلى فنجان قهوة في كافيه فخم لإيهامهم بأنهم أغنياء بفضل التسويق الشبكي، والحقيقة أنهم يوزّعون خساراتهم على الجميع بحصص متساوية.

اقرأ/ي أيضًا:

التسويق.. سؤال وجواب 2

التسويق.. سؤال وجواب 3